عقيدة سلمان: رد السعودية على ضعف أوباما
أثار مقال للصحفي الأميركي جيفري غولدبيرغ حول عقيدة الرئيس الأميركي باراك أوباما فيما يخصُّ سياسته الخارجية الحديث، عن أن هذه العقيدة تصطدم مع سياسة السعودية في منطقة الشرق الأوسط.
يمن مونيتور/ هافينغتون بوست عربي/ ترجمة
أثار مقال للصحفي الأميركي جيفري غولدبيرغ حول عقيدة الرئيس الأميركي باراك أوباما فيما يخصُّ سياسته الخارجية الحديث، عن أن هذه العقيدة تصطدم مع سياسة السعودية في منطقة الشرق الأوسط.
ورداً على هذا المقال اعتبر الدكتور السعودي نواف عبيد في مقال له بصحيفة The National Interest الأميركية أن هناك عقيدة جديدة بزغت في منطقة الشرق الأوسط وهي “عقيدة سلمان” في إشارة إلى سياسة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
ويرى عبيد أن أميركا بلا شك ستكون هي الخاسر إذا ما اعتمدت على عقيدة أوباما، التي تتعارض بل وقد تتصادم مع سياسة السعودية الجديدة.
وإلى نص المقال
بعدما قدم جيفري غولدبيرغ في مقال له أخيراً شرحاً مسهباً لعقيدة الرئيس الأميركي باراك أوباما حول سياسته الخارجية، بات واضحاً الآن أكثر من أي وقت مضى أن قرارات السعودية في استراتيجية الشرق الأوسط تتعارض وتوشك أن تتصادم مع تلك التي تتخذها الولايات المتحدة في المنطقة.
السبب في ذلك هو أن “عقيدة أوباما” تتنافى جملة وتفصيلاً مع عقيدة جديدة تبزغ في المنطقة هي “عقيدة سلمان” الآخذة بالنمو في الملكة بغية إعادة السلم وشيء من الاستقرار للمنطقة بأسرها.
وبينما ستستفيد السعودية وحلفاؤها كثيراً من وقوف الولايات المتحدة في صفهم، لكن الخاسرة ستكون واشنطن إن هي نأت بجانبها وأعرضت عن التعاون مع الأجندة السعودية. فمنذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها والنفوذ الأميركي ومكانتها في العالم العربي يدينان بالكثير لـ”العلاقة المميزة” والوطيدة التي تجمع أميركا بالمملكة.
كان الرئيس أوباما قد عبر عن عقيدته منذ أولى دعايات حملته الانتخابية حين قال إن “الولايات المتحدة لا يسعها استخدام جيشها لحل المشاكل الإنسانية”، وهو ما يفسر جملة من قراراته، مثل العزوف عن التدخل العسكري للإطاحة بالأسد بعدما تجاوز “خطه الأحمر” الذي رسمه باستخدامه للأسلحة الكيماوية على شعبه، والإذعان لمطامح إيران الإقليمية وإبرام صفقة نووية معها، والسماح للميليشيات الشيعية بأن تصول في العراق، وتفادي الضغط على إسرائيل في القضية الفلسطينية، فضلاً عن التساهل مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لأنها “لا تشكل تهديداً لكيان الولايات المتحدة”.
لكننا نستشف بوضوح من مقال غولدبيرغ أن عقيدة أوباما لا تمثل فحسب تردد أوباما الكبير حيال التدخل وإحجامه عن إقحام التدخل العسكري الأميركي، بل إن عقيدته تلك تكشف أيضاً تخليه التام عن العالم العربي ومبايعته لقوة أكبر في المنطقة ليست سوى إيران نفسها.
لكن لعل في “عقيدة سلمان” خير وسيلة لمقارنة عقيدة أوباما بنقيضها التام. فالإدارة السعودية ترى أن على الأسد الرحيل عن سوريا، وأن مطامح إيران الإقليمية والنووية ينبغي وقفها والحول دونها، وأن الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن هي مجموعات إرهابية ينبغي القضاء عليها، وأن على العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن على العالم ألا يألو جهداً في سبيل هزيمة تنظيمي “داعش” و”القاعدة”.
في قلب معظم هذه الاختلافات العقائدية إيمان وإصرار سعوديين على أن إيران هي أُسّ البلاء في العديد من المشاكل الأمنية التي تعصف بالشرق الأوسط حالياً. أما إقرار أوباما بأن على السعودية أن “تشارك” المنطقة مع إيران فهو أمر عبثي ومحال، إذا ما أخذنا في الاعتبار دعم إيران الضخم واللامحدود للإرهاب.
هنالك عناصر 3 على المرء استيعابها جيداً كي يفهم عقيدة سلمان، فهي لم تولد فجأة بل جاءت بناء على تقييم ممحص للتاريخ، وعليه تهدف لإحداث تغييرات هامة وحقيقية في العالم.
أولى هذه العناصر أن عقيدة سلمان ولدت من رحم الحاجة الاستراتيجية بعدما تزايد انسحاب الإدارة الأميركية من المنطقة ونفضت أيديها منها نتيجة لعقيدة أوباما.
ثانياً، مثلما آراء أوباما نابعة من تاريخ بلاده الأميركي، كذلك حال آراء الملك سلمان نابعةٌ هي الأخرى من التاريخ العربي، ولذلك لا نية لدى الملك بالسماح لإيران بأن تتهدد 1400 عام من السيادة الإسلامية السنية لتحقيق هدفها وإعلاء يد أقليتها الشيعية فوق العالم الإسلامي بأسره.
أخيراً وليس آخراً، إن عقيدة سلمان مستندة إلى دعائم شاملة وتطورات جذرية في الجيش السعودي وسياسة الدولة ونظام التحالف العربي.
بالفعل إن نظرة فاحصة عن كثب على جهود المملكة وحلفائها المبذولة لردع الفوضى في المنطقة (التي مصدرها الأكبر إيران) تكشف أن عقيدة أوباما وفلسفته تحرم أميركا وتعزلها عن تحالف دولي آخذ في النمو قوامه دولٌ اتحدت في مبادئها ونظرتها – تحالفٌ تشكل وتبلور في العالم الإسلامي.
إن التوسع والانتشار العسكري السعودي على مدى الأعوام الخمسة الماضية غير مسبوق على الإطلاق، فالمملكة رصدت لتوِّها 150 مليار دولار لتعزيز مكانتها الدفاعية، على أن تزيد هذه الميزانية 100 مليار دولار أخرى على مدى الأعوام الخمسة التالية.
ويخوض الجيش السعودي جنباً إلى جنب مع قوات حلفائه معارك عديدة في المنطقة، كتلك التي استدعت نشر الجيش في البحرين عام 2011، فضلاً عن الوضع الراهن في اليمن في مواجهة وكلاء إيران هناك. وبالإضافة إلى ذلك فإن سلاح الجو السعودي ونظراءه من دول عربية حليفة معينة جميعها تعمل ضمن منظومة التحالف الدولي ضد داعش في سوريا، ومن الممكن أن تمتد هذه الجهود مستقبلاً لتغطي العراق كذلك.
أعلنت المملكة أخيراً عن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب والذي يتألف من 34 دولة. وتعد باكستان ومصر وتركيا وماليزيا ونيجيريا من بين بلدان التحالف الرئيسية. وقد استكمل ذلك التحالف مناوراته العسكرية الكبرى والمعروفة باسم “رعد الشمال” بالقرب من مدينة حفر الباطن العسكرية السعودية، حيث تم تدريب 150 ألف جندي من 20 دولة إسلامية على سيناريوهات المعارك المحتملة.
وبينما يركز التحالف على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتنظيم القاعدة، فإنه يمارس تدريباته أيضاً من أجل القيام بهجمات محتملة على العراق وسوريا بهدف القضاء على الميليشيات الشيعية المتنامية هناك.
وقد تجاهلت إدارة أوباما هذه الجماعات الإرهابية الموالية إيران، التي تمتلك ترسانات أسلحة هائلة ونحو 75 ألفاً من المقاتلين غير النظاميين، على مدار فترة زمنية طويلة، رغم كونها تمثل خطراً إقليمياً كبيراً.
وهي مسألة وقت فقط قبل أن يضطر ذلك التحالف بزعامة السعودية إلى بدء عملياته العسكرية ضد هذه الجماعات الإرهابية في الأراضي السورية والعراقية.
فقد تحول الربيع العربي المزعوم، الذي فاجأ إدارة أوباما ومنحه دعمه التكتيكي لاحقاً، إلى كارثة كبرى. وفي أعقاب الربيع العربي، استهل أوباما سياسة ينتوي خلالها عدم التورُّط في الشرق الأوسط عسكرياً. وأدت هذه السياسة إلى تفاقم الفوضى وإراقة الدماء.
ولملء هذا الفراغ القاتل، كان على السعودية وحلفائها محاولة فرض النظام في منطقة تعاني من كوارث الدول المتهاوية وتنظيم داعش والعديد من الحروب الإيرانية بالوكالة.
ومع ذلك، توشك فترة حكم الرئيس أوباما على الانتهاء. ومن المأمول أن تتخذ الإدارة الجديدة توجهاً أكثر واقعية وإيجابية نحو الدور الهام للولايات المتحدة في الحفاظ على الاستقرار في أهم أقاليم العالم من الناحية الاستراتيجية.
معلومات عن الكاتب – نواف عبيد: زميل في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، ومحاضر في جامعة ستيرلينغ، وزميل في المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية، وزميل في مركز الملك فيصل للأبحاث والعلوم الإسلامية، وحاصل على دكتوراه في الدراسات الحربية من جامعة لندن وماجستير في السياسة العامة من جامعة هارفارد.