“أشكر الله غيرك مات”.. الأخطاء الطبية تسبب أمراض عضال وإعاقات دائمة للمرضى اليمنيين (تحقيق خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من أسامة عفيف
تتوسع دائرة الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة في اليمن، وسط فوضى في العمل بالمجال الطبي، مع غياب مؤسسات الدولة والجهات الرقابية، فمن لم يفقد حياته في جحيم المعارك، يخسرها ببساطة في أروقة المستشفيات.
وفي حين تتعدد أسباب الأخطاء الطبية، فإن تهاون الطبيب في تأدية مهمته يُفاقم المشكلة، فقد يدخل المريض إلى مستشفى ويخرج منه جثة هامدة، وإذا ما قرر رفع شكوى للقضاء، فعادة ما تضيع أوراق الشكوى في أرشيف المحاكم والنيابات، الأمر الذي فتح الطريق للمرافق الطبية والعيادات الخاصة أن تعبث بأرواح المرضى باسم الطب.
وخلال السنوات السبع الأخيرة، شهدت منصات التواصل الاجتماعي العديد من القصص مأساوية، التي راح ضحيتها المئات بينهم أطفال، نتيجة هفوات جراحية بالجملة، وعمليات تخدير بدائية وفاشلة، إلى جانب سوء التشخيص الأعمى الذي يقود بعض الحالات إلى غرف العناية الفائقة، وكثيراً إلى ثلاجة الجثث.
مع انهيار الوضع الاقتصادي والأمني والصحي بفعل الحرب، يعيش ملايين اليمنيين، تحت رحمة الأمراض والأوبئة لتكتمل المأساة بالأخطاء الطبية التي توزع عليهم الوجع والفاجعة لتجرعهم طعم الموت بكافة ألوانه، كوجه آخر للحرب التي لم تخمد نيرانها بعد
“حكايات محملة بالألم”
لم يتوقع نبيل “اسم مستعار” يوماً ما أن تؤول حالته الصحية إلى هذا السوء، فمنذ أكثر من عامين ونبيل يعاني من آلام شديدة في بطنه، وعندما قرر الذهاب إلى الطبيب في مستشفى الصفوة بمدينة تعز، أخبره أنه لابد من استئصال المرارة، ليتم بعد ذلك إجراء العملية له وبدلاً من استئصال المرارة قام الطبيب باستئصالها مع القناة الصفراوية.
يروي نبيل تفاصيل المأساة لـ”يمن مونيتور” فيقول أن الطبيب الذي أجرى له العملية حوّله إلى طبيب آخر في صنعاء، بعد تفاقم حالته الصحية، وهناك قال له الطبيب أن إجراء العملية ستكلفه مليون ونصف ريال (الدولار=600 ريال) أو أن حياته معرضه للموت ما دفعه للموافقة على أجرائها لكنه الطبيب الجراح الذي يعمل في المستشفى الجمهوري بصنعاء، رفض أجرائها بعد أن وجد أن فتحت العملية السابقة متقيحة ويخرج منها سائل مائي”.
يواصل نبيل روايته، بعد أن فقدت الأمل بالحياة: “نصحني أخي بالذهاب لمستشفى العلوم والتكنولوجيا في صنعاء لكنهم أيضا لم يوافقوا على إجراء العملية وذلك لأني تأخرت وقد حدث تسمم في مكان العملية السابقة”.
لم يكن من نبيل بعد ذلك، سوى العودة من صنعاء إلى تعز لمقابلة الطبيب الذي أحدث له الخطأ الطبي، وحينما قرر رفع قضية ضده أرسل الطبيب الوساطات المحلية عبر أقربائه والتزم بتحمل أي نتائج سلبية قد تحدث له، وأعطاه مبلغ اثنين مليون ريال، في حين أن كلفته العملية تضاعفت إلى نحو خمسة مليون ريال”.
بين كل فترة وأخرى تظهر لنبيل مضاعفات وتأثيرات جديدة، ما جعله حياته متنقلاً بين المستشفيات والعيادات
ومع تأخر نبيل عن تلافي الخطأ الطبي، تضاعفت الأعراض في جسده وظهرت أعراض جديدة، إذ تبين بعد إجراءه فحوصات أن لديه اختلالاً في وظائف الكبد، وعندما عرض الفحوصات على الطبيب في صنعاء، أشعره الأخير بخطورة المرض وطلب حضوره فوراً، يقول نبيل :”بعد ذلك ذهبت إلى صنعاء مباشرة عند طبيب كبد، وأعطاني علاج أستخدمه مدى الحياة”.
وبين كل فترة وأخرى تظهر لنبيل مضاعفات وتأثيرات جديدة، ما جعله حياته متنقلاً بين المستشفيات والعيادات يقضى معظم أيامه أملاً في التعافي من تلك الآلام التي تسبب بها الخطأ الطبي لجسده.
يقول نبيل، وعلامات التعب على وجهه وجسده المنهك:” أفقد صحتي كل يوم، وأصبحت أُجهد سريعا ولا أقدر على حمل الأشياء الثقيلة، أعمل ليوم واحد وأنام لنحو أسبوع، آخر جهاز أجريته في عدن كان قبل أسبوع، وطلبوا مني الذهاب للقاهرة”.
ويظهر قانون مزاولة المهن الطبية في اليمن، أي إجراء عمليات جراحية للمريض إلا بعد إعطائه المعلومات اللازمة عنها، وأخذ موافقته كتابياً، وإذا كان المريض فاقداً للوعي، أو ناقص الأهلية، أو مصابًا بعاهة تمنعه من التعبير عن إرادته، فتؤخذ موافقة ولي أمره، وليس هناك أي إشارة إلى أن الموافقة الكتابية تشمل حدوث أي خطأ طبي لـ”نبيل.”
الأخطاء الطبية في الإجراءات الجراحية، تشكل الغالبية، التي يتلقى مكتب الصحة والسكان شكاوى بخصوصها- نائب مدير مكتب الصحة بتعز علي الخليدي،
“تنوع الأطباء والخطأ واحد”
تتباين الإجراءات العلاجية لدى الأطباء، كنتيجة حتمية لاختلاف المدارس الطبية، وعادة ما تكون تلك الإجراءات طبيعية إذ أنها تؤدي ذات النتيجة، لكن الكارثة إذا ما حدث التباين ووقع الاختلاف في تشخيص حالة المريض، أي أن كل طبيب يكشف عن مرض آخر، وتباعاً ستتغير الأدوية العلاجية لذلك.
يقول نائب مدير مكتب الصحة بتعز علي الخليدي، إن “التشخيص الخاطئ يترتب عليه إجراءات طبية خاطئة، وذلك بسبب إخفاء المريض معلومات عن الطبيب أثناء الشكوى المرضية، أو عدم أخذ الطبيب للقصة المرضية بشكل جيد نتيجة لإهمال الطبيب، أو حصول خطأ في الفحوصات الطبية المخبرية، مما يعطي نتائج غير دقيقة لتلك الفحوصات”.
يضيف الخليدي حديثه لـ”يمن مونيتور” بالقول: “الأخطاء الطبية في الإجراءات الجراحية، تشكل الغالبية، التي يتلقى مكتب الصحة والسكان شكاوى بخصوصها”.
لكن رشا “اسم مستعار” هي الأخرى، لديها حكاية مع الأطباء والتشخيص الخاطئ، الذي كاد أن يؤدي بحياتها، ففي بداية مرضها كانت تؤلمها المعدة وحينما اشتد عليها الألم، أجرت الفحوصات وأخبروها أنها تعاني من التهابات شديدة، وأعطاها الطبيب مضاد حيوي، تفاقمت حالتها الصحية على أصبحت طريحة الفراش لا تفارقه.
وحينما ذهب والد رشا إلى طبيب آخر، وأجرى لها الفحوصات الطبية، أخبرهم الطبيب ذات الكلام وأعطاها المضاد الحيوي، لكن هذه المرة كانت النتائج وخيمة، إذ دخلت رشا في غيبوبة مع وهن في جسدها يوما بعد آخر.
تقول رشا في حديث لـ”يمن مونيتور”: “كنت حينها غير قادرة على المشي، لكن صديقة أمي دلتنا على طبيب وحينما ذهبت إليه وجد عندي سائل بالرئة سبّب لي كل هذه المضاعفات، وذلك نتيجة للأدوية الخاطئة التي استخدمتها، وما زلت حتى اللحظة أعاني من آثار هذه الأدوية”.
“الكثير من العقبات تقف حائلاً أمام قضايا الأخطاء الطبية، أبرز تلك العقبات، توقيع المريض على إخلاء مسؤولية الطبيب في حال حدوث خطأ طبي”-خبراء قانون
“أطباء في ساحة القانون”
وحسب قانون المنشاة الخاصة، فإنه يسمح للطبيب بفتح عيادة خاصة بعد إحالته للإدارة المتخصصة في مكتب الصحة، والاطلاع على اللائحة التنظيمية لذلك، وعقب ذلك “تُشكل لجنة للنزول الميداني بالتنسيق مع فروع مكاتب الصحة على ضوء ذلك يتم فتح العيادة أو رفع التقرير بمخالفة الطبيب لهذه المعايير”.
من جانبهم، يقول خبراء القانون، إن “الكثير من العقبات تقف حائلاً أمام قضايا الأخطاء الطبية، أبرز تلك العقبات، توقيع المريض على إخلاء مسؤولية الطبيب في حال حدوث خطأ طبي، وهذا يمثل مشكلة عند تقديم إفادات الخبراء المعنيين إلى المحاكم، أو المجالس النقابية التأديبية”.
ووفقا للقوانين الطبية السائدة، فإن مزاوِل المهنة يكون محلاً للمساءلة القانونية، إذا أخلّ بأحد واجباته الطبية، أو خالف أصول المهنة، وفي هذه الحالة يحق للمجلس الطبي، تطبيق إحدى العقوبات التأديبية بحقه، والتي قد تصل إلى شطب اسمه من سجلات المجلس الطبي، وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة إلى الأبد، لكن مع غياب تفعيل هذه القوانين والإجراءات من قبل الجهات المعنية، باتت ظاهرة الأخطاء الطبية تتسع في اليمن، وأصبح ضحاياها ينافسون ضحايا الصراع المتفاقم في البلاد.