على حافة الموت.. كيف يعيش اليمنيون قرب خطوط النار في تعز؟ (1)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من مختار شداد
في ملف “على حافة الموت” يناقش “يمن مونيتور” في أجزاء متعددة حياة المواطنين اليمنيين على الحدود الداخلية لمدينة تعز وسط اليمن التي يحاصرها الحوثيون منذ سنوات، ويمتنعون عن الاستجابة للمناشدات المحلية والدولية بفتح الطرقات.
فضلت المئات من العائلات في مدينة تعز البقاء في منازلها قرب الخطوط الأمامية للمعارك على النزوح والتهجير، يقولون إنهم لا يملكون ملجأً لدى أقاربهم، ويفضلون البقاء على التشرد، وارتفاع قيمة السكن في المناطق الأخرى. رفض الحوثيون حتى الآن رفع الحصار المفروض على المدينة، بما فيها مبادرات للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، يمكن لرفع الحصار أن يحد بشكل كبير من تدهور وضع حياة السكان في تلك الأحياء. يناقش هذا الجزء “الأول” من هذا الملف حياة السكان في المنطقة الشرقية لمدينة تعز. |
تعيش مدينة تعز وسط اليمن، منذ اندلاع الحرب حصار خانقًا من قبل جماعة الحوثي التي تتمركز في منافذ المدينة مشكلة بذلك حاجز يمتد من الجهة الشرقية للمدينة إلى الجهة الشمالية وجزء كبير من الجهة الغربية، حيث تمنع الجماعة مرور المواطنين عبر تلك المنافذ إلى مناطق سيطرتها بالإضافة إلى أنها لا تسمح بدخول شيء من تلك المنافذ.
وفي المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، اضطر المواطنين للسكن بالقرب من تلك المناطق التي تدور فيها معارك شرسة بصورة شبه مستمرة، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد وارتفاع ايجارات المنازل في المدينة ناهيك عن انقطاع الرواتب أو تأخر صرفها بصورة مستمرة.
المئات من المواطنين عادوا إلى منازلهم في وادي “صالة” شمال المدينة بعد تحريرها من قبضة الحوثيين، ولكن المنطقة مازالت تحت خطر القصف العشوائي الذي يشنه الحوثيون بين الحين والآخر على الأحياء السكنية في تلك المناطق القريبة من خطوط التماس، وليس القصف وحده من يهدد حياة المدنيين في وادي “صالة” فالقناص خطر آخر يترصد تحركاتهم ويقتل من يشاء وبدون مراعاة للعمر أو الجنس.
تفاصيل مرعبة
“قلق، خوف، حياة معيشية صعبة، لا نقدر على الخروج بحرية من بيوتنا”، قال محمد مقبل في الخمسينيات من عمره، شارحًا وضعهم اليومي الذي يعيشونه في منطقة وادي “صالة” بشكل يومي منذ تحرير المنطقة.
يروي ” محمد” في حديثه لـ”يمن مونيتور” بعض تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها بصورة متكررة قائلًا: ” أيام الاشتباكات والمعارك لا يخرج أحد من منزله إلا عبر ممرات ابتكرناها للتستر من القناص، والغرف المواجهة للحوثيين نخليها ونحشر كل أفراد الأسرة في الغرف التي في الجهة الأخرى”.
يضيف “محمد” قوله إن الأطفال أصيبوا بنوبات فزع وقلق ليلي بسبب سماعهم لأصوات القصف ومشاهدتهم لصور الضحايا في بعض الأحيان، “العيش هنا مخاطرة كبيرة وقد شاهدت العديد من الضحايا الذي سقطوا إما بسبب القنص أو القصف”.
تشير الاحصائيات إلى مقتل أكثر من ثلاث آلاف مدني حتى نهاية 2020، معظمهم برصاص القناصة، والمدفعية التابعة للحوثيين، الكثير منهم من النساء والأطفال.
وبرغم الحرب والمعارك العنيفة التي دارت هناك إلا أن “محمد مقبل” لم يترك منزله لحظة واحدة، فهو كما يقول ليس لديه قريب يذهب إليه ولا يرغب بحياة النزوح والتشرد، إنما يفضل البقاء في منزله رغم الخطورة الكبيرة التي تتهد حياة اسرته كل يوم.
وتعتبر مديرية “صالة” من أكثر المناطق التي شهدت دمارًا كبيرًا بسبب المعارك التي دارت فيها منذ اندلاع الحرب، والتي مازال جزء كبير منها بيوت خاوية على عروشها.
تبدو المديرية شبه مدمرة معظم المنازل طالتها الاشتباكات ونصف مهدمة، أو سويت بالأرض، ما يوضح مرارة العيش والرعب للسكان الذين يبقون هناك.
معيشة ضنكا
“عبده مهيوب” هو الآخر فضل البقاء في بيته القريبة من خطوط النار على النزوح والتشرد، واصفًا خياره بأنه الخيار الأصعب فالبقاء هنا يعني حتمية الموت في أي لحظة خاطفة، كما يقول الحاج “مهيوب” البالغ من العمر سبعين عامًا.
يكمل “عبده مهيوب” حديثه لـ”يمن مونيتور” قائلًا: “انقطاع الراتب والوضع المعيشي المتدهور هو ما جعلني اسكني في بيتي المكشوف للقناص، اعرف ان في هذا مخاطرة ولكن أين أذهب وأترك كل ما أملك خلفي”.
يحكي لنا “مهيوب” قصته في ظل انقطاع راتبه العسكري منذ اندلاع الحرب والذي كان آخر مصدر دخل يعتمد عليه في إعالة اسرته، أما الآن بعد توقف راتبه يعتمد على المساعدات التي تقدمها المنظمات بشكل أساسي في توفير احتياجات الأسرة من المواد الغذائية.
بتجاعيده وشيبة رأسه يتلعثم “عبده مهيوب” في الكلام عن وضعه المعيشي الصعب مع انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.
يعيش المواطنون القريبون من مناطق الاشتباكات معاناة مضاعفة عن اقرانهم في وسط المدينة، فهنا لا تتوفر مقومات الحياة بسهولة، فالماء تعتمد المئات من الأسر في توفيره من خلال فاعلي الخير، والكهرباء منقطعة، أما المواد الغذائية فأسعارها تتقلب كل يوم من السيء إلى الأسوأ في بلاد تشهد عملتها المحلية تدهور في أسعار صرفها من يوم لآخر في ظل عدم وجود حلول ملموسة للحد من معاناة المواطنين التي لا إشارة على انتهائها.