معاناة الأسر في مدينة تعز اليمنية تتجدد مع كل عام دراسي جديد (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ تعز/ من موسى المليكي
تتجدد معاناة الأسر في مدينة تعز اليمنية، مع بداية كل عام دراسي بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية، إذ صعب عليهم تلبية متطلبات أبنائهم الدراسية، في ظل استمرار الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي واستمرار حصار الحوثيين للمدينة للعام الثامن على التوالي.
ومع إعلان وزارة التربية والتعليم في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً موعد بدء العام الدراسي الجديد، شهدت المستلزمات الدراسية (أدوات قرطاسية، أزياء، حقائب)، هذا العام موجة ارتفاع للأسعار بنسبة تجاوزت 120% لتشكل عبء مجحف بحق الأسر، ستنعكس آثارها السلبية على الطالب وقد تؤدي إلى حرمان الأبناء من التعليم.
مراسل “يمن مونيتور” “تجول عصر الثلاثاء (26 يوليو/2022) في عدد من أسواق المدينة وناقش مع عدد من المواطنين ومالكي عدد من المكتبات ومحلات الملابس قضية ارتفاع المستلزمات المدرسية والأسباب التي تسببت في هذا الارتفاع غير المسبوق.
“جنون العصر”
النزول إلى الأسواق قبيل استعداد افتتاح المدارس، كان ضرورة بالنسبة للمواطن “محمد المجاهد”، فطوال تجواله في الأسواق كان يتردد على المحلات التي تعرض الأزياء المدرسية، وفي كل مرة يصاب بصدمة وحيرة.
يقول ملابس محمد إن الزي المدرسي معروض في أحد المحلات بسعر 20000 ألف ريال (الدولار= 1150 ريالاً) وأيضا تفاجأ بغلاء غير مسبوق بأسعار الحقائب والدفاتر، والأقلام.
يقول محمد إن الأسعار منعته من شراء مستلزمات المدارس لأبنائه، وفضل الانتظار حتى نهاية الشهر، أملاً في تخفيض الأسعار وهبوط العملات الخارجية التي أحدثت ضجة في البلاد.
من جانبه، أبدى المواطن “عبدالله صالح”، الذي تقاعد من السلك العسكري ولديه خمسة أولاد، استغرابه الشديد من حالة الغلاء، قائلاً: إن أسعار المستلزمات المدرسية لا تساوي شيئاً أمام راتبه التقاعدي إذ أطلق على ما تمر به الأسواق اسم (جنون العصر)”.
وأكد صالح، أنه “مضطر للشراء مبكراً لتفادي الزحمة التي سوف تشهدها الأسواق مع اقتراب موعد العودة للمدارس، لكنه طالب الجهات المختصة في مكتب الصناعة والتجارة في المحافظة، بمراجعة أسعار الملابس وإصدار قائمة بالأسعار للمستلزمات المدرسية، نظراً لأن هناك كثير من الأسر ليس بمقدرها على الشراء”.
“خيار واحد”
من داخل محلات أحد محلات الملابس، أفادت “أماني” وهي أم لطالب مقبل على المرحلة الثانوية، أنها أمام خيار واحد فقط وهو شراء الملابس بسعر غالي الثمن، لأن هذا أول عام لابنها في المرحلة الثانوية وهي تسعى جاهدة لأن توفر كل ما يحتاجه”
لكنها أبدت تخوفها من أن تشهد أسعار المستلزمات الأخرى (حقائب، أدوات مدرسية، كتب خارجية)، وغيرها ارتفاعاً أيضاً، الأمر الذي يتطلب ميزانية ضخمة حتى تتمكن من توفير متطلبات الدراسة.
وقالت: “بحكم عملي في السلك التربوي أعلم جيداً الحالة النفسية التي يعاني منها الطالب عندما لا يرتقي لمستوى زملائه، لذلك أحاول جاهدة توفير ما يمكن توفيره حتى لا يشعر ابني بنقص”.
“أماني” نصحت الأسر معدمة الدخل إلى شراء الملابس والأدوات المدرسية قبل بدء العام الدراسة، مشيرة إلى أن “الأسعار كانت منخفضة جداً وفي متناول اليد”.
“أم ريتاج” تترجى البائع بالقول:”إتقِ الله يا أخي، والله ما فيش معي غيرها”، وعند محاولتنا التدخل لمعرفة رأيها حول ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية، شكت الأم إلى أن التجار “لم تعد في قلوبهم رحمة في البيع والشراء مع المواطنين”.
ووصفت “أم ريتاج” لـ”يمن مونيتور”، الحال بالقول: “حصار علينا من الخارج من قبل الحوثيون، وغلاء فاحش علينا وعلى أطفالنا من التجار في الداخل”.
“أسعار معقولة”
على الجانب، الآخر، يقول التجار والمستوردون في المدينة، إن أغلب الأقمشة مستوردة من خارج البلد، وهناك زيادات طرأت على قيمة الترحيل والجمارك، الأمر الذي دفعهم لزيادة الأسعار حتى تغطي معهم.
وقال أحد التجار إنهم يبيعون بـ”أسعار معقولة تناسب الوضع الراهن للمواطنين وأسرهم، وأن فائدتهم لا تتعدى الـ(20%) من كل صنف يتم بيعه”.
وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”، أن الأسعار في العام الماضي كانت مناسبة ولم تشعر بها الأسر لأن الوضع كان مختلف، ولكن هذا العام شهد ارتفاعاً كبيراً في المنتجات وانعكس ذلك على البضاعة المعروضة.
كما أن أزمة الوقود ساهمت بشكلٍ كبيراً في زيادات أسعار البضائع لارتفاع قيمة الترحيل محلياً، وحتى يتم سد الفجوة لابد من زيادة السعر وتفادي الخسارة، حد قوله.
“جشع التجار”
مالك أحدى المكتبات عزا في حديثه لـ”يمن مونيور”، الأسباب في ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية، إلى جشع التجار المستوردين إذ أن “لهجة تجار الجملة تتغير مع بداية كل عام دراسي، ويزداد طمعهم مع زيادة الطلب”، مشيراً إلى أن الزيادة تتجاوز في الكرتون دفاتر ورق البياض إلى 1000 ريال، من أسبوع إلى آخر”.
وأوضح “أن التجار يرجعون ذلك إلى ما أسموه زيادة الضرائب والجمارك المفروضة على بضائعهم، بالإضافة إلى كلفة نقل البضائع، مشيرا إلى أن مستلزمات التعليم يجب إعفائها من الضرائب والجمارك، دعما وتشجيعا للأجيال في الأوضاع الراهنة مع استمرار العدوان والحصار المفروض تعز.
مالك احدى المكتبات الأخرى، عزا هو الآخر، ارتفاع المستلزمات المدرسية بالقول: ”الأسعار غالية جدا، والله أصبح البيع والشراء بالبركة لا أكثر”.
“كابوس يرهق كاهل الأسر”
في السياق، يقول المواطن علي الصبري، إن “ارتفاع الأسعار في احتياجات الطلاب الدراسية، باتت تشكل عبئ وكارثة مالية ترهق كاهل أولياء الأمور في ظل عدم كفاية الراتب ، والأكثر من ذلك أن مستلزمات الأولاد الدراسية باتت كابوسا مؤلم للأسر
وأضاف: “نعول على ترسيخ قيم التكافل المجتمعي في التخفيف عن كاهل الأسر الفقيرة عن طريق تبني مشاريع تستهدف توفير احتياجات الطلاب من أبناء الأسر الفقيرة كلا في منطقته”.
ودعا المواطن الصبري “منظمات المجتمع المدني إلى الاسهام الفاعل في تنفيذ مشاريع تسهم في عودة الطلاب للمدارس والارتقاء بالعملية التعليمية لا سيما توزيع الحقائب المدرسية والمستلزمات الطلاب من الزي والدفاتر والاقلام والحقائب وغيرها، لتحقيق التكامل والحفاظ على أجيال المستقبل من الضياع وقبل أن يستفحل الجهل بالكثير منهم”.
“مستقبل الأبناء”
من جهته، أكد مدير مدرسة في مديرية القاهرة طالباً عدم ذكر اسمه، أن “الأسر التعزية تجد نفسها في مواجهة مع متطلبات العام الدراسي لأولادها، لتكتوي بنار الأسعار التي أصبحت لا ترحم أحد، بل يتضاعف سعيرها من عاما لآخر، وتزداد معها الهموم والمعاناة لرب الأسرة، الذي يقف مقهورا أمام عدم قدرته على توفير أبسط الاحتياجات الرئيسية لأولاده”.
ويضيف مدير المدرسة “هناك حقيقة ندركها هي أن كثير من الأسر لم يكن باستطاعتها الإنفاق على تعليم أبنائها، بل وعملت على الدفع بهم نحو سوق العمل للإسهام في توفير احتياجات الأسرة المعيشية من المواد الغذائية الضرورية وإعانتها للبقاء على قيد الحياة، نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة ،وعدم كفاية الراتب”.
ودعا الجهات المعنية والمسئولة إلى “تكثيف الرقابة على كبار التجار الذي أصبح طمعهم وجشعهم يستهدف التعليم، من أجل تحقيق أرباح خيالية واستغلال للوضع الراهن دون أي وازع ديني أو أخلاقي تجاه ما تتجرعه الأسر من القهر أمام أبنائها، التي تصل في أحيانا كثيرة إلى حرمانهم من الالتحاق بالتعليم.
تداول ناشطين علي وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لأحد الطلاب قام بطمس اسم المنظمة من واجهة الحقيبة المدرسية، حفاظا على كرامته أمام زملاءه، نظراً لأن “المنظمة لم تحافظ على مشاعر الطلاب المحتاجين من الفقراء أمام زملائهم.
إذ يشكو كثير من المواطنين، من أن “منظمات المجتمع المدني جعلت من مشاريعها الإنسانية وسيلة دعائية لها، إلا أن الطالب وجه رسالة هامة لكافة تلك المنظمات مفادها ”صحيح أننا فقراء، لكننا نمتلك عزة وكرامة”.