فرح العرب وهلل كثير من أصحاب القلم واستبشر بعض قادة الفكر الديني الإسلامي بفوز الرئيس الأمريكي باراك أوباما حسين، ولكل منهم أسبابه في الفرح. الحق أنني لم أكن من المستبشرين خيرا بصعود الرجل الأسمر إلى قمة هرم السلطة فرح العرب وهلل كثير من أصحاب القلم واستبشر بعض قادة الفكر الديني الإسلامي بفوز الرئيس الأمريكي باراك أوباما حسين، ولكل منهم أسبابه في الفرح. الحق أنني لم أكن من المستبشرين خيرا بصعود الرجل الأسمر إلى قمة هرم السلطة السياسية في واشنطن، وأسبابي في ذلك أن السياسة الخارجية والعسكرية ترسمها مؤسسات وليست اجتهاد فرد أو حزب محدد، الأمر الثاني أن الشعور الباطني لدى الرئيس الأمريكي أنه ينتمي إلى البيئة السمراء وعليه أن ينفي عن نفسه ذلك الانتماء عمليا، والأمر الثالث أنه متهم بأنه ما برح في عروقه نفحات إسلام، كل هذه العوامل وغيرها تحدد اتجاهات واجتهادات الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
(2)
باراك أوباما منذ أن تولى مهامه الرئاسية راح يجمع ملفات الشرق الأوسط بين يديه، وراح أصحاب النوايا الحسنة من العرب يراهنون على النازل الجديد في البيت الأبيض، وجاء من واشنطن إلى الرياض، إلى القاهرة، وهو يبشر ويطمئن الكل بأنه يدرك حقيقة مظالمهم، وأنه القادر على حل تلك المظالم، وانتهت السنوات الأربع الأولى من قيادته للسياسة الأمريكية، ولم يفعل للعرب خيرا، بل راح يغدق على إسرائيل المال والسلاح المتطور والحماية الدبلوماسية في المنظمات الدولية، ويدغدغ عواطف الإيرانيين.
في ولايته الثانية اندفع يؤلب الصحافة العالمية بطريق مباشر وغير مباشر عبر تصريحاته لوسائل الإعلام ضد العرب والمسلمين تحت ذريعة “الإرهاب” ومعاداة أمريكا.
لسنا في حاجة لنؤكد أنه ليس هناك منا من يعادي الأمريكان، ولا من يعادي اليهود لمجرد يهوديتهم، ولا الإيرانيين لمجرد أنهم إيرانيون، لكن الذي يمكن أن يخلق العداوة ويولد المرارة هو أخطاء الممارسة المقصودة وازدواجية السلوك وتجاهل الحقائق وجنوح السياسة نحو التسلط والتشدد والذاتية وفرض الأمر الواقع على الشعوب دون أدنى اعتبار لحقوقها المشروعة وكرامتها المهدرة ودون اهتمام بمعاناتها القاسية وطموحاتها المشروعة.
إن انحياز الإدارة الأمريكية الواضح والصريح إلى إسرائيل وإيران وتحاملها على العرب لا يحتاج إلى أدلة، وهو انحيازٌ ورثته الإدارة الأمريكية الحالية عن أسلافها، ولكنه أصبح أكثر وضوحا وصراحة وجرأة في عهد الرئيس باراك أوباما.
(3)
إن قضية الإرهاب ينبغي التعامل معها بمنظور أوسع وعدم ربطها بأفراد أو جماعات عربية إسلامية سنية وحدها، دون التفاتة إلى بقية أجزاء العالم، لأن ذلك ظلم وإجحاف وتحامل وتجاهل بدليل ما يحدث في شوارع ومداس ومجمعات كثير من المدن الأمريكية وغيرها من مدن العالم.
إن وصف الإسلام بأنه دين “إرهابي” جريمة أخلاقية وإنسانية، فالأديان السماوية لا يجوز تحت أي ذريعة التطاول عليها أو على رموزها أو وصمها بالإرهاب. إن المسؤولين الأمريكيين يستثنون في كل خطبهم وبياناتهم الصحفية الرسمية وجهودهم السياسية (إيران وإسرائيل) من صفة الإرهاب رغم كل الممارسات الإرهابية التي تمارسها إسرائيل بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، والممارسات الإيرانية ضد الشعب العراقي والسوري، هناك أكثر من خمسين منظمة شيعية إيرانية تمارس الإرهاب اليومي ضد العراقيين والسوريين، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وجيش المهدي، وحزب الله العراقي، والحشد الشعبي الشيعي) “تقرير منظمة العفو الدولية 15/10/2014”.
سؤال نوجهه إلى كل أمريكي: ألم تمارس الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب في أفغانستان والعراق، وأعلى مراحل الإرهاب الدولي احتلال الدول بالقوة المسلحة (أفغانستان والعراق)؟ وماذا نقول عن سجن أبو غريب وما فعل الأمريكيون بنزلائه تحت سمع وبصر العالم كله؟ وماذا عن معتقل جوانتانامو؟ وماذا عن الدمار الشامل في العراق؟ وماذا عما ترتكبه الطائرات الأمريكية والروسية في العراق وسورية حتى اليوم ضد المسلمين السنة؟ أوباما يتحدث عن الإسلام الوهابي المتطرف وهو يعرف أنه لا يوجد إسلام وهابي، محمد بن عبدالوهاب دعوته ترتكز على التمسك بالدين كما جاء في القرآن والسنة، وحارب الخرافات والبدع التي كانت سائدة وليس صاحب دعوة لدين جديد يدعو إلى الإرهاب.
لقد كانت دعوته إلى جانب حربه ضد البدع والخرافات وزيارة القبور طاعة ولى الأمر والخروج عليه حرام، وأولياء الأمر في الخليج لم يأذنوا بحرب على الغرب أو الشرق رغم كل ما تعرض له المسلمون في العالم العربي. الظلم والاستبداد الذي مارسه بعض الحكام العرب ضد شعوبهم (بشار الأسد، وحسني مبارك، وزين العابدين بن علي، والقذافي، وعلى عبدالله صالح) دعا شعوب تلك الدول للخروج عليهم وإسقاطهم، لكن أمريكا استطاعت حماية بعضهم كبشار الأسد، وعلى ذلك المواجهة اليوم بين الحق والباطل في سورية والعراق، وعلينا نصرة أصحاب الحق الثائرين على الظلم والاستبداد.
(4)
الرئيس الأمريكي أوباما قادم إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في الشهر المقبل بعد أن “اتهم دول الخليج العربية خاصة السعودية” بالانتفاع المجاني “من خلال دعوة أمريكا للتحرك دون أن تشارك بنفسها في الحرب”، نذكّر السيد أوباما بأن بلاده هي المنتفعة من دول الخليج العربي وهزيمة الاتحاد السوفيتي عونا لأمريكا في أفغانستان كان بأسباب أهمها “الإسلاميون الذين تنادوا لمساعدتكم في تلك الحرب، وكانت خسائر دول الخليج الذي تدينه بالنفعية المجانية أكثر من خمسين مليار دولار، بينما خسائر أمريكا لا تزيد على خمسة مليارات، وعندما عجزت خزائن أمريكا المالية على محاربة السندانستا في نيكاراجوا استعنتم بدول الخليج العربي، واستعنتم بدول الخليج لهزيمة الحزب الشيوعي الإيطالي كي لا يفوز في الانتخابات في سبعينيات القرن الماضي”، ولعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن تكاليف الحرب على العراق كانت ممولة من الخليج العربي (مذكرات بيكر وزير خارجية أمريكا)، كل ذلك وأكثر جرى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وليس لصالحنا في الخليج.
لقد صادق قادة دول مجلس التعاون الخليجي الولايات المتحدة، وأخلصوا في صداقتهم لها وشاركوا عمليا وماليا في كل حروبها من العراق إلى سوريا إلى أفغانستان إلى القرن الإفريقي، ولكن الرئيس باراك أوباما ينكر علينا ذلك.
النتيجة: احذروا يا قادة مجلس التعاون من زيارة أوباما لكم الشهر المقبل، إنه قادم ليكتب آخر فصل في مذكراته ولن ينصفكم، فكونوا أقوياء متماسكين لا يغتب بعضكم بعضا عندما يختلي بكم فرادى. واجهوه بأنكم أقوياء بـالله ثم بشعبكم العربي الأصيل، وأن لكم أصدقاء آخرين ليسوا أقل قوة من القوة الأمريكية. واعلموا بأن المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف، ورددوا معي قول الحق: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ، قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء آية 97).
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية