إن الإلحاد أشبه ما يكون “بموضة الأزياء” التي تتبدل حسب المواسم، إنه “إلحاد انفعالي”، لا علاقة له بالمنطق العقلي، قدر ما هو مرتبط بالحالة الشعورية والنفسية للملحدين، إنه “انفعال عاطفي” أكثر من كونه “موقفاً عقلياً”، أو هو بالأحرى “مشكلة سيكولوجية” أكثر من كونه “قضية منطقية”.
وبطبيعة الحال فإنه يصعب ربط أسباب ذلك الإلحاد الانفعالي بالدين بشكل مباشر، وإن حاول الملحدون ذلك، لأن الدوافع الحقيقية لهذا الإلحاد ترتبط بطبيعة التدين، لا بحقيقة الدين، وبأزمات كثيرة تسببت السياسات – لا الأديان – في كثير منها، وإن بدا أن الدين هو السبب وراءها، وقد أشار ملحدون في كثير من المواطن إلى أن الأديان تسببت في حروب مدمرة.
إن السياسات والمصالح – لا الأديان – هي السبب وراء الحروب التي شهدها ويشهدها العالم، ذلك أنه يصعب تصور حرب تقوم لأن أطرافها تتزاحم على باب الجنة، في حين يسهل تصور قيام تلك الحرب لأن أطرافها تتزاحم على باب السلطة، كما لا يمكن التصديق بفكرة الحرب التي يكون الدين سببها الحقيقي إلا إذا صدقنا أن الصليبيين احتلوا القدس في سبيل “تطهير مهد المسيح من المسلمين الكفار”، وليس للسيطرة على مقدرات الشرق، أو صدقنا أن الاستعمار الأوروبي الحديث غزا المشرق العربي من أجل إكمال مهمة “الإرساليات التبشيرية المسيحية”، لا لنهب موارده.
إن الأديان في الحقيقة لا تتصارع، ولكن المصالح تتصارع، غير أن المصلحة لا يمكن أن تبدي أهدافها للجمهور، ولذا تلجأ للدين لستر تلك الأهداف، ومن هنا يقع الكثيرون ضحايا للعبة “خداع بصري” يمارسها “الحُواة السياسيون” ببراعة، لإثارة الجمهور بحركات سحرية يخرجون بها الحية من الجراب والأرنب من تحت القبعة، عن طريق “حِيَل بصرية” ينخدع بها الكثير من غير المؤمنين الذين يرقى بهم الإيمان إلى آفاق فوق العلوم التجريبية والمنطق المعياري، آفاق يصعب حشرها في قنينة اختبار أو إخراجها من قبعة بهلوان.