من العلامات الصحية والإيجابية أن يتساءل الناس عن دور مؤسساتهم ووزاراتهم، وأن ينتقدوا الاداء نقدا بناء، ويتساءل اليمنيين بشكل دائم عن دور الخارجية اليمنية وماذا قدمت لليمن وهل لعبت الدور المرجو منها أم أنها قصرت فيه؟ هل هناك نتائج قابلة للرصد والقياس والتقييم أم أنه ومثلما يردد البعض هي مجرد مناصب ورواتب ومعيشة في الخارج؟ هل أوصلت الصورة بدقة لما يحدث في اليمن أم أنها تكاسلت وفشلت وتفوق ناشطي جماعة الحوثي عليها واستطاعوا تزييف الحقائق للمجتمع الدولي؟
ولأن الفرق الحقيقي بين النقد البناء والبحث عن الحقيقة من جهة والهجوم المغرض والتشويه المتعمد بغرض تشويه المؤسسات السيادية لليمن من جهة اخرى يكمن في البحث عن المعلومة الصحيحة وتقديمها للرأي العام، فإن هذا المقال يحاول رصد وتقديم المعلومة وبشكل موضوعي للإجابة على السؤال المهم: ماذا قدمت الخارجية للقضية اليمنية؟
لابد في البداية من رصد حركة السياسة الخارجية اليمنية ومدى نشاطها، ومن الغني عن الذكر أن هذا النشاط يمكن قياسه عبر التحرك الخارجي لمسؤولي وزارة الخارجية وسفراء اليمن في الخارج، ومن ثم يجب أن يتم قياس نتائج هذا التحرك ومدى تحقيقه لأهداف القضية اليمنية.
منذ بداية كارثة الانقلاب الحوثي في اليمن، كانت السفارات اليمنية هي الوحيدة التي ثبتت ولم تنهار واستمرت في أداء عملها والتواصل مع دول العالم وتمثيل الشرعية، لم تنقسم ولم تتعدد الولاءات، وعملت ” ولا زالت” في ظروف في غاية الصعوبة من حيث توضيح حقيقة المشهد في اليمن وكذا لانعدام الإمكانيات التي يستحيل التحرك بدونها، وسنركز على استعراض التحركات للفترة الماضية ونرصد نتائجها في ثلاث نطاقات حيوية رئيسية:
أولا الدول العربية: حيث حرص وزراء الخارجية المتعاقبين على قيادة الوزارة بعد الانقلاب المشؤوم على تكثيف اتصالهم بعدد كبير من الدول العربية وكانت تلك الدول تمثل أهمية كبيرة للتأكيد على البعد القومي في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا، كما حرصت الدبلوماسية اليمنية على بقاء المجال مفتوحا لانعقاد اللجان العليا والوزارية المشتركة ونجحت مؤخرا بعقد اجتماعات اللجنة الوزارية اليمنية – الجيبوتية المشتركة واستطاعت الدبلوماسية اليمنية الوصول بالمواقف العربية الى مستوى جديد من الدعم والتأييد متمثلا في الزخم الكبير والإضافي للعلاقات مع مصر، وكذلك في تبني الدول العربية العمل على تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية والدعوة لتوقيع العقوبات عليها.
مثلت الدول العربية دائرة حيوية مهمة لليمن ونشطت السفارات اليمنية فيها لضمان استمرار الزخم والتواصل من قبل دول الاعتماد مع الدولة اليمنية واستمرار إبقاء القضية اليمنية ضمن اعلى سلم اهتمامات الدول العربية والتركيز على ابقائها كقضية أمن قومي عربي، واستطاعت الدبلوماسية اليمنية أيضا استعادة الكثير من المكتسبات لليمنيين في الدول الشقيقة والتي تأثرت في وقت سابق بسبب الانقلاب الحوثي.
ثانيا الدول الأوروبية وأمريكا: وتمثل هذه الدائرة الحيوية للدبلوماسية اليمنية اهتماما خاصا في فترة مواجهة الانقلاب الحوثي، وقد نفذ مؤخرا زيارات مكثفة إلى دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا والسويد والنرويج وإيطاليا وروسيا وبلجيكا، وبالحديث عن اللقاءات لابد من الحديث عن النتائج، وهنا نرصد بوضوح نجاحا في تغيير السرديات الخاطئة التي كانت قائمة حول الأزمة في اليمن لدى أوروبا والتي نتجت في اطار التنافس بين أحزاب اليمين وأحزاب اليسار في أوروبا ونظرة كل منها للأوضاع في المنطقة العربية والعلاقة مع ايران والتي أثرت إلى حد ما في نظرة الأوروبيين تجاه ما يحدث في اليمن وهو ما قامت الدبلوماسية اليمنية بمواجهته بأسلوب علمي مدروس وتشاور دائم مع البعثات اليمنية في أوروبا.
بالإمكان رصد تغييرا كبيرا في الخطاب الرسمي الأوروبي حول القضية اليمنية فنجد بيانات الاتحاد الأوروبي الأخيرة تدين تجاوزات الحوثي وتدعو الحوثي تحديدا بضرورة التجاوب مع جهود السلام، ونجد وزير الخارجية الألماني عقب اللقاء مع وزير الخارجية اليمني يتحدث بوضوح عن مسؤولية الحوثي تجاه التصعيد في مأرب ومتحدثا بوضوح ولأول مرة عن نهب الحوثي للمساعدات الإنسانية، كما أن الكثير من الزيارات الرسمية لمسؤولين أوروبيين الى العاصمة المؤقتة عدن تمت في تعبير واضح عن الدعم السياسي للحكومة، كما نجحت الدبلوماسية اليمنية في لفت انتباه العالم الى خطر الكارثة البيئية التي قد يتسبب بها التعامل غير المسؤول لمليشيا الحوثي مع قضية خزان النفط صافر واستطاعت من خلال مخاطبتها المتكررة للأحزاب والمنظمة المعنية بقضايا البيئة وبما أبدته من مرونة وما حرصت عليه من قرع أجراس الإنذار الى الوصول بالأصدقاء في أوروبا الى اتخاذ خطوات عملية نحو حل إشكالية خزان صافر، وكان آخرها انعقاد مؤتمر للمانحين برئاسة مشتركة هولندية أممية لمنع وقوع كارثة بيئية وإنسانية بسبب خزان النفط صافر.
وفي الوقت الذي يتساءل البعض عما قدمته الخارجية لتوضيح الحقائق للعالم حول ما يحدث في اليمن، لا نجد نتيجة ملموسة وواضحة أكثر من التغيير في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، فقد تغيرت مواقف هذه الإدارة بصورة قوية وكبيرة فمن إلغاء تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية في بداية عهده الى اتخاذ قرار بإنزال عقوبات مالية وإعلامية عليها، ومن تصورات وقناعات منافية تماما للواقع اليمني إلى تكوين فهم أفضل أفضى إلى التوجه باتجاه سليم وتفهم حقيقي لموقف الحكومة وتعيين مبعوث خاص يولي للقضية اليمنية اهتمام اكبر، وهنا نحن نتحدث عن نتيجة على أرض الواقع ومواقف تغيرت بصورة موثقة وفوائد نتجت فعليا للقضية اليمنية.
لنفهم ما قدمته الدبلوماسية للقضية اليمنية في أوروبا وامريكا يجب أن نبتعد عن الدعاية النمطية التي تبنى على ادعاءات مغرضة، وأن نرصد ونحلل الوضع بتجرد وفقا لمعلومات متاحة للجميع، فأوروبا تقدم وبصورة واضحة وموثقة الدعم الإنساني والاقتصادي لليمن، تعترف بالحكومة اليمنية وترفض الانقلاب وتحرص دولة مثل ألمانيا مثلا على ذكر ذلك بوضوح في اغلب تصريحاتها وأنها في سعيها لدعم السلام في اليمن لا يمكن أن تختلط عليها الأمور وتعبر عن أي دعم لجماعة ميلشاوية مثل الحوثي، أوروبا إذن تقدم دعم اقتصادي وسياسي لا يمكن التشكيك فيه، إلا من قبيل المزايدة والمناكفة التي تبتعد بصاحبها عن الموضوعية والحقيقة.
ثالثا المنظمات والمنتديات الإقليمية والدولية: كما أن المشاركات لوزراء الخارجية في المحافل الدولية لم تكن نشطة فقط بل ومؤثرة، في الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف، وفي الجامعة العربية ودول عدم الانحياز والعديد من المنظمات الإقليمية بالإضافة الى مؤتمر البحرين للأمن ومنتدى الدوحة وحوارات روما المتوسطية ومؤتمر ميونخ للأمن الذي يعتبر من أهم كواليس السياسية الدولية والذي تشكل المشاركات فيه فرصة كبيرة لتوصيل الرسائل ورسم السياسات والتفاهمات المشتركة، كل هذا ترجم بقرارات وبيانات ومواقف نجحت فيها الدبلوماسية اليمنية بتحقيق مكاسب مثل تبني قرار المجموعة العربية في مجلس حقوق الانسان، وغيرها من البيانات والقرارات التي شكلت منصة مهمة لليمن في إيصال قضيتها.
بالنظر لهذه التحركات، ومن خلال فهم الأهداف والاولويات ورصد النتائج بموضوعية، نجد أننا أمام حقيقة أن الدبلوماسية اليمنية حققت الكثير وتطمح وتعمل للوصول للأفضل، وبالمقابل نجد أن هناك شائعات تدعي أن النشطاء مع جماعة الحوثي يحققون نجاحات، ولا نجد أي دليل موضوعي على ذلك لا في موقف دولي ولا بيان ولا دعم معلن او خفي ولا حتى بتصريح بسيط، ولا نستطيع فهم ذلك مع الأسف إلا ضمن محاولة القيام بتشكيك اليمنيين بمؤسساتهم الوطنية التي تحتاج بدون شك اصطفاف اليمنيين خلفها.
اليمنيون يحتاجون لمؤسسات وطنية يعتزون بها، ومؤسساتهم وأفرادها يحتاجون للشعور بالدعم الشعبي في ظروف مثل هذه، وفي الوقت الذي تخوض الدبلوماسية مع الدولة اليمنية كلها معركة السلام، لا بد أن تتلقى الدعم الرسمي والشعبي بعيدا عن التشكيك والتدليس في حقها وحق منتسبيها الذين يعملون في ظروف غاية في الصعوبة ويقدمون التضحيات بصبر وصمت.