كيف تصبح الهدنة في اليمن كاشفة لموقف إيران من “المفاوضات النووية”؟ (تحليل خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ خاص:
بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، إن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ستستأنف خلال الأيام المقبلة، تلقى “مهدي المشاط” رئيس المجلس السياسي للحوثيين اتصالاً هاتفياً نادر من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
ولا تزال المحادثات النووية الإيرانية تعاني حالة من الجمود وسط تحذيرات من انهيارها كليا، الأمر الذي دفع منسق السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لطهران إلى زيارة مفاجئة إلى طهران وإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين مؤكدا أن هذه الزيارة مهمة لكسر حالة الجمود التي أصابت مفاوضات فيينا منذ ثلاثة أشهر، ليخرج حسين أمير عبداللهيان بتصريح عودة المفاوضات خلال أيام.
وقال رئيسي لـ”المشاط” إن طهران تؤيد “وقف إطلاق النار الذي سيؤدي إلى السلام الكامل”، والرفع الفعلي لما وصفه بـ”الحصار الاقتصادي”. والأسبوع الماضي، قال عبداللهيان إنه اتفق مع وزير الخارجية العُماني: على أن وقف إطلاق النار يجب أن يستمر.
نقض الهدنة
مع توقف المفاوضات الإيرانية-الغربية قبل ثلاثة أشهر، جرى الإعلان عن هدنة في اليمن -في ابريل/نيسان الماضي- لمدة شهرين جرى تجديدها مطلع يونيو/حزيران الجاري، وفيما نفذت الحكومة اليمنية والتحالف العربي جانبهما من الاتفاق رفض الحوثيون تنفيذ جانبهم منه، في وقت تستمر الجماعة المسلحة في تحشيد المقاتلين إلى محافظتي مأرب وتعز.
وتتهم الحكومة اليمنية، جماعة الحوثي بخرق الهدنة بمحافظات الحديدة وتعز والضالع وحجة والجوف ومأرب، ويوجه الحوثيون نفس الاتهامات. لكن قتلى من المدنيين سقطوا في مدينة تعز خلال أيام الهدنة برصاص قناصة الحوثيين ومدفعيتهم. بالمقابل تدفقت سفن الوقود إلى ميناء الحديدة بانسيابية، ومطار صنعاء شهد تحدياً كبيراً ساهمت تنازلات الحكومة المعترف بها في تذليلها وانتهت بانطلاق الرحلات من وإلى الأردن ومصر.
وبدأ الحوثيون بالتلكؤ في “الهدنة”، وقال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطاب مع مشايخ ووجهات محافظة صنعاء الأسبوع الماضي، أن الهدنة مؤقتة وأن على الجميع الاستعداد لعودة المعارك واحتدامها.
وقال وزير الدفاع في سلطة الحوثيين غير المعترف بها -يوم السبت، مهدداً دول الخليج: عمِلنا على تحديد وتجديد بنك أهدافنا في عمق دول وعواصم العدوان (التحالف) وستذهلهم الأحداث القادمة. تمنح إيران جماعة الحوثي الأسلحة النوعية من الطائرات والقوارب المسيّرة الانتحارية، والصواريخ الباليستية والذكية.
كما بعث الحوثيون يوم الاثنين الماضي، بردهم على مبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بفتح طرقات مدينة تعز (وسط اليمن) المحاصرة منذ 2016م، وأصرّ الحوثيون على مبادرتهم لفتح الطرقات ولا تحقق رفعاً للحصار بل إيجاد طُرق بديلة فرعية.
في ذروة توقف المشاورات الإيرانية-الغربية كان موقف الحوثيين خلال المشاورات في الأردن يتجه نحو رفض كامل لمقترحات فتح الطرقات المغلقة بفعل الحرب. حضر المفاوضون الحوثيون بملابسهم العسكرية في رسالة تهديد واضحة.
ارتباط الهدنة بالمشاورات الإيرانية
وتحاول الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تثبيت الهدنة، وعادة ما طرحت السعودية أن تكون العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع ضرورة أن تقوم طهران بوقف تدخلاتها في المنطقة، وهو أمرٌ رفضته إيران. وخلال الأشهر الماضية زار ممثلون عن الاتحاد الأوروبي إضافة إلى غروندبرغ مراراً من أجل الحصول على موافقة الهدنة ابتداءً ثم تمديدها لاحقاً، ساهمت سلطنة عُمان في التواصل مع الإيرانيين.
وعادة ما ستخدم الحوثيون “وقف إطلاق النار” لتجديد إمدادات أسلحتهم وتجنيد وتدريب المزيد من المقاتلين. فعلى الرغم من تمديد الهدنة الحالية، لم يبد الحوثيون الكثير من الاهتمام باتفاق دائم مع الحكومة اليمنية وتحالف الدول العربية الداعم لها.
ويلاحظ “بوبي غوش” المحلل السياسي وكاتب العمود في بلومبرج أن العوامل الجيو-سياسية في الحالة اليمنية تضيف حالة عدم يقين من تمديد الهدنة.
ويضيف غوش: لم تكن الهدنة لتستمر هذه المدة الطويلة إذا لم تكن مناسبة لإيران لكبح جماح الحوثيين أثناء تفاوضها من أجل إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية.
واستدرك بالقول: ولكن مع تلاشي احتمالات الانتعاش، قد يطلق النظام الإيراني العنان للحوثيين مرة أخرى ضد أعدائهم المشتركين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
منذ ابريل/نيسان الماضي أجرت السعودية وإيران خمس جولة مشاورات في العاصمة العراقية “بغداد”، كان الملف اليمني على رأس الملفات المطروحة، من بين ما طُرح توقف إيران دعمها للحوثيين مقابل أن تعترف الرياض بالاتفاق النووي الإيراني مع القوى الغربية إلى جانب عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. سبق تمديد الهدنة مطلع الشهر الجاري اتصالاً من المخابرات السعودية بالمسؤولين الإيرانيين للضغط من أجل ضمان عدم استهداف الحوثيين لمنشآت النفط السعودية لاستمرار المشاورات.
قال غوشي: إن استئناف الهجمات الصاروخية للحوثيين على المنشآت النفطية السعودية والإماراتية سينهي الهدنة.
وبدأت وسائل إعلام إيرانية في تحريض الحوثيين إلى أن من الضروري أن يقصف الحوثيون السعودية خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المقررة في منتصف يوليو/تموز القادم. وحسب البيت الأبيض فإن الملف اليمني على رأس الملفات التي سيناقشها بايدن مع العاهل السعودي وولي عهده.
بعض الملفات المطروحة ستكون مواجهة إيران ونفوذها في المنطقة، يخشى الإيرانيون من أن تدفع زيارة بايدن إلى السعودية إلى فشل العودة للاتفاق النووي لذلك يسعون للعودة للمشاورات. كما أنهم يرون في ذلك عودة للولايات المتحدة للمنطقة بعد أن استغلت طهران حالة الفراغ مع النيّة الأمريكية للخروج. كما يرغب الأمريكيون في بعث رسالة لحلفائها في الخليج أنها قادرة على المساعدة في حمايتهم من إيران، ورسالة لطهران أن رفض الاتفاق النووي يعني زيادة العقوبات وتحجيم أي نفوذ.
وقال المحلل السياسي الايراني أحمد زيد أبادي إن “بوريل جاء لتقديم اقتراحات نهائية وتحديد مهلة، عبر الإعلان أنه في حال لم تؤد المباحثات الى اتفاق، فإن فشل المفاوضات سيتم إعلانه في الايام والاسابيع المقبلة”.
واضاف “اعتقد أن هناك فرصا كبيرة للتوصل الى اتفاق” لأن ذلك يصب في مصلحة مختلف الأطراف.
وبشعور إيران أن هناك فشلاً في المفاوضات النووية أو تأجيل لها ستسعى إلى دفع الحوثيين إلى “نقض الهدنة” وتصعيد الحرب، خاصة مع تعيينات جديدة داخل الحرس الثوري، بدءً من تعيين “عسكري” رئيساً لمخابرات الحرس الثوري الإيراني باستبدال حسين طائب، بالجنرال البارز في الحرس “محمد كاظمي” الذي يعدّ الجنرال كاظمي أحد كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وشغل أيضاً منصب رئيس وحدة “حماية المعلومات” بالحرس، والتي بدورها تتولى مسؤولية مكافحة التجسس ومنع الاختراقات بالحرس الثوري، فضلاً عن منع تسريب المعلومات السرية إلى خارج الحرس، والإشراف على أداء وسلوك ونشاطات قادة الحرس وقواته.