عدنان هاشم
انتهت هذه الجولة من الانتخابات الإيرانية، وثار جدل بين الدوائر السياسية والمحللين سواءً كانوا عرباً أو أجانب، بشأن الثابت والمتحول في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية. انتهت هذه الجولة من الانتخابات الإيرانية، وثار جدل بين الدوائر السياسية والمحللين سواءً كانوا عرباً أو أجانب، بشأن الثابت والمتحول في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية.
يجادل البعض بأن فوز “المعتدلين” في مجلس الخبراء والبرلمان سيجعل إيران أكثر اعتدلاً وستعدل كثيراً في سياستها تجاه الحريات في البلاد، وتوقف تدخلالتها “الميليشاوية” في الدول العربية، ويطلبون من معارضهم أولئك المحللين الذين يرون أنه لا تغير في سياسات إيران القادمة، بدعم “حسن روحاني” و “هاشمي رفسنجاني” ليكونوا هبة الله القادمة من أجل الديمقراطية و العيش المشترك بين شعوب الجوار.
وقبل أن تكون هناك انتخابات، تمّ بث نقاشات صحية وقوية بين الإيرانيين داخل وخارج وطنهم: هل يصوّتون في هذه الانتخابات المزورة بالفعل أم لا؟ وهذه مسألة أكثر أهمية بكثير من ثنائية المتشددين والإصلاحيين. كما يقول حميد دباشي المعارض الإيراني واستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كمبوديا، في مقال له بموقع “الجزيرة الناطق بالإنجليزية. وفي ظل تزوير الانتخابات الرئاسية في يونيو عام 2009 التي أدت إلى ظهور الحركة الخضراء في إيران، أثارت هذه المسألة المحيرة قضية بالغة الأهمية في ملحمة الثقافة السياسية الإيرانية في ظل سعيها للتخلص من حُكم رجال الدين المتواطئين الذين أرادوا إساءة استخدام أي انتخابات للمطالبة بشرعية مشكوك فيها، وإثبات أنَّ الحركة الخضراء كانت مؤامرة أجنبية.
من سمح لهم بالترشح سواءً هم في الحقيقة “متشددون” و “متشددون براجماتيون” أما الإصلاحيين فقد جرى وأد تحركاتهم منذ 2009م، وهؤلاء المرشحون لا يعنون الإيرانيين إلا أن “براجماتيه” الحكومة و “روحاني” تعطي أملاً زائفاً للإيرانيين بتحسن الأقتصاد بعد رفع العقوبات عن إيران بفعل التوقيع على الاتفاق النووي، بالرغم أن هذه العقوبات جميعها لا تمثل إلا 20% من الاقتصاد الإيراني.
في “قائمة الأمل” التي تمثل تيار “روحاني” -تيار الإصلاح مجازاً- كان يوجد اثنين من أكثر الشخصيات الشهيرة والأكثر إثارة يترشحون لعضوية مجلس الخبراء وهم وزيري المخابرات السابقين ريشهري وغربان علي دري نجف آبادي. سمعة هاذين الرجلين مرتبطة في الذهنية الإيرانية ف”ريشهري” يعود إلى تصرفاته كرئيس القضاء السابق على المحاكم العسكرية الثورية أبان ثورة 1979، فبناء على أوامراه أعد الآلاف من المعارضين السياسيين والمثقفين، لتبقى مؤسسة الملالي الدينية باقية. فيما آبادي فلا يقل جرائم عن “ريشهري” فقد كان وزير للمخابرات ورئيس للقضاء عقب الثورة الخضراء والذي اتهم بجرائم القتل المتسلسلة الأكثر قبحاً و وحشية من المثقفين الإيرانيين المعارضين سواءً كانوا في الداخل والخارج عندما بناء على أوامره وأعدم الآلاف من المعارضين السياسيين والمثقفين، فخلال ثورتي 79م، 2009م، ارتكبوا أبشع الجرائم ليبقى النظام السياسي في البلاد، جاثماً على صدور الإيرانيين، وجاثم على صدور العرب أيضاً.
لطالما كان النظام الحاكم على وعي تام بمؤسساته الضعيفة، لكنه تعمد إضعاف المؤسسات وسرعان ما بدأ استغلال العدد الهائل من الناخبين لصالحه كدليل على مصداقيته، أن أولئك الذين زرعوا “بذور الفتنة” عام 2009م، كان يجب أن يلاقوا مصيرهم المحتوم بين السجن والنفي والإقامة الجبرية. في حين بدأ الإصلاحيون الذين دعوا إلى التصويت بالتباهي بصور الشعراء البارزين والفنانين وصنّاع السينما في محطات الاقتراع كدليل على أنهم كانوا محقين. ادعى ما يمكن قوله أنهم المتشددون المنهزمون النصر في حين طالب الإصلاحيون الانتهازيون بتجديد سياساتهم التي عفا عليها الزمن والتي فقدت مصداقيتها.
المتحول في الانتخابات أن “مكتب الإمام”، الإدارة الأقوى في إيران، قد يكون لهذا المكتب رئيسا جديدا عن قريب. مرشد ثالث بعد علي خامنئي وروح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران والذي توفي سنة 1989. لكن الثابت سواءً كان الخليفة “رفسنجاني” أو أياً من المرشحين الفائزين، لن يبدلوا سياسات النظام، عدا تحولات شكلية في الاقتصاد لن يشمل قوانين “الاستثمار” خوفاً من “الحرس الثوري”، وقليل فقط من “الحريات الشخصية”-المُقيدة- لا الحريات العامة في إيران، وفيما يخص السياسة الخارجية فمن المستحيلات.
فروحاني لا يمثل قوة اعتدال في البلاد، بمعنى أنه لا يستطيع خلق سياسة إيرانية جديدة تكون أقل خطراً على الشعب الإيراني أولاً وعلى العالم الخارجي ثانياً، ورغم وجود اعتقاد سائد بأنه معتدل، فإن روحاني في نهاية الأمر هو مساند متعصب للمبادئ التي انبنت عليها الجمهورية الإيرانية، والتي وضعها آية الله الخميني عام 1979م، والتي تنص على “تصدير الثورة” واعتبار الجمهورية الإسلامية امبراطورية لكل المسلمين، وممهدة للإمام المهدي، حتى يخرج من “سرداب المجهول”.
قد يحاول أولئك الذين يدعون الجميع لمساندة “روحاني” والوجه المبتسم للسياسة الخارجية الإيرانية “محمد جواد ظريف” أن الحصول للأغلبية لمن يؤيدون سياسة “روحاني” في البرلمان الإيراني قد تعدل السياسيات الإيرانية أو خلق مزاج أفضل للتعامل مع السياسة في الشرق الأوسط، ويتجاهل هؤلاء أن هذا البرلمان الذي يمكن مؤسسة تشخيص مصلحة النظام والخبراء أيقاف أي قرار قد يتعلق بذلك، إلى أن دور البرلمان يكتفي بمراجعة تنفيذ الحكومة الإيرانية للسياسية الخارجية ولا يملك أحقية التعديل عليها، لذلك ليغسل الإيرانيون أيديهم من كون هذا المجلس سيعدل في الحريات، أو سيبني سياسة خارجية تحفظ سلامة بلدهم اقتصادياً وسياسياً.
ما يريده روحاني وبقية المتحالفين في الحقيقة هو مزيد من الأموال والامتيازات الاقتصادية من الدول الغربية، حيث إنه يؤمن بقوة بوجود فائدة كبرى سيجنيها من الاتفاق النووي الذي توصل إليه مع إدارة الرئيس أوباما، ومن وجهة نظر إيرانية فإن هذا الرأي صحيح، لكن هذا الاتفاق ليس عصا سحرية ستبني اقتصاد دولة، طالما أن الفساد داخل النظام والمؤسسات الموازية يوازي جحيم لآلاف السنين من التدهور.
الثابت أن ما حدث في إيران بعد الانتخابات لن يغير من سياسات النظام، لكن المتحول بعد الانتخابات حسب “دباشي” أنه وفي ظل الصراع بين المتشددين والإصلاحيين بشأن سردية كل طرف عن النيوليبرالية المتوحشة، مهّد الناخبون في إيران – سواء الذين صوّتوا أو الذين لم يصوّتوا – الطريق لصعود قوة كبيرة لا يستطيع المتشددون ولا الإصلاحيون فهمها أو تقبلها.