اخترنا لكمتقاريرغير مصنف

تداعيات الانسحاب الروسي من سوريا على الصحف الأمريكية والبريطانية

يرصد هذا التقرير الموسع الآراء حول الأسباب التي دفعت بوتين للانسحاب من سوريا بين صحف أمريكية وبريطانية تراها خوفاً من مستنقع سوري أو بين هزيمة منكرة تلقتها واشنطن وهو ما هدف إليه التدخل، فيما يرى البعض الآخر أن الابتعاد عن مواجهات مع تركيا هو السبب. يمن مونيتور/ صنعاء/ وحدة التقارير
تناولت صحف أميركية وبريطانية شأن الانسحاب الروسي من سوريا، وتساءل بعضها في ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين ربما يكون قد اتخذ هذه الخطوة لتجنب الانزلاق في المستنقع السوري، وأنه اتخذ العبرة من أفغانستان والعراق.
فيما ترى أراء أخرى أن الاختلاف في الرؤية للعالم وترتيب الأولويات من قبل قادة الدول، وكذلك طبيعة النظام الذي يحكم دولة ما، دكتاتورية أو ديمقراطية، هي أسباب أساسية ساعدت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هزيمة الولايات المتحدة في سوريا.
وكتب ماكس بوت مقالا نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية، حاول فيه الإجابة عن سؤال “كيف هزم بوتين الولايات المتحدة في سوريا؟”، وقال إن الرئيس الأميركي باراك أوباما والقادة الأوروبيين يعتقدون أن أهم شيء هو بلورة الأجندة خلال المهرجانات الدولية “لأنهم يعيشون في القرن الـ21، أي عالم ما بعد القوة حيث يكون القانون الدولي أهم من القوة الغاشمة”.
يُشار إلى أن أوباما قال لمجلة أتلانتيك مؤخرا إن غزو بوتين القرم أو محاولته تعزيز قوة الرئيس السوري بشار الأسد لا تجعله لاعبا مهما، “إننا لا نراه في أي من الاجتماعات الدولية يساهم في بلورة الأجندة. ولم يحدث أن وضع الروس أجندة تتعلق بقضية مهمة خلال اجتماعات مجموعة العشرين”. -حسب ما نقله موقع الجزيرة نت.
واستمر بوت قائلا إن بوتين بالمقابل يعيش في القرن التاسع عشر حيث يعمل الأقوياء على تحقيق مصالحهم الشخصية مع مراعاة هامشية لمشاعر الدول الأخرى، وأقل من ذلك لمشاعر المؤسسات المتعددة الأطراف مثل مجموعة العشرين أو الأمم المتحدة.
وأوضح بوت أنه وفي الصراع بين وجهتي النظر إلى العالم المذكورتين، ليس صعبا تحديد التي ستنتصر، من القرم إلى سوريا يقوم بوتين بإعادة كتابة قواعد اللعبة الدولية لمصلحته.
وذكر أن بوتين شغوف بإدهاش العالم “بتحركات” مثل تدخله المفاجئ في سوريا وانسحابه الأكثر مفاجأة منها، وعلق الكاتب بأن ذلك ليس بصعب على دكتاتور مطلق لا يتوجب عليه حشد التأييد لتحركاته والحصول على موافقة مؤسسات أخرى عليها.
المستنقع السوري
وأشارت واشنطن بوست بافتتاحيتها إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن صرح بأن بوتين أدخل بلاده في المستنقع من خلال تدخله العسكري بسوريا، لكنها أضافت بالقول إن العكس هو ما حدث، وأوضحت أن الرئيس الروسي ينجح في إعادة بلاده قوة فاعلة بالشرق الأوسط.
وأضافت أن بوتين أنجز الكثير في المنطقة، وذلك على حساب مصالح الولايات المتحدة وعلى حساب أهداف أوباما المعلنة.
وأوضحت أن أهم الإنجازات الروسية بالمنطقة تتمثل في تمكن موسكو من عكس مسار “الحرب الأهلية” بسوريا، وفي منح نظام الرئيس السوري بشار الأسد اليد العليا في المفاوضات مع المعارضة المدعومة من أميركا.
تحطيم العزلة
وأضافت أن بوتين تمكن من تحطيم العزلة الدبلوماسية التي كانت تعانيها بلاده في أعقاب غزوه أوكرانيا، وأنه فرض نفسه لاعبا رئيسيا في تحديد ما إذا كان تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا سيستمر، وأنه يسعى أيضا لرفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على نظامه هذا الصيف.
من جانب آخر، قالت صحيفة نيويورك تايمز بافتتاحيتها إن تدخل روسيا مكّنها من إظهار قوتها العسكرية، وأنه أجبر واشنطن على التعامل معها على قدم المساواة، وخاصة في ما يتعلق بمحاولة تأمين الاستقرار في سوريا.
وأضافت أن تداعيات هذا الإعلان المفاجئ المتمثل بالانسحاب الروسي من سوريا لا تزال غير واضحة، ولكن يمكن اعتبار الانسحاب خطوة بناءة نحو تسوية سلمية بالبلاد التي مزقتها الحرب، ويمكن القول كذلك إنه يدل على عدم رغبة موسكو في التورط في المستنقع السوري.
وفي السياق ذاته، أشارت مجلة فورين بوليسي إلى أن بوتين يخرج الآن من سوريا بنفس وتيرة الهدوء التي دخل فيها، وأنه سبق لموسكو الإعلان عن أن تدخلها بهذا البلد جاء استجابة لطلب من الحكومة “الشرعية” في دمشق، وذلك للمساعدة في مكافحة “الإرهاب” الدولي.
وأشارت إلى أن تجنيد تنظيم الدولة الإسلامية للمسلمين من روسيا وغيرها من الجمهوريات السوفياتية السابقة شكل أيضا حافزا إضافيا لبوتين، وذلك من أجل قصفهم في سوريا ومنعهم من العودة إلى ديارهم.
فقدان تركيا
لكن فورين بوليسي أشارت إلى أن تدخل روسيا بالحرب في سوريا جعلها تفقد شريكها التركي، وأضافت أن الكرملين خاطر أيضا، وذلك من خلال إسهامه في تزايد “تطرف” المسلمين السنة في جنوب روسيا، وهم الذين يعارضون دعم بوتين لنظام الأسد وحلفائه الشيعة.
وأضافت أن العديد من المراقبين الأميركيين -بمن فيهم أوباما- توقعوا أن ينزلق بوتين في المستنقع السوري. لكن من الواضح أن الكرملين تعلم الدروس المستفادة من تدخل الاتحاد السوفياتي السابق بأفغانستان ومن غزو الولايات المتحدة للعراق، وأن بوتين انتهز الفرصة للخروج.
 
الصحف البريطانية
وأبرزت عناوين بعض أهم الصحف البريطانية اليوم ردود الفعل المتباينة حول الإعلان المفاجئ لانسحاب القوات الروسية من سوريا، ودوافعه وتداعيات ذلك على الوضع في المنطقة.
والبداية من ديلي تلغراف، حيث استهل كون كوغلين مقاله بأن “الانسحاب الروسي يترك تنظيم الدولة سليما في سوريا”. وقال إن موسكو حافظت على مصالحها العسكرية لكن الفشل في التصدي للإرهاب يترك المنطقة غير مستقرة.
وعلق الكاتب بأنه مهما كانت الصعوبة التي قد يحاول بها الرئيس فلاديمير بوتين تصوير تدخله العسكري في سوريا باعتباره نجاحا كبيرا، لكن الحقيقة هي أن تورط موسكو المثير للجدل في الصراع السوري يرقى إلى أكثر قليلا من انتصار باهظ الثمن.
وأوضح أن الطريقة الهادئة التي قدم بها بوتين إعلانه المفاجئ بسحب قواته توحي بأنه مدرك تماما لحدود مغامرته في سوريا، وبعيدا عن تحقيق تقدم هام في الصراع فإن كل ما حققه الروس هو دعم “الديكتاتور السوري” الذي لا يكنون له كثير احترام.
وأضاف أن معارضة موسكو لسقوط دمشق بأيدي الجماعات المعارضة الموالية للغرب كانت بالأساس للحفاظ على وجودها العسكري الطويل الأمد بمدينتي طرطوس واللاذقية، ومع ذلك فقد فتر دعم بوتين للأسد خلال المحاولة الأخيرة لإيجاد حل دبلوماسي للصراع حيث أشارت موسكو إلى أنها غير ملزمة بالتمسك ببقاء الأسد طالما يمكن إيجاد خليفة له يضمن استمرار الوجود العسكري الروسي في المنطقة فضلا عن إنهاء “الحرب الأهلية.
وفي زاوية أخرى بنفس الصحيفة، انتقد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الرئيس بوتين بأنه لا يستحق أي إشادة لانسحابه من سوريا، مؤكدا حقيقة أنه قصف المدارس والمستشفيات.
وقال هاموند في مجلس العموم البريطاني “شخص يتدخل في بلد آخر ويبدأ في قتل سكانه المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس، وإذا قرر أنه قد اكتفى من ذلك فلا ينبغي أن نكيل له المديح على انسحابه من أفعال هي في الأصل غير شرعية”.
أما مقال صحيفة فايننشال، فقد وصف بوتين بأنه رجل المفاجآت وأن قراره سحب “القوات الأساسية” من سوريا لم يتوقعه أحد، وتساءلت عن ماهية دوافع أكثر الزعماء مراوغة واللعبة التي يلعبها الكرملين الآن.
وأشار الكاتب ديفد غاردنر إلى أن الانسحاب الروسي يتزامن مع استئناف محادثات السلام في جنيف التي لا تزال تبدو بائسة، حتى وإن كان هدف بوتين -كما يقول- هو تهيئة الظروف لـ انتقال سياسي خارج إطار الحرب.
وأضاف أن بوتين قد يستنتج أن الأسد ليس له مستقبل على المدى الطويل، خاصة وأن نظام الأقلية الذي يحكم به ارتكب جرائم قتل جماعية بحق الأغلبية السنية، فلماذا يجلب لنفسه العداوة المريرة من أهل السنة بسوريا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وداخل حدود روسيا؟ ويمكن القول إن موسكو لديها تخوف شديد من المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق.
وفي نفس الصحيفة، علق جيمس بليتس أن “فلاديمير بوتين يستخدم قواعد اللعبة التي يمارسها في أوكرانيا في سوريا”. وأثبت أنه قد تعلم واحدا من أهم دروس الحروب الحديثة، وهو أنه يجب على الدول تجنب التورط في حملات عسكرية طويلة وشاقة.
ففي أوكرانيا والآن في سوريا، تصرف الرئيس الروسي بطريقة أكثر سرية ونفذ تدخلات قصيرة وحادة تلبي أهدافه المباشرة دون إغلاق الباب أمام جميع الخيارات للعمل بالمستقبل. وهذه هي قواعد اللعبة التي استخدمها للمرة الأولى في أوكرانيا.
من جانب آخر، أشارت افتتاحية غارديان إلى أن إعلان بوتين بدء انسحاب الجزء الرئيسي لقواته من سوريا فاجأ العالم، حتى أن الإدارة الأميركية على ما يبدو وجدت مشقة في استيعاب هذا التحول الروسي بعد ستة شهور فقط من الهزة العنيفة التي سببتها روسيا لصانعي السياسة الغربيين من تدخلها العسكري. وبدا الأمر مرة أخرى وكأن واشنطن أُخذت بغتة من قبل الرئيس الروسي في أزمة اختبرت مرارا مصداقية الولايات المتحدة. لكن السؤال الأعمق هو ما يكمن وراء خطوة بوتين، وكيف يمكن أن تؤثر في الأحداث.
ورأت الصحيفة أن التكهن يلعب لا محالة دورا في تقييم تأثير التحرك الروسي المفاجئ، وأنه بالرغم من الهدوء النسبي للقتال لا تبدو نهاية الحرب قريبة. وقالت إن أحد الآمال الآن بين الدبلوماسيين الغربيين هو أن يتخلى بوتين عن بشار الأسد بعد أن أثبت الآن قوة روسيا بالشرق الأوسط، وما لهذا الأمر من دفع محادثات السلام إلى الأمام لأن مصير الأسد كان العقبة الكؤود.
وألمحت أيضا إلى أن بوتين في سوريا كما في أوكرانيا يريد إظهار روسيا كقوة لا يمكن تجاهلها، ويعتقد أنه يستطيع كسب ود الرأي العام الروسي كلما بدا أنه يتفوق بالحيلة على الولايات المتحدة.
وختمت الصحيفة بأنه إذا كان هناك شيء واضح من إعلان بوتين فهو أن زعم روسيا بأنها تدخلت في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة قد انكشف بأنه كان خدعة. فلم ينج التنظيم فقط من معظم الغارات الجوية، لكن يمكن القول إنه استفاد من الانتكاسات التي ألحقتها روسيا بقوات المعارضة الثورية. ولم يتم سحق التنظيم، وبدلا من ذلك تمكن من المضي قدما وخاصة حول مدينة حلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى