يرى كثيرون أن المرأة في اليمن تحصل على ميراثها كاملاً ولا يمارس ضدها أي ظلم أو حرمان من حقها الشرعي في الميراث! والحقيقة بأن واقع الحال يكشف أن كثير من النساء يُحرمن من ميراثهن، ويمارس عليهن غبنٌ وظلم.
حرمان المرأة من الميراث ليس فقط في اليمن، بل يوجد ايضاً في كثير من الدول العربية لكن بنسب أقل من بلدنا لأسباب مختلفة.
في اليمن نجد بأن معظم أسباب حرمان المرأة من ميراثها مبررات واهية، منها ما يعود للطمع والجشع لدى بعض الورثة الذكور وللثقافة الذكورية السائدة أن الرجل هو صاحب الملك والقادر على التصرف، ومنها ما يعود للجهل بحكم الله وشرعه. إضافة إلى جهل بعض النساء بحقوقهن وحقهن بالميراث على وجه الخصوص.
ولعل أحد الأسباب -أيضاً- العادات والتقاليد الظالمة التي تعتبر المطالبة بالميراث من قبل المرأة عيب وعار، وربما تطول مطالبتها لسنوات، ويظل الذكور يستفيدون من التركة ومن الميراث بينما النساء في فقر مدقع، وظروف صعبة، ولا تحصل على ما يساعدها من أي ميراث تستحقه.
كما نجد احياناً خوف المرأة من القطيعة والبعد بينها وبين عائلتها قد يدفعها إلى أن تتنازل عن المطالبة بميراثها وربما البعض تتعرض للتهديد والوعيد إذا حاولت المطالبة بحقها لذا يلزمن الصمت.
تقول البعض من النساء أن الأملاك التي يتركها الوالدين -أو أحدهما- تظل مع الأخوة الذكور سواء كانت أراضي زراعية، أو أشياء عينية ومادية، وهم وحدهم من يستفيدون منها؛ وهن من باب الاحترام لهم ومن أجل عدم الدخول بمشكلات لا يطالبن بحقهن رغم حاجتهن لهذا الحق، وربما يعشن في ظروف صعبة.
كما أننا نجد أن مبرر الحفاظ على الميراث وملك الأسرة وعدم خروجه لأسرة أخرى إذا كانت المرأة متزوجة من خارج العائلة أجد مبررات حرمان المرأة من ميراثها.
*حالات حرمان من الميراث
ما تتعرض له المرأة من حرمانها من ميراثها مازال مسلسل مستمر وكل يوم نشاهد قصة.. وكل يوم نزداد يقيناً أن هذه القضية ليست محصورة بمكان دون آخر، ولا بأسرة دون أسرة، ولا بعائلة مثقفة دون غيرها، فقد شاهدنا ظلماً يمارس حتى من بعض الرجال الذين يعتبرون قدوة وقادة.
مؤخراً قرأت عن طرد بنات مع أمهن بعد وفاة والدهن بحجة أنه لا أخ لهن حتى يرثن.
وحكت لي امرأة أن والد زوجها المتوفي طلب منها أن تتنازل عن نصيبها في البيت لأولادها خوفاً من أن تتزوج بعد ذلك من رجل آخر وأنه لا حق لها في أي شي آخر، وأي شيء يعطيها فهو صدقه منه وليس حقاً لها!
في أحد الأيام زارتني في مقر عملي امرأة كبيرة في السن حكت لي أن أولاد زوجها أخرجوها من البيت بعد وفاة والدهم وحرموها من كل حقوقها ومن الميراث. أبلغوها أنهم قاموا بتزويجها لوالدهم من اجل خدمته والاهتمام به، “ولكن بعد أن توفي ليس لها شيء”.
وامرأة أخرى طالبت بميراثها بعد وفاة والدها فقاطعتها أسرتها واعتبرت مطالبتها بذلك “عيب وعار”! وكيف أن والدها “لم يمض كثيرا على وفاته فكيف تتجرأ وتطالب بميراثها”. وعندما قالت إنها محتاجة وتريد حقها “وأن ذلك ليس فيه أي خطاء وتريد شرع الله”، استنكروا عليها ذلك وقاطعوها.
وكثيرة هي القصص التي نسمعها ونشاهدها لنساء حُرمنّ من ميراثهن لأسباب كثيرة.
* المرأة والعدالة
هناك نساء بعد أن تطرق كل الأبواب ويتم التعنت في منعهن من الميراث يلجأن للمحاكم، وقد يعتبر هذا تحدي منهن في الحصول على حقهن عبر العدالة. لكن احياناً تواجه بالمماطلة والقضية تطول ويتم التأخير بالحكم ربما لسنوات؛ إضافة إلى تعقيدات إجراءات التقاضي وارتفاع الرسوم.
إضافة إلى تسويف القضايا داخل اروقة المحاكم: إما لقلة عدد القضاة؛ أو لنفوذ الورثة من الذكور واستخدامهم أساليب مختلفة لمنع إصدار الحكم أو تأخيره؛ أو عدم وجود الكادر الإداري الكافي في المحكمة مما يعمل على تراكم القضايا والمماطلة فيها وتأخيرها وقد تخسر كل ما تملكه في سبيل الحصول على حقها الشرعي.
ومثل هذه الاجراءات المعقدة تجعل الكثير من النساء ترضى بالواقع ولا تلجأ للعدالة لإنصافها.
*الميراث حق شرعي
الميراث حق شرعي مكفول وفق الشريعة الاسلامية للمرأة أيا كانت درجتها بالنسبة للمتوفي وقد حدد القرآن الكريم نصيبها منه، وحرمان المرأة من ذلك تعدي على شرع الله ومخالفاً لما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
فالرسول الكريم في أحد أحاديثه قال من “حرم وارثاً من ميراثه حرم الله عليه رائحة الجنة”.
وحق المرأة في الميراث كان مفصلاً في القرآن الكريم على هذا النحو:
قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[11: النساء].
وقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[12: النساء].
وقوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [176: النساء].
*القانون وميراث المرأة
إذا نظرنا الى الجانب القانوني لحق المرأة في الميراث فقد نص الدستور اليمني في مادته رقم (23) على أن حق الإرث مكفول وفق للشريعة الإسلامية. كما صدر قانون خاص ينظم الارث وحدد قانون الأحوال الشخصية المستحقون للتركة على ستة أصناف من ضمنهم المرأة ويختلف مقدار إرث المرأة عن الرجل من حال إلى حال، حيث تتساوى معه في حالات، وتزيد عليه في حالات، وتنقص عنه في حالات، وفي حالات ترث المرأة ولا يرث الرجل وبما أن هذا الحق مكفول للمرأة وفقا للشريعة الاسلامية وللدستور والقانون فأنه لا يحق لاحد حرمانها منه بأي طريقة كانت ومن حقها أن تلجأ للقضاء أن حرمت منه.
كما نص القانون المدني في المادة (1159) على انه” لا يجوز لاحد أن يحرم أحد من ملكه”.
إذن فمسلسل الظلم هذا لابد أن يتوقف، ولابد أن تعرف المرأة أن من حقها أن ترث وتملك وتدير مالها ايضاً، ومن حقها إذا منعت من ميراثها ان تلجأ الى العدالة ومن واجب الجميع الوقوف إلى جانبها وتيسير إجراءاتها، ومن المهم التوعية بهذا الحق لإعطاء كل ذي حقاً حقه دون ظلم أو استغلال.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.
