يبقى التغيير سنة الحياة, وبه يتجدد النسيج, ويواكب متغيرات تلك الحياة, والتغيير يحتاج للعقل والمنطق أكثر من احتياجه للحماس والشطط .
العقل هو مصدر التحكم بمشاعر واحاسيس البشر, مصدر التفكير المنطقي, وكابح للمشاعر الفياضة ,التي تجر الانسان دون تعقل الى ارتكاب الأخطاء والخطايا .
فالتحول العقلاني , يأتي من خلال اختراق النظام , وتنقيته من شوائب المنظومة الفاسدة التي تستغله, يؤسس لشي جديد على أساس إيجابي موجود , يطور منه, وينميه, ويعزز فيه مزيدا من الإيجابية, ويطهره من السلبية .
نرتكب الخطايا عندما نلغي العقل, و نسيد المشاعر, ونريد ان نصنع تغييرا, من خلال فيض من المشاعر والحماس, دون توجيه بعقل و وعي, وكنترول مهم يدير حركة التغيير , لضمان إحداث تحول لمستقبل افضل .
ولهذا نفشل في احداث تغيير حقيقي, بل نهد النظام بكل ما فيه من إيجابية , بتهور يهد ارثنا وتاريخنا القديم والجديد, بل نهد عقيدتنا وكل ما أسس من قيم وأخلاقيات العمل , نتخلى عن تجارب قيمة كانت بحاجة لتطوير وتنمية, بل نتخلى على ارث ضحى من اجله أسلافنا , وقدموا كوكبة من الشهداء على مر التاريخ، في لحظة طيش وتهور ينهار امام اعيننا , نكاية مصدرها مشاعر لا تحتكم لعقل ولا منطق .
ولهذا يغيب العقل هناء, وتتصدر المشهد مشاعر وحماس غير واعي, فتغيب أدوات التنمية, وتتصدر المشهد شعبوية غير منظمة, تسمح لكل ما هو سيء ومسيئ يتسلق التغيير, بل ويستغل الحالة لخدمة اطماعه ومصالحه .
الواقع اليوم يعكس الحالة التي أسس عليها, وهي حالة اللاوعي , برز للسطح كل ما هو متخلف ومتعصب , وغاب العقل والمنطق, غابت الاستراتيجية , وبرزت العشوائية, غابت السياسة, واستبدلت بمدياسة, غابت الأحزاب والأفكار , واستبدلت بشعبوية و تعصبات عقائدية واثنيه , وبدلا من ان نغير, عدنا لغابر الأزمان, الماضي ما قبل النهضة , لزمن العصبيات والكراهية والعنصرية , بعد ان غيبنا الأحزاب السياسية والأفكار التي تتبناها تلك الأحزاب , دمرنا الديمقراطية البيئة المثلى لتبلور الأفكار , نرسخ الاستبداد والعصبيات, البيئة المثلى لتخلق فيروسات التعصب والكراهية والعنصرية, المناطقية والطائفية .
واقع يدمر فيه كل شيء, تتحول القضايا العادلة بفضل ادواتها الرديئة لقضايا غير عادلة , فمثلا تحول الحوثيين لداء خبيث ينخر جسد الوطن , و مشروع طائفي ضيق يرفضه الناس, وتحولت القضية الجنوبية قضية ثأر بين الجنوبيين أنفسهم , فقدت عدالتها من سلوكيات ادواتها الرثة, ولازال العقل فيها يقاوم الشعبوية العشوائية والعصبية , وما تفرزه من كراهية وعنصرية بغيضة , وانعكاساتها من انحلال قيمي وأخلاقي .
يقاوم الاستحواذ والاستئثار لطرف دون غيره بالمؤسسات, إقصاء وتهميش معايير الكفاءات والمهارات والمؤهلات , لتستبدل لمعيار ضيق لكل من يناصر العقلية , ويكون قريبا منها في العرق والمنطقة ومن ثم الفكرة والمشروع .
دمرت النقابات, ويدمر النشء بزج المدارس في صراع الراية والقسم , تغلق منابر الرأي , ترفض الديمقراطية , وتسلط البندقية على فرض امر واقع على الآخرين قبوله , تقزيم القضية بشكل حقير لراية وزعيم , في تقليد مهزوم للغالب , وكل ما كنا نشكو منه نجده واقعا اليوم وبصورة اقبح مما كان , عاد الزعيم يعين أقاربه قادة , ويؤسس امبراطوريته العسكرية , الخاوية من الولاء للوطن والقضية , وعاد الارتهان والتبعية في وضح النهار والتباهي بالعمالة والله المستعان .