خلال أقل من خمسة أيام بحث وزيرا خارجية أمريكا وروسيا أوضاع اليمن مرتين وهو ما لم يحدث من قبل ويؤشر وفق مضمون هذا التوافق في الرؤى إلى توافق آخر في مجلس الأمن الدولي على غرار توافق البلدين تجاه سوريا. خلال أقل من خمسة أيام بحث وزيرا خارجية أمريكا وروسيا أوضاع اليمن مرتين وهو ما لم يحدث من قبل ويؤشر وفق مضمون هذا التوافق في الرؤى إلى توافق آخر في مجلس الأمن الدولي على غرار توافق البلدين تجاه سوريا.
في أحدث وليس آخر تواصل بين جون كيري وسيرغي لارفروف بحث الرجلان في محادثة هاتفية”مسائل دعم جهود الأمم المتحدة لوضع حد للحرب في اليمن وبدء المفاوضات حول التسوية السياسية في البلاد”,وفق بيان للخارجية الروسية.
ويأتي هذا التواصل امتدادا وترجمة لاتفاق الرجلين قبل أيام على “جدول الاتصالات السياسية في القريب العاجل”,وهو ما حدث الخميس(10 مارس),وسوف يستمر على الأرجح وينتقل لمجلس الأمن خلال الفترة القادمة.
ليست المشكلة في اهتمام واشنطن وموسكو بضرورة التوصل لحل سلمي لما يجري في اليمن على اعتبار أن هذا موقف تدعمه وتؤيده السلطة الشرعية والتحالف العربي,ولكن الغريب أو اللافت حالة التقارب الأمريكي الروسي تجاه أزمات مثار خلاف بينهما كالأزمة في سوريا واليمن.
التوافق الأمريكي الروسي بدأ من خلال إعدادهما قرارا مشتركا حول الوضع بسوريا اعتمده مجلس الأمن بالاجماع في 27 فبراير الماضي,وينص على وقف الأعمال القتالية ودعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي في جهودهما لإحلال السلام واستئناف المفاوضات من أجل انتقال سياسي.
كما ينص على دعم جهود موسكو وواشنطن بشأن دعوة الأطراف كافة للسماح بإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في سوريا,فضلا عن الدعوة إلى توفير وصول حر وآمن وسريع للمساعدات الإنسانية في سوريا، وخصوصا إلى نحو 4.6 ملايين سوري عالقين في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها.
لم يكن أحد يتوقع حدوث هذا التوافق الذي تم في ليلة وضحاها لكن المراقبين يعتبرونه توافقا طبيعيا يعكس بالأصل تطابق وجهة النظر بين البلدين في معالجة الأزمة بسوريا,وذهب آخرون إلى أن هذا التوافق لن يقتصر على سوريا وإنما سيمتد إلى أزمات أخرى في المنطقة بينها اليمن.
مؤخرا أبلغني مصدر صحافي قريب من الأوساط الدبلوماسية في الأمم المتحدة بحكم طبيعة عمله أن هناك شبه توافق غير معلن بين واشنطن وموسكو لإصدار قرار حول الوضع الإنساني في اليمن يشدد على ضرورة تأمين وصول المساعدات للمحتاجين يحمل أداة ضغط لتنفيذه وينص على وقف فوري للأعمال القتالية.
حاليا فرضت روسيا الوضع الإنساني في اليمن كموضوع حاضر في نقاشات جلسات مجلس الأمن للفترة القادمة وهو ما كان لافتا ومفاجئا الاهتمام الروسي الذي يسقط أخلاقيا في سوريا بدعمه النظام الذي يحاصر المدن وتقصف طائراته المستشفيات ومخيمات النازحين.
ويعزز حقيقة نوايا موسكو السياسية كلام مندوبها بمجلس الأمن فيتالي تشوركين الذي صرّح في الجلسة الأخيرة”البعض يتحدث عن اصدار قرار إنساني حول #اليمن وهذا لابأس به بالنسبة لنا ولكن لا بدّ من فعل شيء على المسار السياسي”.
وتقود كل من نيوز لندا ومصر واليابان وبالطبع روسيا مشروع قرار إنساني وقد ظهرت مؤشرات هذا التوجه من جلسة مجلس الأمن الأخيرة وما صدر عنها من بيان حول الوضع الإنساني ثم تصريحات الرئيس الدوري للمجلس مندوب أنجولا، إسماعيل أبروا جاسبار,الذي وصف الوضع بالمخيف وألمح للحاجة لإصدار قرار جديد.
الحرص الروسي على الوضع الإنساني في اليمن يفضح حقيقته إفادة ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي أكد أن المشكلة لا تكمن في الحاجة لصدور قرار جديد وإنما في “المتطلبات البيروقراطية المفروضة من سلطات الحوثيين بصنعاء التي تؤخر وتعيق أيضا التوصيل السريع للمساعدة الإنسانية”.
المسؤول ذاته اتهم الحوثيين بمنع ثلاث بعثات إغاثية تابعة للأمم المتحدة من السفر من صنعاء إلى تعز وإب.
إذا المطلوب تفعيل القرار 2216 الذي يضمن حماية المدنيين وينص على ضرورة إغاثة المتضررين والمحتاجين ويحمل الصفة الإلزامية لصدوره تحت الفصل السابع,ويُفترض معاقبة الحوثيين وحليفهم لرفضهم الامتثال له بما في ذلك عرقلتهم لجهود الإغاثة وحصار المدنيين بتعز.
في هذا السياق تعي السعودية حقيقة أهداف روسيا من تحركاتها بمجلس الأمن وتعلم جيدا أنها ليست مكترثة لوضع اليمنيين إنسانيا لأن هذا الهدف فشلت فيه موسكو بأكثر من مكان خاصة في سوريا,وما تريده باليمن شيء آخر له علاقة بالسياسة أكثر من الإنسانية.
لهذا أكد مندوب المملكة بالأمم المتحدة، السفير عبدالله المعلمي،إنه “ليس هناك ضرورة لإصدار مجلس الأمن الدولي أي قرار جديد، بشأن الوضع الإنساني في اليمن، خاصة أن القرار السابق رقم 2216 يكفي في الوقت الحالي”.
واضح أن روسيا تريد مقايضة أو ابتزاز السعودية بملف سوريا بعد استعدادها التدخل بريا مع تركيا في هذا البلد وتعارض بشده الغارات الجوية على المعارضة وهو ما يزعج موسكو التي تعتبر سوريا ساحة نفوذها لا تقبل تدخل غيرها فيه.
وتدرك موسكو أن اليمن العمق الاستراتيجي للمملكة وهي تدخلت فيه دعما للشرعية بعد تجاوز تهديد الانقلابيين لها وأمنها لاسيما مع ارتباط الحوثيين بإيران,ولهذا تحاول الابتزاز بورقة حساسة لا تقبل المساس.
الروس يريدون القول إن أي تدخل في سوريا سيقابله تغير في موقفنا الداعم للشرعية في اليمن ليس بالضرورة بالتدخل أو دعم الانقلابيين الذين لا يعترفون بسلطتهم أصلا,وإنما استخدام ورقة مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف الحرب قبل تحقيق كامل أهدافها.
والأمر الآخر هو الضغط على الرياض لتوافق على تخفيض إنتاج النفط ليرتفع سعره بعد تضرر روسيا من هذا السلاح الذي ألحق بها خسائر كبيرة جراء هبوط أسعار النفط ووصول سعر البرميل لعشرين دولار.
لكن موقف السعودية ثابت ولن يتغير لا في سوريا من حيث رفضها بقاء الأسد بالحكم أو بأي مرحلة انتقالية تنبثق عن عملية سياسية أو معارضتها التدخل الروسي وضرب المعارضة المعتدلة,كما لن توافق على تخفيض إنتاجها كما عبّر عن هذا وزير خارجيتها عادل الجبير.
ولقائل أن يسأل وهل أمريكا ستوافق على قرار روسي يخدم مصلحتهم بالدرجة الرئيسية,والجواب على هذا يقودنا للتذكير بموقف واشنطن من عملية عاصفة الحزم والتي لم تكن تؤيدها وإنما وجدت نفسها مضطرة بحكم علاقاتها مع المملكة وحرجها من الوقوف ضدها وهي تحمي حدود السعودية وكأمر واقع بعد أن بدأت عمليا في اليمن.
من المعروف أن أمريكا لا تؤيد العملية العسكرية الحالية ضد الحوثيين وفي أقصى الحد المسموح أو المقبول من قبلها هو أن لا تنتهي للأخير بهذا النهج وتفضل تسوية سياسية تضمن بقاء الحوثيين بقوة لا بأس بها كي يكونوا خنجرا في ظهر المملكة مستقبلا,ناهيك عن أنها تراهم شركاء في محاربة الإرهاب في سياق رؤيتها لداعمتهم إيران ومليشياتها الشيعية الأخرى كأدوات لا غنى عنها في محاربة ما تعتبره تطرفا سنيا ممثلا بالقاعدة أو تنظيم الدولة وميل إدارة أوباما لإدامة ما تراه توازنا ضروريا بين الشيعة والسنة في المنطقة مع أنه دعم الأقليات على حساب الأكثرية.
كما أن أمريكا لا تصنف الحوثيين منظمة إرهابية رغم شعارهم المعادي لها كلاميا,وتدعمهم بالغارات الجوية لطائرات”الدرونز”,في البيضاء وشبوة ليس فقط في محاربة القاعدة وإنما طالت غاراتها مواقع للمقاومة في بعض الأماكن.
أما لماذا ستغيّر موقفها أو قد تدعم الموقف الروسي في هذا الوقت وهي أصلا دعمت التحالف من خلال القرار 2216,فإن الجواب هو أن دعمها لعمليات التحالف كان منذ البداية محدود الهدف والوقت,ففي الأول تعتقد أن التدخل قد حقق أكثر أهدافه ولا تريد نهاية الحوثيين عسكريا وفي الثاني ترى أن الحرب طوت عامها الأول وهذا كافي.
وبالإضافة لهذا وهو الأهم,أنها تخشى من تنامي الجماعات التي تعتبرها إرهابية خاصة في الجنوب والتي من وجهة نظرها تستغل الفراغ الأمني وانشغال السلطة الشرعية والتحالف العربي بمحاربة الحوثيين وقوات صالح بالتمدد والتوسع جغرافيا وهذا ما سيشكل خطرا على مصالحها حاضرا ومستقبلا.
بالنسبة لأمريكا فهي لم تكن ترى في اليمن سوى من المنظور الأمني ولا يثير قلقها سوى خطر القاعدة والآن داعش ولأجل هذا تعتقد أن الحرب طالت زمنا وحققت أهدافها وحان الوقت لوقفها والدخول بعملية تفاوض سياسي تعيد أولويات اليمنيين لمحاربة الإرهاب الذي تراه أمريكا المشكلة وليس الإرهاب الذي زاد نتاجا له بعد اختطاف مؤسسات الدولة وسيطرة جماعة طائفية خطابا ومشروعا.
وفي رؤيتها للحل تطرح واشنطن – وفق مصدري المشار إليه – تفكيك تحالف صالح والحوثيين بمنح الأول فرصة لخروج آمن للحياة مع أمواله وليس لكي يكون له دور سياسي في المستقبل,وهذا ما ترفضه بشده الرياض رغم توسلات ومحاولات صالح المتكررة لكنه يصطدم بأبواب مغلقة.
وفي الواقع لم تخف أمريكا رغبتها في إيقاف الحرب ودعت على لسان أكثر من مسؤول إلى وقف إطلاق النار,ورعت خلال الشهور الماضية مفاوضات بين ممثلين عن الحوثيين وحزب صالح من جهة ومسؤولين أمنيين سعوديين من جهة أخرى في العاصمة العُمانية مسقط.
ويبقى السؤال:هل ستقدم روسيا وأمريكا مشروع قرار تجاه اليمن والأهم العمل على تمريره بمجلس الأمن؟من الناحية الدبلوماسية وفي حال كان هذا هو موقف واشنطن يمكن للسعودية أن تحبط هذا القرار عبر فرنسا التي تمتلك حق النقض وتربطها بها علاقات جيدة وزارها مؤخرا ولي العهد الأمير محمد بن نايف.
وقبل هذا تملك السعودية أوراق ضغط على أمريكا وروسيا تجعلهما يحجمان عن توجه كهذا خاصة وأن كسب الحرب في اليمن خيار لا مفر منه ولا بديل عنه بالنسبة لها,ويمكن تقبل تسوية سياسية في مرحلة متأخرة على أن تحقق أهدافها.
الإبلاغ عن هذه الرسالة حذف هذه الرسالة