(تحقيق) الانتخابات اللبنانية تتجاهل قضايا المناخ رغم الحرائق والفيضانات وانقطاع الكهرباء
(رويترز)
شهد لبنان حرائق غابات وفيضانات مدمرة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي أضرت بشدة بالأعمال في البلاد، ومع ذلك تغيب قضايا المناخ بدرجة كبيرة عن برامج المرشحين قبيل الانتخابات النيابية المقررة يوم الأحد المقبل.
ومع الاستياء العام من الانهيار الاقتصادي والفساد المستشري، قال نواب محتملون إن المناخ لا يُعتبر مثار قلق أساسيا لدى الناخبين الذين يواجهون أزمات على جميع الأصعدة.
قالت نجاة صليبا مرشحة حزب التقدم المعارض في اتصال هاتفي مع مؤسسة تومسون رويترز “التغير المناخي موضوع مهم ومصيري، لكن في لبنان قضايا أكتر إلحاحا وبالتالي يمكن وضع هذه المشكلة جانبا الآن”.
ولم يطرح أي من الأحزاب الرئيسية جدول أعمال لسياسات مناخية قبيل الانتخابات المقررة يوم 15 مايو أيار.
وحصلت جماعة حزب الله الشيعية المسلحة المدعومة من إيران وحلفاؤها على 71 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 مقعدا في الانتخابات السابقة في 2018.
والانتخابات المقبلة هي الأولى منذ بدء الأزمة المالية في أكتوبر تشرين الأول 2019 والتي أثارت احتجاجات واسعة النطاق في مختلف أرجاء البلاد.
ودفعت الأزمة ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر وأدت إلى نقص إمدادات الدواء والوقود وعدم توافر التيار الكهربائي سوى لبضع ساعات فقط في اليوم، ووصفها البنك الدولي بأنها من أسوأ الأزمات المالية التي شهدها العالم منذ 150 عاما،
ويقول نشطاء في مجال حماية البيئة إن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وانتهاج سياسات أخرى لحماية البيئة قد يساعد في توفير حلول طويلة الأمد لبعض المشكلات الرئيسية التي تواجهها البلاد كما قد توفر وقاية مستقبلية من الصدمات السياسية والاقتصادية.
وقالت كارول آيات، خبيرة تمويل الطاقة في الجامعة الأمريكية في بيروت “إن نشر الطاقة المتجددة له ايجابيات عدة، بما في ذلك خلق فرص عمل، وتقليل تلوث الهواء، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”.
وأضافت “هذا الأمر سيساعد في حماية الاقتصاد من أي تدهور طارئ وخارجي في قطاع الطاقة وذلك من خلال خفض الواردات من الوقود الأحفوري، الذي يعد عاملا أساسيا في الأزمة الراهنة”.
– إلغاء عملية جراحية
بدأ الانهيار الاقتصادي في لبنان في عام 2019 نتيجة سوء إدارة الإنفاق مما أدى إلى زيادة الديون بالإضافة إلى الشلل السياسي مع تناحر الفصائل المتنافسة وإحجام المقرضين الأجانب عن إنقاذ البلاد ما لم تبدأ إجراءات إصلاح.
ولم تشهد البلاد تيارا كهربائيا مستمرا لمدة 24 ساعة منذ عقود. لكن أحدث أزمة اقتصادية زادت من سوء الوضع فلا تحصل بعض المناطق الآن على التيار الكهربائي الحكومي أكثر ساعتين في اليوم أو لا تحصل عليه على الإطلاق.
وتحصل أغلب المناطق في لبنان على الكهرباء من مولدات خاصة تعمل بوقود الديزل الكثير منها تديرها شركات في حين عطّل نقص العملة الصعبة واردات السولار.
وتشير بيانات تراينجل ريسيرش، وهي منظمة للبحوث والسياسات مقرها لبنان، إلى أن إنتاج الطاقة المتجددة لم يُمثل إلا أقل من ثلاثة بالمئة من إجمالي الكهرباء المولدة في 2018.
قالت آيات، الزميلة البارزة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت إن على الحكومة المقبلة، أيا كان من يرأسها، تحسين توليد الطاقة المتجددة.
وأضافت “يتعين على أي استراتيجية لإصلاح الطاقة أن تسعى إلى تزويد جميع اللبنانيين بأرخص وأنظف إمدادات كهرباء لأطول فترة ممكنة”.
وكان لتقطع إمدادات الكهرباء تأثيرات سلبية على مختلف قطاعات المجتمع من مستشفيات تضطر لتأجيل جراحات حاسمة إلى مدارس لا تجد سبيلا غير إغلاق أبوابها ومخابز تعجز عن الإنتاج.
وفي أحد مستشفيات بيروت، قال كريم مدلل لمؤسسة تومسون رويترز إنه يعاني من كسور في الذراعين والساقين بعد وقوعه من على الدرج في حادث، لكن لم تجر له الجراحة المقررة بعد.
أضاف “تقرر موعد الجراحة اليوم لكنها ألغيت بسبب انقطاع الكهرباء. عليّ الانتظار بضعة أيام أخرى”.
وقد تكون إمدادات الكهرباء من أكثر المشاكل البيئية إلحاحا في لبنان، لكنها ليست الوحيدة.
فلبنان يعاني منذ سنوات من مشكلة التخلص من النفايات وأصبحت “جبال القمامة” التي تتكون في مختلف أرجاء البلاد رمزا على عدم قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية.
وتواجه البلاد كذلك كوارث مرتبطة بالمناخ من فيضانات ساحلية كبيرة دمرت محاصيل في العام الماضي إلى حرائق غابات أبادت منازل. وتقول آيات إن مثل هذه الأزمات ا تتطلب سياسات لخفض المخاطر والحفاظ على السلامة العامة.
– الساسة “غير عابئين“
في الوقت الذي يتحدث فيه نشطاء البيئة عن الحاجة لتعزيز الطاقة النظيفة ومقاومة تغير المناخ، لا يحدوهم أمل يذكر في أن شيئا سيتغير.
قال جوليان جريصاتي مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة السلام الأخضر البيئية “تصدر موضوع التغير المناخي اهتمامات وأجندات الدول حول العالم في السنوات الأخيرة، غير أن هذا الواقع لم يشمل لبنان حيث ظل الساسة غير عابئين بهذه الأزمة الملحة”.
وأضاف أن الناخبين كذلك لا يهتمون بالأمر.
لكن الانتخابات المقبلة ستشمل أصواتا تطالب بالتغيير من مجموعة من المرشحين المستقلين.
وكان زياد أبي شاكر المختص بالهندسة البيئية والصناعية والمرشح المستقل في بيروت واحدا من قلة من المرشحين الذين أشاروا إلى الأزمة المناخية.
وأقر أبي شاكر، الذي تشمل سياساته الأساسية الدفع من أجل إقامة مصنع لإعادة تدوير النفايات بالكامل في ضواحي بيروت، بأن الإصلاحات التدريجية لن تكون كافية لكنه قال إن أي خطوة للأمام تُعتبر إنجازا.