تحول دراماتيكي اتخذه الحوثيون، مؤخرا، يُعبر عن امتعاضهم من إيران وتصريحاتها التي ملأت المنطقة صراخاً ووعيداً كما لو أن الحرب باتت وشيكة مع خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم الرياض.
تحول دراماتيكي اتخذه الحوثيون، مؤخرا، يُعبر عن امتعاضهم من إيران وتصريحاتها التي ملأت المنطقة صراخاً ووعيداً كما لو أن الحرب باتت وشيكة مع خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم الرياض.
يوم أمس أخذت تصريحات القيادي الحوثي يوسف الفيشي جدلا حين قال إن “على المسئولين في إيران السكوت وترك الاستغلال والمزايدات بملف اليمن”، وهو ما يفصح بشكله الظاهر على اختلاف بين الحوثيين وإيران، لكن هل هناك اختلاف حقيقي بعدما عجزت طهران عن تقديم مساعداتها لهم؟، أم مجرد تصريحات في الهواء؟
على ما يبدو أن هذه التسريبات التي تبدي اختلاف الحوثيين مع إيران هو توجه مدروس، وقد جاء كلام الفيشي عقب تصريحات نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية قبلها بيوم عندما سُئل: هل سترسل إيران مستشارين لليمن؟ فقال في إشارة بـ”نعم”، “إن إيران تشعر بواجبها في اليمن كما تفعل بمساندتها للحكومة والشعب في سوريا”.
وليس هذا أول تصريح يخرج من قيادات الصفوف الأولى للحوثيين بل سبق وأن تحدث محمد الحوثي رئيس ما يسمى بـ”اللجنة الثورية” عن تصريحات المسؤولين في طهران فيما يتعلق باليمن، والتي وصفها بالمستفزة، حيث قال في تصريحات لصحيفة الرأي الكويتية 9 نوفمبر الماضي: “أن تصريحات إيران التي اعتبرت صنعاء العاصمة الخامسة لها بعد بغداد ودمشق ولبنان وطهران استفزازية لنا كما هي استفزازية للخليجيين”.
كان حديث محمد الحوثي هو أول كلام مسؤول يخرج من قيادات حوثية سياسية عما وصفوه باستفزازات إيران لهم وللخليج، وهو ما يُعبر عن موقف سياسي ليس بالعفوي بقدر ما هي أسباب فرضتها عليهم، وهي كالتالي:
أولا- بدا بشكل واضح أن إيران تستغل الحوثيين كورقة، في إطار الملف اليمني الذي تقايض به بين الملفات الدولية والاقليمية، وهو ما اتضح في موقفها ما قبل الاتفاق النووي وبعده، حين عجزت عن ايجاد موقف عملي يوقف ضربات التحالف حلفائهم في اليمن.
ثانيا- هذا العجز، وبعد مرور سنة على الحرب وجد الحوثيون أن لا فائدة من استمرار التصاقهم بإيران، فهي الذريعة الاستراتيجية التي تقود بسببها الرياض حرباً في اليمن، ولاقت ما يُعزز هذا التوجه لضرب تحركات الحوثيين في كل منطقة.
ثالثا- شعور الحوثيين أن الرياض لا تحاربهم كمكون سياسي في اليمن بل كذراع وحليف لإيران تستخدمهم لتهديد الأمن القومي السعودي.
رابعا- مرور الوقت ليس لصالح الحوثيين لا عسكريا ولا سياسياً، إذ يفقد الحوثيون كل يوم مساحات كانت تحت سيطرتهم، ولا سياسيا، باعتبار أن التحالف يقود حرباً تحت غطاء شرعي، وجاء عقب تمكن الرياض من انتزاع قرار من مجلس الأمن يدين الحوثيين بشكل واضح.
لكن يبقى السؤال، هل فعلا اختلف الحوثيون مع إيران والذي يؤدي بدوره إلى تركها؟
قبل الاجابة، من المهم الاشارة إلى أن طهران حاولت، مؤخراً، مراراً إرسال أسلحة للحوثيين، إذ أعلن الاسبوع الماضي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن بلاده ضبطت سفينة إيرانية كانت متجه لليمن تحمل أسلحة للحوثيين، وفي مطلع الاسبوع الجاري أعلنت السلطات الأسترالية عن اعتراضها لسفينة إيرانية تحمل 1900 “رشاش” متجه نحو اليمن.
هي محاولات لإطالة أمد الحرب في اليمن، وتحويلها إلى سوريا ثانية، لكنها فشلت في تمرير الدعم، لذلك قرر الحوثيون التوجه لنقدها حتى يأخذ التحالف نفس طويل والتفكير بهدنة كانت بدايتها من الحدود.
لكن، ومع هذا التوجه الجديد لا يمكن للحوثيين التخلي عن إيران لا على المدى القريب ولا البعيد، فهي الجماعة المصابة بالانشداه بثورة الخميني كما نقلها لهم المؤسس حسين الحوثي في ملازمه.
ويبقى هذا التوجه مجرد تقية سياسية حتى وإن تعلقوا بأستار الكعبة، مادام وشيطان إيران لا يزال متجذرا في رؤوسهم، وحتى إيران نفسها ربما تدعم هذا التوجه وتبدي ابتسامة لئيمة حين تجد على هذا النوع من التقية حتى يستعيد حلفاؤهم الأنفاس.