ذاكرة الشجرة
عبدالعزيز الزراعي
في هذه الساعات التي لا أدري أهي متأخرة من الليل أم متقدمة من الفجر (فالأشياء تقف الآن بشكل حيادي معي تقف في المنتصف وأنا أقف الآن في الحياد من كل شيء حتى من أحزاني وعواطفي حكيم ومتعال مع ذاتي بشكل مؤلم وزائد عن حده) المهم في هذه الساعات تداهمني روائح أشجار قريتنا.. روائح مبهمة ومحبوكة من المنتصف وهشة من الأطراف ومجروشة من بعض أثنائها، ومخدوشة من أطراف أخرى، روائح تبدو أحيانا واضحة كعناوين، ومتلاشية أحيانا كخلفيات مائية، ولكن رائحة تبرز من بينها لشجرة المانجو التي كنت أتسلقها في وادينا، رائحتها طرية ومترنحة كشعر فتاة للتو خرجت من حمامها. تغيب هذه الرائحة لفترة وتفوح رائحة الزقار والسعد وحشائش الكدش التي أتمسك بها كلما صعدت من عقم الشقة.. أشم يدي فاتحقق منها تماما إنه هو وأنا.
تغيب فجأة وتتخاطر روائح عدة لأشجار لا أعرف أسماءها أعرف أماكنها وأصحابها.
في قريتنا في الغالب لا نسمي الأشجار بأسماء فصائلها بل نسميها (هيجة فلان) أو هيجة بني فلان. كأنها واحدة من ذرية البشر وعائلتهم، وإن سميناها باسم فصيلتها فإننا نضيفها لصاحبها أو للمكان وكأن المكان أبوها أو ابنها( فلة غندل، وطنبة الوادي، وصفنة مصلاح، وعرجي الطوف).
ونسمي الأماكن بتلك الأشجار تارة أخرى، مثلا نسمي منطقة معينة (بين الكلح) والكلح نوع من الصبار، ونقول لمنطقة( بين الأثبير) والأثبير شجر يكسو تلك المنطقة، ونقول لمنطقة (بين الطربق) والطربق شجر التين الشوكي. ونقول لمنطقة (رقعي) لاكتنافها بشجر (الرقع) وهو شجر ينبت في الوديان كاليقطين ذو ورق كبير وظل وارف، ونطلق على منطقة كاملة اسم (الكاذية) لشيوع شجر الكاذي العطري فيها.
ترى لماذا نسمي الشجرة هيجة؟
هل لهيجان غصونها الدائم بفعل الريح؟ ربما.
أم لأنها هيجان الطبيعة واشتجارها في وجداننا ووجودنا الإنساني؟ ربما.
المهم كيف السبيل لروائح الهياج وهيجانها في هذه الساعات في قلب الشاعر