في ظل الحرب و”الحصار”.. كيف يحصل الحوثيون على الألغام؟ (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من فارس السريحي
يعيش نحو 30 مليون يمني فوق أكبر حقل ألغام في العالم، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يسقط ضحايا من المدنيين في حوادث ألغام متفرّقة في أنحاء البلاد رغم الاحترازات التي يتخذونها.
تشير التقديرات إلى أن إجمالي الألغام التي زرعها الحوثيون في اليمن يفوق اثنين مليون لغم، منها مضادة للأفراد وأخرى للعربات وثالثة للسفن والمراكب البحرية، وما يزال 80% منها مدفونة تحت الأرض تتربّص بالمدنيين وتقيّد حركتهم وتضيّق معيشتهم اليومية.
ويشير مشروع بيانات النزاع المسلح (ACLED)، إلى أن اليمن مهدد بنحو 30 مليون عبوة متفجرة من مخلفات الحوثيين فضلاً عن كارثة الألغام الأرضية، محذّراً من أن آثارها لا تقتصر على قتل الأرواح وإصابة مئات اليمنيين بالإعاقة، بل تضرب مناحي الحياة المختلفة.
وأمام هذه الأرقام، ومع استمرار الحوثيين في زراعة الألغام بكثافة في عموم البلاد، يتصدّر السؤال الأهم في أذهان اليمنيين. كيف يحصل الحوثيون على هذا الكم الهائل من المتفجّرات؟
“ألغام الحوثي في ثلاث مراحل”
يقسّم العقيد هيثم منشلين، مدير المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية، مراحل استخدام الحوثيين للألغام إلى ثلاث مراحل، الأولى مع بداية تمرّدهم وحروبهم الست ضد الدولة في محافظة صعدة بين عامي 2004- 2010، حيث اعتمدوا عليها كسلاح رئيس في المعركة.
في البداية كانوا يقومون بشرائها من أسواق السلاح قبل أن يستقدموا خبراء أجانب ويقومون بصناعتها محلياً.
ويضيف العقيد منشلين، في مقابلة أجراها معه “يمن مونيتور” أن الجيش وجد في حروب صعدة الأخيرة ألغامًا وعبوات ناسفه وقذائف متفجرة بدائية الصنع تضم صواعق من الألمونيوم وأخرى من قضبان الستائر.
كما لوحظ حينها قيام الجماعة بتحويل أنابيب وأسطوانات الغاز المنزلي إلى عبوّات متفجّرة.
ولاحقاً حوّلت المقذوفات ومخلفات الحرب إلى عبوّات متفجرّة واستخدمتها لتفخيخ الجسور والطرقات الترابية، وكذا تفخيخ المنازل والمنشآت الحكومية.
ومع بداية حروب الحوثيين التوسّعية خارج صعدة، يقول منشلين، إنهم بدأوا باستخدام ألغامًا متطوّرة نوعاً ما في معاركهم ضد الجيش وضد القبائل في الجوف وحجّة وعمران عام 2013. بما فيها نوع جديد على هيئة ألعاب وأشكال أخرى مألوفة، وهو ما يشير إلى استفادتهم من الخبرات الخارجية.
ويضيف القائد العسكري، في حديثه لـ”يمن مونيتور” أن المرحلة الثالثة بدأت مع اجتياحهم للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014. وفيها يقول إن الحوثيين “وضعوا أيديهم على مقدّرات الجيش وضاعفوا ترسانتهم من الألغام. لافتاً إلى مسارعتهم لاستقدام خبراء حزب الله والحرس الثوري الإيراني عبر الجسر الجوّي الذي دشّنوه في مارس 2015 بين مطاري طهران وصنعاء.
كما دفعوا بعشرات من عناصرهم للتدرب في معسكرات الحرس الثوري في طهران، مشيراً إلى أن الحوثيين زرعوا الألغام بكثافة مع بداية حربهم التوسّعية خارج صنعاء وبالأخص أثناء اجتياحهم لمدينة عدن جنوباً. مؤكداً أنهم زرعوها والمناطق المحيطة بها بآلاف الألغام.
“مصانع ألغام محلية”
وخلال السنوات الأولى من الإنقلاب الحوثي، يقول مدير المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية، إن الحوثيون، بمساعدة إيران، قاموا بإنشاء معامل لصناعة الألغام في صعدة وصنعاء والحديدة.
وأضاف أن هذه المعامل أشرف عليها في البداية خبراء إيران، فيما يديرها حالياً حوثيون سبق وأن تلقّوا تدريبات نوعية في معسكرات إيرانية وفي لبنان لدى “حزب الله” الموالي لإيران.
وبالنسبة للمكونات الأولية للألغام، يوضح العقيد منشلين، أن أغلبها وبالأخص المواد الكيميائية والأجهزة التقنية تأتي الخارج عبر تهريبها سواء ضمن الشحنات التجارية أو ضمن شحنات الأسلحة المهربة.
وحول إجراءات التفتيش الدولية ومزاعم الحصار، قال إن شبكات التهريب تقوم بشحنها على أنها بضائع تجارية وتقوم بإداخلها عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها. مؤكداً أن قوات الجيش ضبطت خلال السنوات الماضية عشرات الشحنات تضم مواد كيميائية وأجهزة لصناعة الألغام.
“إمدادات إيرانية”
وحول مصدر هذه الشحنات، قال إن أغلب إمدادات الأسلحة الحوثية بما فيها مكوّنات الألغام تأتي من إيران، وإن كانت هناك من شحنات تأتي من جهات أخرى فهي بترتيب من قبلها.
ووفقاً للعقيد منشلين، فإن 90% من الألغام التي امتلكها الحوثيون والتي قاموا بزراعتها في أنحاء البلاد، حصلوا عليها بفضل المساعدة الإيرانية ضمن الدعم المقدّم لهم للسيطرة على اليمن، وفي سبيل الهيمنة على طرق التجارة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وكشفت دراسة أعدّتها مؤسسة أبحاث التسلح أثناء الصراعات (CAR) عن حدوث تدفق تكنولوجي إيراني إلى الحوثيين في الآونة الأخيرة.
وقالت الدراسة، إنها توصّلت إلى معلومات تؤكد أن “إيران قد قامت بتنظيم نقل التكنولوجيا والمعدات للحوثيين في اليمن لمساعدتهم على تصنيع عبوات ناسفة متحكّم فيها لاسلكياً”.
وبيّنت أن مكونات العبوات الناسفة المتحكّم فيها لاسلكياً والمستخدمة من طرف الحوثيين في اليمن تتطابق مع “مكونات العبوات الناسفة المتحكّم فيها لاسلكياً التي صادرتها قوات الأمن البحرينية من عناصر مدعومة من طرف إيران ووثقتها المؤسسة في البحرين”.
وعلاوة على ذلك، قالت الدراسة التي نشرت في مارس 2018، إن هذه المكونات تتطابق مع تلك التي اعترضتها قوات الأمن اليمنية على متن سفينة “جيهان1” التي كانت قادمة من إيران عام 2013.
ووفقاً للدراسة فقد سبق وأن استخدم “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران عبوات ناسفة مشابهة داخل إسرائيل وجنوب لبنان. كما عثرت القوات الأمريكية في العراق على مجموعة مخابئ أسلحة تحتوي على مقذوفات مشكّلة انفجارياً مخفية داخل صخور اصطناعية تمويهية، نسبت مكوناتها فيما بعد للإمدادات الإيرانية للقوات التي تقاتل بالوكالة عنها في العراق.
وفي السياق ذاته، قال فريق الخبراء الأممي المعني باليمن في تقريره للعام 2019، إنه حصل على أدلة تشير إلى أن الحوثيين يستوردون مكونات لصنع الألغام الأرضية من الخارج.
“تقنيات حوثية متطوّرة”
وأكدت مصادر فنّية وأخرى حقوقية مطّلعة أن الألغام الحوثية شهدت تطوراً مستمرّاً منذ بداية حروبهم ضد الدولة اليمنية في صعدة قبل أكثر من عقدين كمًّا ونوعًا سواء البرّية أو البحرية.
وأضافت في أحاديث منفصلة لـ”يمن مونيتور” أن الحوثيون تباهوا خلال السنوات الماضية بقدراتهم على صناعة أنواعاً متعددة من الألغام المتطوّرة وبمهاراتهم في إخفائها على شكل صخور وجذوع نخل وأثاث منزلي وأشكال أخرى مألوفة تتوافق مع طبيعة الأرض المستهدفة.
ونوهت إلى أن أغلبها ذات خصائص انفجارية متعددة بعضها تجمع بين ثلاث طرق للإنفجار إما بالضغط عليها أو لاسلكياً عن بعد أو بالأشعة تحت الحمراء بحيث تنفجر بمجرد المرور من أمامها.
ومؤخراً، كشف مدير مشروع مسام السعودي لنزع الألغام في اليمن، أسامة القصيبي، عن تطور كبير في الألغام والعبوات الناسفة التي انتزعتها فرق المشروع مطلع العام الجاري بمحافظة شبوة (شرقي البلاد).
وقال القصيبي في مؤتمر صحفي عقده في عدن بتاريخ 20 يناير 2022، إن “فرق المشروع تتعامل حاليًا مع ألغام مبتكرة ومفخخة وأخرى مصنوعة من مواد جديدة لم تكن موجودة في الألغام التي نزعتها فرق مسام خلال الأعوام الماضية”.
وأضاف أنها “تحتوي على تقنيات حديثة ومصنوعة من مواد تم استيرادها من خارج اليمن”. مؤكداً أن مليشيا الحوثي تطور تقنياتها المتعلقة بصناعة وزراعة الألغام من عام إلى آخر.
“عمليات ضبط لمواد تدخل في صناعة الألغام”
وحصل “يمن مونيتور” على معلومات من مصادر أمنية وعسكرية، تشير إلى نحو 10 عمليات ضبط نفّذتها الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية خلال السنوات الماضية لشحنات أسلحة تضم مكوّنات تكنولوجية أو مواد كيميائية تدخل في صناعة الألغام.
ووفقاً للمصادر، فإن الشحنات ضبطت أثناء محاولة تهريبها إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
14 مارس 2018: ضبطت قوات الأمن الخاصة بمأرب شحنة أسلحة من ضمنها متفجرات كانت مخفية داخل شاحنة نقل كبيرة (دينا) كانت في طريقها إلى الحوثيين في صنعاء.
أغسطس 2019: أعلنت الشرطة العسكرية إتلاف نحو 15 ألف كيس من السماد وكميات من البيرنجات (كريات حديدية صلبة) تدخل في صناعة المتفجرات كانت قد ضبطتها أثناء محاولة تهريبها إلى الحوثيين قادمة من جيبوتي.
8 نوفمبر 2019: ضبطت قوات خفر السواحل شحنة أسمدة تزن حوالي 100 طن منها 46% مادة اليوريا على متن زورق يرفع علم دولة أفريقية أثناء محاولة تهريبها إلى الحوثيين.
20 فبراير 2020: ضبط شحنة من سماد اليوريا تزن 200 طن تستخدم في صناعة المتفجرات على متن مركب كان يبحر باتجاه ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين.
25 مارس 2020: ضبطت القوات المشتركة شاحنتين تحملان مادة السماد (اليوريا) في منقطة الزهاري في مديرية المخا غربي محافظة تعز.
30 مارس2020: ضبطت سيارة تحمل شحنة سماد بإحدى المزارع في مديرية المخا غرب تعز.
31 مارس2020: ضبطت شاحنه تحمل 340 كيس سماد يستخدم في صناعة المتفجرات في منطقة الزهاري.
24 يونيو 2020: أحبطت بحرية التحالف تهريب شحنة أسلحة “إيرانية” قبالة سواحل حضرموت من ضمنها قطع كهربائية للتفجير عن بعد.
يونيو 2021: ضبطت القوات المشتركة غرب مديرية موزع بتعز 149 صندوقًا يضم مليون و400 ألف صاعق تفجير عبوات ناسفة، كانت في طريقها للحوثيين وجرى تهريبها من القرن الإفريقي عبر سواحل رأس العارة وباب المندب. وأعلنت الفرق الهندسية إتلافها بعدها بأيام.
23 يناير 2022: أعلنت البحرية الأميركية اعتراض سفينة تحمل على متنها 40 طناً من السماد المستخدم في صناعة المتفجرات، أثناء إبحارها من إيران إلى الحوثيين في اليمن.
“ضحايا مصانع الموت”
ومؤخراً، كشف تقرير حقوقي صادر عن تسع منظمات حقوقية وإنسانية محلية، عن مقتل 2818 مدنيًا وإصابة 3655 آخرين بسبب الألغام في 17 محافظة يمنية خلال الفترة من أبريل 2014م وحتى مارس 2022م.
ومن ضمن الضحايا الذين أحصاهم التقرير 13 قتيلاً جميعهم أطفال- عدا شخص عشريني- و79 مصاباً بينهم 46 طفلًا و17 امرأة ورجلين مسنين بسبب انفجار معمل تصنيع متفجرات تابع للحوثيين في شارع الأربعين بأمانة العاصمة صنعاء بتاريخ 7 أبريل 2019.
وهذه هي أوّل حادثة يتم التحقيق فيها وتوثيق ضحاياها وتحميل الحوثيين مباشرة المسؤولية عنها، فعادة ما ينفون صلتهم بأي حادثة انفجار مماثلة ويسارعون لتحميل ما يسمّونه “العدوان” المسؤولية عنها. رغم الاتهامات التي تشير إليهم دائماً باستخدام الأحياء السكنية كمخازن وورش لصناعة المتفجّرات.