أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلات

مهمة استعادة ثقة اليمنيين.. أربع أولويات وتحديات أمام مجلس القيادة الرئاسي (تحليل خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ خاص:  

مضى أسبوع على إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي يقوده السياسي المخضرم رشاد العليمي، والذي جاء في خضم حرب مستمرة منذ سبع سنوات، وتآكل شرعية الحكومة المعترف بها دولياً، وأزمات أمنية واقتصادية وسياسية.

ويوم الجمعة، اجتمع مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، لبحث الاتجاهات العامة لخطة عمله للفترة القادمة، وآليات ترجمة المسؤوليات المناطة به وفق قرار التشكيل إلى خطط عملية تنفيذية.

وفيما رحبت معظم الأطراف اليمنية والمجتمع الدولي بإعلان المجلس الرئاسي؛ إلا أن الحوثيين رفضوا التعامل معه، ونددوا بهذا المجلس الذي من بين أعضائه الثمانية قادة عسكريون يواجهونهم في الميدان.

ورفع إعلان المجلس الرئاسي آمال اليمنيين في تحقيق تقارب مع الحوثيين، للوصول إلى سلام عادل وشامل، خاصة أنه جاء بعد إعلان هدنة تحت رعاية الأمم المتحدة تستمر شهرين وبدأت في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، وهي الأولى منذ 2016م.

ورغم تبادل الاتهامات بحدوث خروقات مستمرة لهذه الهدنة إلا أنها تعتبر صامدة. وتشير المصادر إلى أن الحوثيين يستغلون الهدنة لتعزيز مواقعهم وبناء متارس وخنادق جديدة في جبهات القتال خاصة في محافظة مأرب. وتشمل الهُدنة فتح مطار صنعاء المغلق منذ 2016م، والسماح بالرحلات التجارية عبر المطار، وهو ما رفع من آمال اليمنيين بالوصول إلى نهاية للحرب.

وأمام المجلس الرئاسي مجموعة من الأولويات المُلحة والمهمة التي يجب أن تقوم بها، من بينها إجراءات دستورية وأخرى متعلقة بالمجتمع وإنهاء الحرب.

 

أولاً: المشكلة الاقتصادية ودفع رواتب الموظفين

تعتبر الأزمة الاقتصادية أهم أولوية أمام المجلس الرئاسي، والتي من بينها دفع رواتب الموظفين اليمنيين في مناطق الحوثيين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ سنوات. ورفض الحوثيون دفع رواتب الموظفين منذ نقل المركز الرئيس للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في 2016م. على الرغم من أنهم يتلقون أكثر من ملياري دولار كإيرادات من الجمارك والضرائب؛ في وقت يعاني الاقتصاد من وضع سيئ للغاية، بما في ذلك انهيار قيمة العملة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً وحلفائها.

وقال صيارفة يوم الجمعة لـ”يمن مونيتور” إن الريال اليمني تحسن مع إعلان السعودية والإمارات عن منحة للبنك بقيمة ثلاثة مليارات دولار عقب إعلان المجلس الرئاسي. لكن عادت قيمة الريال إلى انخفاض جديد، وبلغ يوم الجمعة قيمة الدولار 943 للشراء و975 ريالاً للبيع مع وقف الصيارفة عمليات البيع.

يفترض بالمجلس الرئاسي أن يقوم بشكل عاجل باستكمال إجراءات الحصول على المنحة الإماراتية- السعودية، وإيجاد مصارف جيدة لها واستثمارها، بما يضمن عدم تكرار الإخفاقات في الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار والتي انتهت العام الماضي.

خسر الاقتصاد اليمني أكثر من 120 مليار دولار بسبب الحرب. ومهمة استعادة خسائر الاقتصاد مؤجلة في الوقت الحالي؛ إذ أنه خلال الأشهر المقبلة يحتاج المجلس الرئاسي للبدء في إعادة الإعمار وتعويض الضحايا في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا وحلفائها، وتطمين رؤوس الأموال ولا يتم ذلك إلا بفرض الأمن والاستقرار في المناطق المحررة.

ولأن المجلس الرئاسي لا يمتلك شرعية انتخابية للوصول إلى السلطة؛ بإمكانه الحصول على مشروعية الاستمرار بالقيام بواجبات السلطة، لكسب مشروعية الناس وتحقيق آمالهم. إن تخييب آمال اليمنيين سيؤثر بشكل كبير على المجلس الرئاسي وأدائه.

يشير إعلان مجلس القيادة الرئاسي إلى وجود لجنة اقتصادية برئاسة “حسام الشرجبي” وعضوية 14 آخرين، ستكون مهمتهم “دعم الإصلاحات الحكومية وتقديم النصح والمشورة للحكومة والبنك المركزي فيما يخص الإصلاحات العاجلة في المجالات الاقتصادية والتنموية والمالية والنقدية”.

 

ثانياً: العودة إلى عدن وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية

يحتاج المجلس الرئاسي إلى تحقيق آمال المواطنين بسرعة ودون تلكؤ من داخل الأراضي اليمنية، وعودة المؤسسات الأخرى مثل مجلس النواب إلى داخل البلاد باعتبار البرلمان منتخباً من اليمنيين على الرغم من المُدة الطويلة التي بقيَ فيها دون انتخابات منذ قرابة عشرين عاماً.

إن عودة المجلس الرئاسي إلى عدن مهم للغاية للحصول على المشروعية الشعبية وتنفيذ الخطط اللازمة في هذه المرحلة الحساسة. كما أن وجوده يعني تطبيع الأوضاع وإنهاء الانقسام مع تمثيل جميع الأطراف في المجلس الرئاسي.

خلال لقاء جمع عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات -ويدير عدن- بالصحافيين الأسبوع الماضي قال: إن المجلس الرئاسي سيقوم بممارسة مهامه من عدن ولا يمكن أن تكون ممارسته من المكلا -عاصمة حضرموت- حتى نؤكد واحدية المجلس ولا نترك مجالاً للحوثيين للتشكيك بالجهود.

يشير الزُبيدي في ذلك اللقاء-حسب صحافي حضر الاجتماع وتحدث لـ”يمن مونيتور”- إلى أن المجلس الرئاسي سيؤدي اليمين الدستورية أمام البرلمان في عدن، وهي خطوة لم تحدث من قبل. اجتمع البرلمان مرة واحدة في سيئون قبل أعوام ولم يتكرر ذلك.

ولا بديل عن الأراضي اليمنية من أجل أداء اليمين الدستورية. هناك طرح أن يكون أداء اليمين في السفارة اليمنية بالرياض باعتبارها أرضاً يمنية، لكن ذلك سيفقد المجلس الرئاسي المشروعية الشعبية التي يبحث عنها، ويزيد الأصوات التي تعتبر تشكيل المجلس الرئاسي غير دستوري.

يوم الخميس والجمعة قال مراسل “يمن مونيتور” إن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي انتشرت في معظم الأحياء وعززت من وجودها الأمني فيما يبدو استعداداً لاستقبال المجلس الرئاسي.

مع ذلك يبدو أن من الأهمية بمكان دمج الوحدات العسكرية والأمنية في وزارتي الداخلية والدفاع اليمنيتين، لتكون قوة واحدة.

قال مصدر بوزارة الداخلية اليمنية لـ”يمن مونيتور” إن هناك جهوداً ما زالت ضعيفة لتأسيس غرفة عمليات واحدة تجمع جميع الأطراف قبل البدء بمسألة الدمج التي ستحتاج وقتاً ومالاً وجهداً كبيراً خلال الأسابيع والأشهر القادمة.

ظل كل طرف يملك غرفة عمليات خاصة به منذ 2018م وهو أمر ساهم في عدم الاستقرار في تلك المحافظات، حسب ما أفاد المصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته. والأمر ذاته بالنسبة للقوات العسكرية.

يمنح إعلان المجلس الرئاسي مهمة “تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية”.

يحتاج المجلس الرئاسي للحصول على المشروعية الشعبية ولن يحصل عليها إلا من خلال القيام بدفع حقوق المواطنين

ثالثاً: المعركة والتفاوض مع الحوثيين

رفض الحوثيون المجلس الرئاسي اليمني، واعتبروه فقداناً للشرعية التي دائماً ما كافحت الحكومة المعترف بها دوليا وحلفاؤها. لكن في الوقت ذاته يرى الحوثيون أن المجلس الرئاسي هو مجلس حرب ضد الجماعة -حسب ما أفاد قيادي في الجماعة في العاصمة صنعاء تحدث لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام.

في الواقع يحدد قرار تعيين المجلس الرئاسي نهجه التفاوضي مع الحوثيين. وشدد بيان مجلس الأمن في ترحيبه بالمجلس الرئاسي ودعوته للتفاوض مع الحوثيين.

تمكن الحوثيون من تحقيق تقدم في محافظات البيضاء وشبوة ومأرب خلال العامين الأخيرين بفضل تفكك المعسكر المناهض لهم، لكن الأمر تغيّر مطلع العام الماضي عندما شاركت قوات العمالقة المدعومة من الإمارات في المعارك بمحافظة شبوة ومأرب. وخلال أسابيع خسر الحوثيون مساحات شاسعة وإستراتيجية من المناطق التي سيطروا عليها خلال العام الماضي وتم تأمين مدينة مأرب.

ويمثل قوات العمالقة في المجلس الرئاسي “أبو زرعة المحرمي” قائد تلك القوات، كما يوجد في المجلس سلطان العرادة محافظ مأرب، وطارق صالح قائد “حراس الجمهورية” غربي تعز وجنوبي الحديدة.

وجود هذه الأسماء وتوحيد المعسكر المناهض للحوثيين قد يدفع الجماعة المسلحة إلى التفاوض، لأنها استخدمت خلافاتهم وتفككهم لصالح بقائها وتمددها، وما كانت لتفعل دون ذلك.

لكن في الوقت ذاته فإن منح الحوثيين صكوكاً تضمن سيطرتهم على الثلث المعطَّل في أي مرحلة انتقالية قادمة، وتمنحهم حق الاحتفاظ بالسلاح الثقيل سيئ ومؤثر بشكل كبير على رؤيتهم للتفاوض.

وقال محمد آل جابر السفير السعودي لدى اليمن في لقاء مع الصحافيين في الرياض عقب تشكيل المجلس الرئاسي -حسب صحافي حضر الاجتماع تحدث لـ”يمن مونيتور”- إن الحل في اليمن يتمثل في “احتكار الدولة للسلاح الثقيل، وعدالة انتقالية واستعادة مؤسسات الدولة، وضمان بقاء العمل السياسي”.

يبدو المجلس مُصِّمماً على أساس التفاوض مع الحوثيين، ووصف الإعلان الدستوري الحوثيين بـ”أنصار الله” وهو الأول في قرار رئاسي منذ 2014م. وسيكون الحوثيون أمام خيارين؛ إما البقاء خارج القانون ضد الاجماع اليمني أو التفاوض مع المجلس لإنهاء الحرب؟ وإذا رفض الحوثيون ذلك سيعانون من نبذ أوسع من المجتمع الدولي. وقد يدفع دول مجلس التعاون إلى شن حرب أكبر ضد الحوثيين.

وقال الزُبيدي في تلك الجلسة إنه في حال رفض الحوثيون التفاوض ستتحرك القوات لتحرير باقي المناطق.

يحتاج المجلس الرئاسي إلى وضع تعز في مقدمة القضايا المطروحة أمام الحوثيين، وفك الطرقات التي توقفت بسبب الحرب بما في ذلك طريق الضالع/صنعاء. تخضع تعز لحصار من الحوثيين منذ 2016 وفشلت جهود الأمم المتحدة والتحركات المحلية في فك الحصار المفروض عليها، وتسبب في معاناة لا حصر لها للمواطنين. الأمر ذاته في طريق الضالع/صنعاء/عدن الذي لا يوجد مبرر لاستمرار إغلاقه، على الرغم من نجاح مفاوضات محلية سابقة لإنهاء معاناة المسافرين والبضائع القادمة من ميناء عدن جنوبي البلاد.

رابعاً: المحافظة على بقاء وحدة المجلس

يتكون مجلس القيادة الرئاسي من عدة أطراف، تملك أهدافاً متداخلة يمنية وإقليمية، وبقاؤها متوحدة يبدو صعباً للغاية؛ وهو أمر يعوّل عليه الحوثيون في أن تعود الخلافات بينهما. إن بقاء توحد تلك الأطراف والمضي قدماً في توحيد القوات والتحرك بشأن الاقتصاد يدفع الحوثيين للتفاوض.

يملك المجلس هيئة من خمسين عضواً للمصالحة والحوار داخل الأطراف التي تشكلها المجلس الرئاسي، أعضاؤها -حسب الأسماء- من كل الأطراف، ومعظمهم يملكون قدرة على إزالة الخلافات وبناء سياسة موحدة لمعالجة حدوث الخلافات. هذه الهيئة ليست بديلاً عن مجلسي النواب والشورى، إذ يشير الإعلان الدستوري للمجلس إلى استمرار مجلسي النواب والشورى في مهامهما.

إن بقاء وحدة المجلس -بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن- هو إعلان ضمني بالانتقال إلى الدولة الاتحادية، وتحقيق مشروعية من المجتمع وهو أمر صعب العثور عليه مع فقدان اليمنيين الثقة بالدولة ومؤسساتها خلال سنوات الحرب السبع.

 

مهمة استعادة الثقة

إن مهمة المجلس الرئاسي هي استعادة ثقة المواطنين اليمنيين بمؤسسات الدولة، ولن يتحقق ذلك دون دعم من دول مجلس التعاون الخليجي -بلا استثناء بما في ذلك سلطنة عمان وقطر-. كما يحتاج إلى دعم المجتمع السياسي اليمني بما في ذلك الأحزاب، وتأجيل خلافاتها -خاصة الخلافات التي تتوسع بين قيادات حزب المؤتمر- إلى صناديق الاقتراع الذي يفترض أن يكون المجلس الرئاسي قادراً على تكرار تأكيده الذي لا يخالطه شك أن تشكيله يمثل استعادة للديمقراطية اليمنية وبقاء البلاد موحداً؛ لا تأسيس شكل مغاير من السيطرة على السلطة في البلاد ينقلب على مكتسبات اليمنيين.

يبدو المجلس سياسياً في ظاهره، لكنه اقتصادي واجتماعي وتوحيد لجبهة القتال ضد الحوثيين، واستعادة بناء مؤسسات الدولة، وفشله في تحقيق ذلك سيؤدي إلى تفكيك اليمن وتدميره ودخوله في مجموعة من الحروب الصغيرة المخيفة والدائمة.

كما أنه مجلس أمن قومي لليمن، وخط متقدم للدفاع عن الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية ضد تغوّل السياسات والأطماع الأجنبية الإقليمية وفي مقدمتها إيران، ودولياً في ظل حالة التجاذب والانقسام الحاصل في السياسة الدولية.

إن مهمة المجلس الرئاسي هي استعادة ثقة اليمنيين بالنخبة التي خذلته مراراً وتكراراً خلال العقد الماضي. كما أن مهمة مجلس التعاون الخليجي هي استعادة ثقة اليمنيين بالجوار الجغرافي بدلاً من اعتبارها دولاً تخذل معاركه الوطنية أو لها أطماع وأهداف محلية. وإذا ما فشلت في استعادة هذه الثقة فمستقبل متوتر في شبه الجزيرة العربية في عالم متغيّر سيؤدي إلى متغيّرات متعددة تخذل أمن هذه المنطقة القومي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى