كتابات خاصة

طفل وميزان!

غادة العبسي

كان يوماً عادياً حتى اضطررت لعبور الجسر المقابل لمطاعم الخطيب في شارع الستين، كان الجسر خالياً من كل شيء إلا طفل يجلس مع ميزانه مستندا على دربزين الجسر، لم يقل شيئاً، فقط نظر إليّ بعينين مثقلتين، لم أستطع تجاوزهما، وضعت حقيبتي جانباً وسألته: أتستطيع قراءة الميزان لو أنا استخدمته؟

كانت الكتابة بالنسبة لي جنة أدخلها كلما اشتهيت الرقي لمدارك الملائكية، لم يعد الأمر كما كان يا أصدقائي، لقد صارت الكتابة أشبه بوجبة عذاب لا تسمن ولا تغني من بوح.
ما الذي حدث؟ لم أعد أنا هي، ولا الحلم هو الحلم، ولا شيء كما كان، تشرق الشمس فننتظر غروبها، وتغرب فننتظر شروقها!
هكذا احال أنصار أي شيء إلا الله والحب والحياة والتفاؤل، حياتنا إلى كومة انتظارات نحرقها بأعواد شوقنا للحياة الطبيعية التي تعيشها كل مخلوقات الله..
كان يوماً عادياً حتى اضطررت لعبور الجسر المقابل لمطاعم الخطيب في شارع الستين، كان الجسر خالياً من كل شيء إلا طفل يجلس مع ميزانه مستندا على دربزين الجسر، لم يقل شيئاً، فقط نظر إليّ بعينين مثقلتين، لم أستطع تجاوزهما، وضعت حقيبتي جانباً وسألته: أتستطيع قراءة الميزان لو أنا استخدمته؟
رد باسما: نعم.
سألته كم تأخذ مقابل؟
كم ما معك يا أستاذة.
كانت شفتيه شاحبه ومتشققة كأنه لم يشرب الماء منذ الصباح، إحدى عينيه تعاني من احمرار مع تورم، رد عن سؤال عن سبب ذلك: قد لها من زمان بس الآن ما أقدر اشوف فيها تمام.
– كم تكسب في اليوم؟
– 200 أو 250 ريالاً.
– وأيش تفعل بها؟
– أشتري بها غداء أو عشاء.
– كم عمرك؟
– سبع سنين.
– تروح المدرسة؟
– لا.
– ليش؟
– رحت المدرسة ومارضوش يدرسوني، لما يكون معانا فلوس ادرس، الله يلعنهم.
أقسم أني تمنيت أن تخفيني الأرض في رحمها حتى الأبد ويوم أيضا، من منكم جرب طعم ألم العجز وهو يقف في مواجهة أحلام طفل يغتالها الواقع.
بقيت إلى جواره صامتة فقط اتأمل شحوبة، عينه المحمرة المتورمة، شفتيه المتشققة، أبقى عينيه منخفضة، وحين شعر أني أطلت النظر إليه، رفع عينيه كأني قرأت في فيهما عتاباً، أو كأنه أخبرني كم تبدو أوزانكم خفيفة وتافهة على ميزاني، كما هي أوزانكم في تغيير واقعي ورفع معاناتي، أو ربما صرخ في داخله يكفي، قبلت رأسه وكأي عاجز انسحبت من حياته بهدوء وذهبت!!
هذا هو حال الطفولة في اليمن، من يتحدثون من بروج عاجية عن حقوق الطفل؛ الطفولة في اليمن ترزح تحت وطأة حرب إبادة جسدية وفكرية وثقافية وتعليمية ووجودية تمارسها جماعة الحوثي الارهابية ضد وطن بكل مكوناته، وأهم مكوناته وهي الطفولة.
ألن يأن الأون أن تنتهي هذه الحرب ويعود أنصار السيد إلى حيودهم وكهوفهم؟
ماذا عن التحالف الذي على ما يبدو، بدأ يتلذذ بلعبة الدم اليمني؟
ماذا عن الحكومة المغتربة التي ألفت الغربة والتسكع في زقاق بلدان الغربة؟
ماذا عن الحقوقيين الذين يمارسون الزيف والتظليل ويتجارون بقضايا الناس وأوجاعهم؟
ماذا عنا؟
ماذا عن المستقبل؟
هل من مجيب؟
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى