بغض النظر عن الإجراءات غير القانونية التي رافقت عملية نقل السلطة في اليمن، سيكون على السعودية ترجمة التحوّل الذي حصل على أرض الواقع، وعدم الاكتفاء فقط بمكسب لحظي يتمثل بالإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر.
بالنسبة لغالبية اليمنيين ربما، لا أحد يأسف للطريقة التي رحل فيها هادي. الرجل هو من حكم على نفسه بهذا المصير عندما ترك ثلاثين مليون نسمة فريسة لتجار الحروب، ولم يكن هناك من حل لحالة الغيبوبة التي كان يعيشها منذ سبع سنوات، سوى هذه الطريقة.
نجحت السعودية في الإطاحة برأس هرم الرئاسة اليمنية، وحشد الدعم الدولي لمجلس القيادة الرئاسي، والإعلان عن تقديم 3 مليارات دولار كوديعة ومساعدات بالشراكة مع الإمارات، لكن على الأرض لم يتحقق شيء بعد.
الآن، وبما أن الحكم في اليمن قد انتقل من شخص إلى ثمانية يشكلون قوام مجلس القيادة، يتطلع اليمنيون إلى مستقبل مختلف، وصفحة مغايرة لا تظهر فيها السعودية كما قال المثل الشعبي “جاء يكحلها عماها”.
التحديات صعبة والتركة ثقيلة أمام مجلس القيادة. الصور الآتية من فندق الريتز كارلتون بالرياض، والتي تُظهر قيادات يمنية كانت متباينة في السابق وهي تتصافح وتتبادل الابتسامات، ليست معياراً لنجاح مجلس القيادة. الميدان هو المحك الحقيقي لنجاح التجربة.
أن يتصافح طارق صالح مع علي محسن الأحمر ومحمد المقدشي، أو عيدروس الزُبيدي مع الشيخ حميد الأحمر وقادة شماليين، فذلك آخر اهتمامات اليمنيين التواقين لعصر جديد تعود فيه الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وطرقات وصحة، وأن يتم تدشين إصلاحات اقتصادية عاجلة، وتُطلق مرتبات موظفي الدولة المخفية قسراً منذ ست سنوات.
التحدي الحقيقي أمام السعودية يكمن في إعادة الثقة التي ما زالت معدومة بين أعضاء مجلس القيادة، حتى وإن حاولت الصور الإيحاء بأن الحياة قد أصبحت وردية.
التجانس المفقود بين الأصدقاء الأعداء لن يتولّد في ليلة وضحاها، خصوصاً أن غالبية أعضاء المجلس فوجئوا بوجودهم في التشكيلة السعودية الإماراتية في اللحظات الأخيرة.
عندما يعود مجلس القيادة بكامل قوامه إلى عدن، ويؤدي الرئيس والأعضاء، بلا استثناء، اليمين الدستورية، كممثلين لليمن الواحد ويتعهدون بالمحافظة على مصالح الشعب ووحدة أراضيه، وكذلك البرلمان والحكومة، ساعتها يمكن الحديث عن تغيير ملموس.
أما إذا كان المجلس الرئاسي سيمارس مهامه هو الآخر من المنفى، وسيقود أعضاءه حكم البلاد عبر تطبيق “واتساب” وحسابات موقع “تويتر”، كما كان يفعل سلفه، فسيكون الجبل قد تمخض فأراً، أو لم يلد إطلاقاً.
احترام الموقع يأتي في صدارة التحديات أيضاً. مثلاً، على نائب رئيس مجلس القيادة عيدروس الزُبيدي أن يدرك أن تدفق مسؤولي الدولة إلى جناحه الخاص في فندق “الريتز”، جاء بسبب أنه أصبح بمثابة نائب لرئيس اليمن، وأن وزير الداخلية إبراهيم حيدان لم يؤد التحية العسكرية له باعتباره رئيساً للمجلس الانتقالي الجنوبي، كما يتم تصوير ذلك في الأخبار المنشورة بموقع المجلس الانتقالي.
والأهم من ذلك كله، هو ملف عملية السلام. منذ الوهلة الأولى لتشكيل المجلس الرئاسي، ظهر الاستعجال السعودي في الدفع نحو عملية سلام مع الحوثيين، والإعلان في ختام مشاورات الرياض عن فشل الخيار العسكري، ثم التصريحات الأولى لرئيس المجلس رشاد العليمي بأن مجلس القيادة “مجلس سلام لا حرب”.
الإصرار الغريب على طرق باب السلام قبل أن يلتئم المجلس الرئاسي على أرض الوطن وتوزيع المهام بين أعضائه، لا يمكن تفسيره سوى بأنه خطأ استراتيجي من العيار الثقيل، وبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى وقف الحرب، يبدو أنه سيعقّد جهود الأمم المتحدة ويعرّض الهدنة القائمة حالياً للانهيار.
بشكل فوري، رفع الحوثيون من سقف مطالبهم، وبعد أن كان الملف الإنساني في نظرهم يتمثل في رفع الحظر عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، أضافوا مطالب إنسانية جديدة، وهي توفير الكهرباء وصرف مرتبات كافة موظفي الدولة من البنك المركزي في عدن، وهذه حقوق أساسية بالطبع ستأتي تباعاً عندما تتوقف الحرب.
حمائم السلام في قاموس الحوثيين لا تعريف لها سوى الهزيمة والاستسلام، ولو أن السعودية استثمرت تحالف القوة الضارب من ألوية عمالقة ومجلس انتقالي وقوات طارق صالح، وفوق هذا الجيش اليمني، في إيصال رسائل لمرحلة عنوانها إنهاء الانقلاب، ساعتها كان الأمر سيبدو مختلفاً.
الحوثي يعرف جيداً أن الحديد لا يقطعه إلا الحديد، وله في شبوة عبرة، مطلع العام الحالي.
نقلاً عن صحيفة “العربي الجديد”.