تقتضي الأمانة أن نقول إن الرئيس “عبدربه منصور هادي” كان رئيساً منزوع الصلاحيات منذ يومه الأول، وحين كان نائباً لـ”صالح”، كانت أدواره هامشية، وتقتصر على حضور شكلي في المناسبات الرسمية، أو افتتاح المشاريع.
حين ضيقت “الثورة” الخناق على “صالح” لجأ لنائبه، وسلّمه “خرقة” بها ثلاثة ألوان، وسمّى ذلك “نقل صلاحيات”.. وراح الأخير يسخر من الرئيس “النائب”، ويشرح لأنصاره تركيبة شخصية هادي، وعجزه عن إدارة البلاد، ساخراً منه بأنه عبارة عن “بضاعة عفّاش”!
القوى السياسية والجماعات الاخرى رحبت بمجيء هادي، فهي تعتقد أنه “الجدار القصير” الذي يمكن أن تقفز عليه صوب مصالحها، وتالياً أدخلت هذه المغامرات غير المحسوبة البلاد في متاهة، ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
يوم أن غزا الحوثيون العاصمة صنعاء بتواطؤ محلي واقليمي من أجل حسابات ضيقة، تركت ألوية الجيش هادياً مكشوف الظهر، ورأيت بعينيّ كيف غادر الكثير من عناصر حراسته مقر اقامته، وسمعت أحدهم يقول إن “أوامر عليا” صدرت بترك الرجل يواجه مصيراً مجهولاً. من أصدر تلك الأوامر هي قيادة الجيش الذي عصفت به الخلافات السياسية، ونخرته من داخله عناصر محسوبة على الجماعة الحوثية، وأجهزت عليه نقاشات موفنبيك.
تدخّل التحالف العربي من أجل هدف كبير أدى إلى طمأنة اليمنيين وهو “استعادة الشرعية” من فكّ المليشيا الحوثية، لكن التحالف نفسه راح يقوّض هذه الشرعية، ويدقّ في نعشاها آخر المسامير، فمنعَ الرئيس من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، ودعم أطراف وجماعات مسلحة تناصب الرئيس العداء.. ودخل الرجل مرحلة كسر عظم مع بعض أطراف هذا التحالف، حتى تمت الإطاحة به الليلة الماضية!
لا يمكن التكهّن بنجاح مجلس القيادة الرئاسي، ففيه رجال مخلصون ومناضلون، وآخرون كانوا ضمن العراقيل التي وقفت في وجه تمكين الشرعية، وخليط ثالث لديه أطماع استعادة إرث الماضي.. لكن علينا ألا نسبق الأحداث، ولكل حادث حديث.