«الشِّغار» في زمن الحرب.. زيجات رائجة تحمل شروط الدمار الأسري في اليمن
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هبة التُّبَّعي
لا يزال زواج “الشغار” (البدل) حاضراً كظاهرة اجتماعية رائجة خاصة في الأرياف اليمنية، بل إن حظوظه زادت في السنوات الأخيرة، مدفوعة بتدهور الأوضاع المعيشية إضافة إلى موروث اجتماعي وثقافي متداخل، رغم تبعاته الاجتماعية والنفسية الوخيمة التي تبقي مصير الزيجتين مرتبطتين ببعضهما نجاحاً أو فشلاً غالباً..
ويُمثل زواج الشِّغار أو البدل بأن يزوج الرجل إبنتهُ أو أخته لرجل آخر على أن يتزوج هو أو ابنه أخت ذلك الرجل أو أخته، ويقوم ذلك على الاتفاق بين الطرفين على عدم دفع المهر أو الصّداق، ما يجعل استمرار أو نجاح إحدى الزيجتين مقيدة بالأخرى، من باب المكابرة.. والمعاملة بالمثل.
مقامرة “الشِّغار“
كثيراً ما ينتهي زواج الشِّغار بالطلاق في إحدى الحالتين، لكنها في الوقت ذاته غالباً ما تجني قسراً على الحالة الأخرى حتى وإن لم يكن هناك من داعٍ أو رغبة لذلك بين الزوجين أو سبب، سوى مقامرة إحدى الأسرتين، أو كليهما أحياناً بمصير الزيجتين معاً، نجاحاً أو فشلاً، دون مراعاة الأضرار النفسية والاجتماعية المترتبة على ذلك..
ورغم ذلك لايزال الزواج رائجاً رغم كثرة التجارب المريرة التي لا يتعظ لها الناس وفي ظل قصور قانوني يضع حداً لهذا النوع المدمر للأسر.
يقول محمد حسن المراني لـ«يمن مونيتور» إنه تزوج شغاراً بناءً على طلب والده تخلصاً من أعباء المهر، لكن أهله أجبروه على طلاق زوجته رغم انسجامهما وخلو حياتهما من المشاكل المباشرة بعدما انتهى زواج شقيقته بالطلاق لغياب التفاهم بينهما.
يضيف المراني الذي ينحدر من منطقة “بني سلامة” بمحافظة ذمار بأن أهله أبلغوه “كما عادت ابنتنا مُطلقة يجب أن تعود بنتهم مطلقة”!.. ويتنهد بحسرة: “هكذا أصبحنا أنا وزوجتي ضحية لهذا الزواج المجحف”.
وفي مديرية “المسراخ” جنوب مدينة تعز، تزوجت “والية محمد سلطان” من “علي حسن عبدالله” شِغارًا. وفي المقابل تزوج أخاها “سلطان” من “نور حسن” دون دفع مهر أو صداق شرعي لكليهما، كما يحكي أحد أقارب “والية”.
ويعزز زواج الشِّغار شعور المرأة بأنها عبارة عن “سلعة” تُباع وتشترى،
ريم العبسي- اخصائية نفسية
بعد عامين، ورغم الانسجام الذي صبغ حياة الزوج (والية وعلي) إلا أنه نهايته كانت محسومة بفشل علاقة الزيجة الأخرى لـ (سلطان ونور).. وإضافة لانهيار زيجتين؛ ورث زواج البدل الفاشل مشاكل أخرى تعاني منها الأسرتان إلى الآن.. ويسعى المصلحون لاستمرار زيجة (علي – والية) من خلال الصلح بإتمام إجراءات زواج جديدة بمهر وعقد جديدين.
ولا يقتصر الأمر على هذه الحالة في منطقة “المسراخ”، إذ أبلغ الأهالي المُحرِّرة أن زواج البدل ينتشر هناك بشكل لافت، واطلعت المحررة على قصص أخرى مشابهة.
أضرار اجتماعية.. ونفسية
وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور محمود البكار لـ”يمن مونيور” إن زواج الشِّغار له أثار سلبية متفاقمة على المرأة والأسرة والمجتمع لأنه يقوم على أساس المقايضة، أي استبدال إمرأة بإمرأة أخرى دون دفع المهر المستحق شرعًا للزوجة.
ويضيف البكاري بأن ذلك يجعل مصير كل زيجة مرهونا بمصير الأخرى سلباً أو إيجابا وعادة ما تؤدي الخلافات إلى الطلاق لينتج عن هذا التفكك الأسري تشرد الأطفال واستفحال المشاكل بين الأسر.
ويعزز زواج الشِّغار شعور المرأة بأنها عبارة عن “سلعة” تُباع وتشترى، بحسب الإخصائية النفسية ريم العبسي.
وقالت العبسي لـ «يمن مونيور» إن مثل هذه الزيجات تعمق الشعور لدى المرأة ويجعلها أكثر جهلًا بحقوقها وأكثر عدوانية مع زوجها وأقل تقبلًا له، كما قد يجعلها أكثر تقبلا لأنواع العنف الأخرى التي قد تفرض عليها مع الوقت وفي مختلف الظروف.
“وقد يترتب عليه ضعف ثقة الزوجة بذاتها واستقلالها وتربية أولادها على الضعف والخوف والكثير من السلوكيات والقيم السلبية لتصبح المرأة أكثر اتكالية على غيرها وعاجزة عن اتخاذ أي قرارات حتى على المستوى البسيط، كما قد تدخل بدائرة الحزن والإكتئاب وقد يتم إستغلالها وتدميرها عاطفيًا بسهولة” أضافت العبسي.
وتؤكد العبسي على ضرورة تربية المرأة وتعزيز شعور القوة لديها وأن تجعلها على الدوام أكثر وعيًا وإدراكًا لحقوقها ودعمها في معظم القرارات التي تعاصرها لضمان إعداد جيل فعال ومنجز.
مُحرَّم شرعاً..
يؤكد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة تعز عبدالعزيز العسالي أن زواج الشِّغار محرم في الإسلام بنص الحديث ” لا شِغار في الإسلام” وهو ما يحتم ضرورة اجتنابه.
ويعزو التحريم إلى ما في هذا النوع من الزواج من ظلم للمرأة وإضاعة حقها في المهر ناهيك عن الأثار السلبية المترتبة على الأسرة ودورها في أثر الصراع بين الأسرتين أو إحداهن قبل أن تنتقل للأخرى.
ويشدد العسالي في حال حدوث زواج مقارب لهذه الصيغة دون أن يكون بالضرورة شغاراً، على ضرورة استقلالية الزيجات ورضا المرأتين وأخذهما مهراً مستحقاً لكل منهما، مع ضمان عدم ارتباط أي مشاكل زوجية بالأخرى، وأن لا تنساق الزوجتان وراء مكابرة ” اعطني مثلما أُعطيت أختك”.
القانون اليمني لم يورد نصاً يحظر بشكل صريح زواج الشِغار،
عبدالعالم عقلان-قاض ومحام
قصور قانوني
ولا توجد إحصائيات رسمية أو شبة رسمية لهذا النوع من الزواج، إذ غالباً ما تدون العقود كزواج طبيعي مستقل، لكن الواقع والتقليد الاجتماعي يفرض أحكامه..
وبحسب عضو المكتب الفني في المحكمة العليا الدكتور عبدالعالم عقلان فإن قضايا الفسخ والطلاق في خلاف الزيحات من هذا النوع تصل المحاكم بشكل دائم نتيجة المشاكل وخلافات الأسر.
وقال عقلان لـ «يمن مونيور» بأن القانون اليمني لم يورد نصاً يحظر بشكل صريح زواج الشِغار، لكنه يُلزم بتسمية المهر وتسجيله أثناء العقد وفق الفقرة الأولى من المادة (33) من قانون الأحوال الشخصية رقم (20) لعام 1992 وتعديلاته.
ويضيف “تتجاوز الكثير من الأسر اليمنية في زواج الشِّغار الاشتراط القانوني بتسمية مهر وهمي في ورقة العقد مما يجنبهم الوقوع تحت الطائلة القانونية.
ويمنح القانون اليمني المرأة في المادة (39) من ذات القانون حق الامتناع عن الدخول إلى زوجها قبل أن يسمي لها مهرًا او يسلم لها مالم يؤجل منه.
لكن المرأة اليمنية، والحديث مستمر لعقلان، “تعجز عن اتخاذ مثل هذا القرار كونها تعيش وسط مجتمع ذكوري يرفض أي إرادة حرة لها، فضلا عن الأمية وغياب الوعي القانوني لدى معظم النساء”.
ويؤكد الدكتور عقلان، وهو أيضاً أكاديمي في جامعة، على ضرورة تضمين القانون إياه مواداً إضافية تمنع هذا النوع من الزواج أو التحايل عليه، وتتضمن عقوبات صريحة بحق المخالفين، مشدداً على ضرورة تشديد الرقابة على ذلك خصوصا في الأرياف وتشرف على وضع مبلغ زهيد بصفته مهرا يجنب مشكلة غلاء المهور الذي يشجع انتشار زواج الشغار.
كما ويرى أنه من الأهمية إضافة نص قانوني يضع ضوابط صارمة تمنع الطلاق كإجراء مماثل ضداً على إرادة الزجين، لانفصال الزواج الآخر وفرض غرامات مالية بحق من يقوم بذلك.
وإضافة لما ذكره عقلان، يتوجب أن يحظى الأمر باهتمام بالمنظمات والهيئات المعنية بالمرأة والطفل وحماية الأسرة تبني برامج توعوية مستديمة لتعزيز الرفض الاجتماعي لهذا النوع من الزواج الجائر خصوصا في الأرياف المعزولة من البلاد.