عدن وقادة من طراز عفن
يقال إن أول مدينة عرفت الحضارة والتمدن في الجزيرة العربية هي عدن، نشأت منذ آلاف السنين، وذاع صيتها في كتب التاريخ منذ خمسة آلاف عام.
كان موقعها الجغرافي الهام محط أنظار الطامعين، للسيطرة عليها والاستفادة من مزاياها، وهذا ما عرضها لغزو عدد من الدول والممالك الاستعمارية.
منذ أن أشيع انها تحررت، تعرضت لغزو العصبية والتخلف والجهل المحيط بها.
وبين غزوا المستعمر الذي استفاد من مزاياها، واستثمر موقعها الجغرافي، وغزو المحيط الذي دمر تلك المزايا، تعيش عدن اليوم أسوأ حالاتها في مراحل التاريخ المختلفة، واعادوها لما قبل الحضارة والتمدن.
القائمين عليها اليوم ليسوا في مستواها كمدينة حضرية، كما يقال جوهرة بيد فحام.
ما حدث لسفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة، الممثلة العالمية انجلينا جولي، من انتهاك صارخ لخصوصيتها، من قبل القائمين على مطار عدن، مسيء لعدن وتاريخها وحضارتها، نحتاج لسنوات، حتى نتجاوز هذه الإساءة.
وأبناء هذه المدينة يتعرضون يوميا لأسوأ أشكال الإساءة والانتهاكات الصارخة، لحقهم في الحياة بكرامة واحترام.
في عهد قادة من طراز عفن تصحوا في عدن، على مداهمات عسكر للحي او الشارع الذي تسكنه، وتتعرض للتهديد ببندقية عسكري، لمجرد خروجك من باب العمارة لأداء صلاة الفجر، عليك ان تعود مخدعك، وتنتظر مصيرك، في معركة لا تعرف أسبابها ودواعيها، وتكتشف بعد ان تتضح الحقيقة أنك في مدينة لا يحكمها كبير، ولا منظومة منضبطة، ولا نظام وقانون.
مشاهد مسيئة لم نشهدها في حياتنا منذ مسقط الرأس فيها حتى تجاوز السبعين عاما من العمر, وتعرضنا لحروب ومنعطفات صراع مختلفة، حتى الاستعمار لم يفكر ان يعملها، كان العنف مجرد أساطير و حكايات جداتنا وامهاتنا، عن أصحاب صفر، وجنية العقبة، واختطاف الأطفال، وسك نقود من دمائهم، مجرد أساطير لزرع المحاذير من غرباء على عدن، كانوا يأتون من دول الخليج بأشكالهم المرعبة وملابسهم الغريبة، يبيعون التمور والقعقع، هي مجرد مخاوف لأمهات.
ما حدث فجر اليوم الثلاثاء في المنصورة نجوى مكاوي، كان مرعبا للأهلي، ومفزع للعامة، وعطل مسار حياتهم، وزرع الخوف في نفوس الأطفال والأمهات، ومنعهم عن الذهاب للمدارس والأعمال، في انتهاك صارخ للحياة والسكينة العامة والسلم الأهلي، من يتحمل هذه المسؤولية الجسيمة بحق المجتمع وعدن؟
القصة لا تعنينا، فنحن ندرك حجم كارثة التشكيلات المليشاوية، التي فخخت بها عدن، من متطرفين ومتعصبين ومتخندقين، للطائفية والمناطقية والايدلوجيا، وكلها لغرض إعادة عدن لما قبل الدولة، والحضارة والمدنية.
ما يعنينا ان حياتنا تتعرض للانتهاك، وشوارعنا ليست امنه، وبيوتنا أيضا لا تقينا من القذائف ورصاص الاشتباكات، ومعرضين للانتهاك والمداهمات في أي لحظة لمجرد اشتباه، ويا ويل لو اختلف قائدان، وتصادمت مصالحهم، وتعارك فوق رؤوس سكان هذه المدينة، يفرغون كل ما فيهم من عفن العنف والتعصب، ويستعرضون عضلاتهم بوحشية، في ظل غياب واضح للنظام والقانون، وتعطيل متعمد أدوات الضبط والربط، وأدوات تنفيذ العدالة، والقضاء والنيابة.
عندما ينفض الحشد العسكري، تعرف حجم الكارثة التي نحن فيها، نحن تحت رحمة عصابات، لا يحكمها نظام ولا قانون ولا عرف ولا شرع، تحتكم لبندقية وعقل بليد، يستعرض قوته في الشارع العام، معكرا السكينة العامة، ومهددا حياة الناس وأمنهم والسلم الأهلي.
بينما القضية يمكن الاحتكام لها في أروقة السلطة التي يتبعونها، وغرف العمليات التي تديرهم، وفق الأنظمة والقوانين التي تحكمهم، ومعايير نشأتهم، إلا إذا أتوا من المجهول والعبث، ومهمتهم إيصال الناس للمجهول والبلد لحالة من العبث الغير منضبط، يحتكم للجهل والتخلف والعصبية والبندقية التي ضاقت منها عدن وضاق ابناها ذرعا بمن يحملها، ولله في خلقه شؤون.