يتفاوت الناس في مستوى التَّعرف على الحقائق التي تقع خارج سلطان الحسّ البشري ويستحيل الإحاطة بها، وهذا هو الذي يجعل تصورها ومدى استيعابها محل نكير وجَدَل كبير، وسببُ ذلك أن هناك من يتوهم أن المعارف والصور المرتسمة في الأذهان للحق والصواب هي نهاية كل شيء، وليس وراءها وراء، وهذا مما أوقع فريقاً من الدارسين قبل غيرهم في كوارث منهجية وأخرى مسلكية، من أبرزها:
يتفاوت الناس في مستوى التَّعرف على الحقائق التي تقع خارج سلطان الحسّ البشري ويستحيل الإحاطة بها، وهذا هو الذي يجعل تصورها ومدى استيعابها محل نكير وجَدَل كبير، وسببُ ذلك أن هناك من يتوهم أن المعارف والصور المرتسمة في الأذهان للحق والصواب هي نهاية كل شيء، وليس وراءها وراء، وهذا مما أوقع فريقاً من الدارسين قبل غيرهم في كوارث منهجية وأخرى مسلكية، من أبرزها:
«التألُّه» الذي جعل بعض المتدينين يعتقدون أن الله بات من خصوصياتهم، يوافقهم ويؤيدهم في كل شيء يفعلونه، وكأن الله تابع لهم لا بد أن يؤيدهم في كلما يذهبون إليه، فيتعاملون مع من حولهم وكأنهم صاروا جزءاً من الألوهية، وهذه المشاعر كارثية تُنتج أقبح صور الكَهَنوت، وتُولّد الصَّنمية، وتُمكّن للطّغاة والمستبدين، سواء على مُستوى الأمة أو الأسرة، وكلُّ ذلك باسم الله العظيم والدين القويم.
«الإلحاد» ونعني به تلك المشاعر التي يُقَدّر الإنسان معها أنه أبْصر وأحْكم من الله في تسيير شأن الكون، فنجد من يعيشون تلك المشاعر – إن لم ينكروا وجود الله – يستنكرون عدم تدخله القسري لفرض كيفية مُعَيَّنة لإدارة حياتهم في ضوء تصورهم للعدل والحكمة والسعادة، وأقل أحوالهم أنك تراهم يقترحون على الله ما ينبغي أن تكون عليه حكمته وتدبيره، وكأنهم باتوا أعلم منه بتفاصيل الخلق وأكثر إحاطة منه بأسرار الكون!!
مع أن هؤلاء وأولئك كغيرهم يدركون أن كثيراً من الصور والمعارف التي باتوا يحاكمون كل شيء إليها مجرد مكتسبات لم تُخلق معهم ولم تودع في فِطْرَتهم، ولكنهم جَلَبوها بالتّعلم والتأمل والتّجارب، فهي طارئة عليهم وليست مَفطُورة فيهم.. وهذا يعني أن الاستمرار في التعلم والتأمل والتجارب قد يغير كثيراً من التصورات، ويرفع ركاماً من الحُجُب، ويصحح التّخبط في المعارف، ويفتح فضاء من الآفاق الواسعة.
وعند التأمل في مساري التأله والإلحاد ونتائجهما نجد أنهما يجتمعان في نتيجة واحدة ويخدمان عُقدة واحدة هي عُقدة “الأنا الاستبدادية” وإن اختلفت شعاراتها العاطفية وأساليب تَسويقها، في حين تختلف – في تصوري – وصفات علاج هذه عن تلك.
أما معالجة جذور التألُّه وما يُنْتِج من كهنوت وصَنَمِيّة، فلا بد فيه من مراجعة معنى التوحيد والعُبودية، والتأكيد على أن الإنسان مهما بلغ من الكمالات لا يرتقي إلى مقام الربوبية، وأنه محكوم كغيره بقانون الخلق والتَّكوين الذي لا يخرج فيه عن رتبة {إنّما أنا بَشَرٌ مِثلكم}، فلا يصح أن يدعي أحد أن معنى معيّة الله له تعني التأييد والموافقة فضلاً عن التّفويض والتّمكين.
أما معالجة الإلحاد فلا بد فيه من مقدمات تُمهد للولوج إلى دائرة الإيمان بالغيب النّاتج عن التأمل في مظاهر الشهادة، وليس الغيب الخرافي الأقرب إلى البلاهة، فالإيمان بالغيب المبني على أسس معرفية تجريبية فاعلة هو السبيل للتعرف على ما وراء الحس، وهو السبيل لتحرير الإنسان من جحيم الإنكار الاعتباطي، وما ينتج عنه من تخبط في تيه الضلالة عن سعادة الحاضر وطمأنينة المستقبل. {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ، أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}.