في خضم الصراع الإقليمي والدولي حول الشرق العربي، يبقى السؤال الأساسي، ودون التقليل من أهمية كل الأسئلة الاخرى، في خضم الصراع الإقليمي والدولي حول الشرق العربي، يبقى السؤال الأساسي، ودون التقليل من أهمية كل الأسئلة الاخرى، مرتبطا بقضية الحقوق الأساسية للفرد وللجماعة في العمل السياسي. إن مشهد الموت المنتشر في حروب ونزاعات لن يكون لها نهاية قريبة يحتم علينا أو على بعضنا ان يطرح هذا البعد الذي بدونه لن يتأسس مشهد العرب القادم. لن تحقق منطقتنا نجاحات حقيقية في جبهة عسكرية أو حربية من اليمن إلى سوريا دون النظر لمدى خطورة أن يكون الوضع العربي في معظم حالاته خالياً من العمق الحقوقي والمؤسسي التنموي والسياسي.
نحن بحاجة لمراجعة، لسياسات التميز ولمأزق الحقوق والحريات السائد في الدول العربية. بلا هذه المراجعة فإننا سائرون نحو حروب أكثر فتكا. الحروب في منطقتنا التي قد تنجح في إضعاف فئات وتيارات ودول هي نفسها التي تصنع مقاتلي الغد. وطالما لم تصل لنخبنا الصيغ الأكثر التزاما بالحقوق والحريات والاٍقتصاد المتوازن والتنمية ودور الثقافة الديمقراطية والعدالة في نشر السلم في المجتمع بما يتضمن الإشراك لقواعد المجتمع سنبقى في نزاع مع أنفسنا أولا ومع الاجيال الصاعدة على كل صعيد.
النموذج العربي، حتى اللحظة، مختلف عن النماذج التي تطورت في العالم وذلك لأنه أحادي التوجه يتعامل مع ما يحيط به من الأعلى بمعزل عن المجتمع. لسان حال النموذج العربي الرسمي: «التاريخ تصنعه النخب ولا دور للشعوب والجماهير في تلك الصناعة». إن النموذج العربي الراهن يتمسك بتحويل السلطة لحالة فردية. الفردية في النظام السياسي قد تنجح في حالات على المدى القصير والمتوسط ولكنها تتحول لمأزق كبير على المدى البعيد. فالفترات الطويلة من الحكم الفردي غير المساءلة كفيلة بتكليس السياسة وتدمير الاقتصاد وتعميق الجمود ونشر الفساد.
النظام السياسي الفردي والذي لا يخضع لآليات ديمقراطية يصيب كما يخطئ، لكنه وبسبب عدم المساءلة ، نجده غير مضطر لأخذ توازنات المجتمع بعين الاعتبار، إنه غير مضطر لمراجعة وضع الفئات المتضررة مصالحها من جراء سياساته، إنه يتصرف بحرية وكثيرا بقساوة و بمعزل عن هذا النصف أو ذاك الربع من المجتمع في كل شأن اقتصادي وحقوقي وسياسي في الحرب كما هو في السلم. لا يوجد لدى الأنظمة غير المساءلة كوابح كافية لوقف الأخطاء التي قد تكون مدمرة و لمناقشة صنع القرار قبل ان يستفحل.
ان كل الأنظمة السياسية في الشرق والغرب هي أنظمة أقليات، ففي النظام الديمقراطي ينتخب الناخب اقلية من الأفراد للقيادة، وفي النظام غير الديمقراطي تأتي للحكم أقلية من الأفراد بواسطة شرعية تاريخية أسرية او انقلاب عسكري أو انتقال سلطة من فرد لآخر. تلك الأقلية هي الاخرى بإمكانها أن تنظم الدولة والسلطة بنجاح. لكن الفارق الحقيقي بين النظام الديمقراطي وغير الديمقراطي مرتبط بكون الأقلية الحاكمة في النظام الديمقراطي تعلم جيدا ان لسلطتها حدوداً، لهذا تجدها في معظم الحالات أكثر تمهلا ومرونة في صنع القرار، واكثر استعدادا لأخذ آراء المعارضين بعين الاعتبار بما في ذلك امكانية استخدام بعض من تلك التصورات في سياساتها العامة.
إن الجانب الذي يميز النظام الديمقراطي، الذي يخطئ كما يصيب، مرتبط بعقلانيته في تناول مسائل الخلاف وكونه أقل اندفاعا وقساوة واكثر قدرة على تصحيح الخطأ بعد الوقوع فيه. إن حرص الديمقراطية على اتجاهات الرأي العام واعادة الإنتخاب وخضوعها بشكل واضح لفصل السلطات (لا تملك كل الاوراق) يلعب دوره في احترام تعددية الآراء والمدارس في المجتمع. هناك في الحالة الديمقراطية حياة سياسية تفاعلية، تختلف تلك الحالة عن النظام غير الديمقراطي الذي يخلو في معظم الحالات من الحياة السياسية بين أحزاب وتيارات وصحافة وإعلام. في الجوهر تبقى الانظمة غير الديمقراطية صناديق سوداء في الحرب كما هي في السلم، ومن الصعب معرفة مضامينها قبل فوات الأوان.
الوطن القطرية