ثورة الدستور 1948م.. أم الثورات اليمنية التي ضربت مزاعم “الحق الإلهي” في السلطة
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص ومصادر متعددة:
في 17 فبراير/شباط من كل عام تمرّ ذكرى الثورة الدستور ضد حكم “الحق الإلهي”، وفي ذكراها الـ74 تعيّد ذكراها وهجّ الثوار الأبطال الذين بدأوا مبكراً مواجهة الظلم والطغيان لحكم الائمة في عصرنا الحديث، والضرب بقوة “الحق الإلهي” للسلطة لعائلة واحدة توارثت رقاب أراضي ورقاب اليمنيين.
اندفعت ثورة الدستور ضد الإمام يحيى حميد الدين، لإنهاء ملكيّة الشعب والأمة للإمام وعائلته وأمراءه وسيوف الإسلام، بعد أن أغلق البلاد ومنع ارتباطها بالخارج والداخل طوال عقود مضت من حكمه الكهنوتي، وتسبب ذلك في خسارة جزء كبير من أراضي اليمن وفرط في أجزاء منها: لم تكن لليمن حكومة ولا موازنة وكانت اشبه بمكتب تحصيل جبايات عن المواطنين بدون أي حقوق لهم، وإذا مرض الإمام توقفت الدولة حتى يتعافى، فلا يوجد مكاتب أو موظفين حكوميين يديرون أمور الدولة.
خلال ثلاثينات القرن الماضي شن الإمام يحيى حميد الدين حملة اعتقالات للتنويرين والذين درسوا خارج البلاد- احتاج الإمام يحيى لبعثات دراسية بعد هزيمة 1934 أمام المملكة العربية السعودية فبعث عدة بعثات للدراسة في العراق- وعادوا البلاد بعد أن شاهدوا باقي دول العالم العربي كيف تطورت فيما تعيش اليمن في عهود غابرة وفي ذلك يقول الشاعر الفلسطينى أبو سلمى:
عرج على اليمن السعيد
وليس ب اليمن السعيد
واذكــــــــر إماماً لايزال يعيش في دنيا ثمود
وســــــــــيوفه مغمودة يا تعس هاتيك الغمود ابوسلمى |
ويقول محمد محمود الزبيري:
جهل وأمراض وظلم فادح
ومخافة ومجاعة وإمامُ
والناس بين مكبل فى رجله قيد قيد وفى فمه البليغ لجــامُ ابو الأحرار محمد محمود الزبيري |
الاستعداد الثورة وتفجيرها
وأسس الثوار حركات سرية لبدء معارضة الأمام وفي مقدمتهم الشهيد أحمد المطاع الذي أسس أو هيئة معارضة منظمة تواجه الإمام، ومن بينهم الضباط الأحرار. ومن أبرز الذين عارضو الإمام يحيى وسجنوا إلى جانب المطاع: محي الدين العنسي و أحمد الحورش و أحمد البراق و أحمد الثلايا و حمود الجائفي وأبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري، والزعيم القائد عبد الله السلال. واضطروا بعد سجنهم إلى مغادرة البلاد الزبيري، ورفيقه الأستاذ أحمد محمد نعمان في عام 1944 للخروج، والنزوح إلى مدينة عدن، التي احتضنتهم، وقبلهم غادر الأستاذ أحمد الحورش، ورفيقه محيي الدين العنسي إلى القاهرة، ومن هناك واصلوا نضالهم، ومعارضتهم للسلطة، وكتبوا المقالات المعارضة للإمامة وتوضيح أوضاع اليمن الداخلية.
ويقول الباحث محمد صلاح في مقال له: لقد شقت الثورة الدستورية طريقها، ومسارها في أرض محفوفة بالمخاطر، والأهوال، وواقع اجتماعي يغطيه ظلام كثيف من العزلة، والتخلف، والجهل.
ويضيف: لقد كان إيمان الأحرار، وقادة الفكر في ثورة الدستور، أقوى من استبداد السلطة الإمامية، “ولأن إيمان المستنيرين كان أقوى من نظام الجهل والعزلة والانغلاق، واصلوا تحدّي المستحيل، وشاركوا في الحركة الدستورية التي جسّدت توقهم للتغيير بأية وسيلة، وانتهى بعضهم قتلى بسيف الجلاد، والبعض دخلوا السجون الرهيبة ليعيدوا الكرَّة فيما بعد، ويواصلوا رسالتهم النبيلة الهادفة لتحرير شعبهم، إلى أن شاركوا أخيرا في التغيير الجمهوري”، [علي محمد زيد، “الثقافة الجمهورية”، ص200]، ورغم الانتكاسات والنكبات التي أصابت مشروع التغيير، إلا أن تلك الأفكار كانت عصيّة على الموت، وظلت بذورها تنموا وتكبر، ليكتب لها النجاح.
رفض ولي العهد أحمد حميد الدين وثيقة “الميثاق” (الذي ينظم طريقة الحكم وصلاحيات الإمام) عليه لتبنيها بعد وفاة والده الإمام يحيى، ولكن ولى العهد أحمد رفض الفكرة جمله وتفصيلا. فعرف الثوار أن من الضروري استبدال رأس الدولة بقوة السلاح وبناء حكومة دستورية تعترف بوجود الشعب.
وجاء وقت التنفيذ في يوم الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1367هـ الموافق 17 فبراير/شباط 1948 وقد أعد علي السنيدار ومحمد الكبوس سيارة من سيارات، عليها خمسة أشخاص مسلحون يقودهم علي بن ناصر القردعي يسوقها أحمد ريحان، واعترضت موكب الإمام يحيى عند قرية حزيز، التي تبعد عن صنعاء بعشرة كيلو مترات، ووزع رفاقه على سفوح الجبال المحاذية لحزيز. وضع القردعي ورفاقه حجارة في الطريق المؤدية لمقصد الإمام، فخرج حرس الإمام من السيارة لإزالتها فأطلقوا النار عليهم فخر الإمام صريعا من فوره.
وتم الإعلان عن “عبدالله الوزير” إماماً، وأرسل برقيات لدول العالم للحصول على اعتراف. لكن رغم الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية في ذلك العام لم تعترف بثورة 1948 إلا أنها كانت الثورة الأم التي أوصلت إلى ثورة 1955م وثورة 26 سبتمبر/أيلول1962 التي قادها الزعيم عبدالله السلال.
كانت معظم دول الجامعة العربية السبعة نظماً ملكية وهي مصر والسعودية والعراق واليمن و الأردن، بينما كانت كل من سوريا و لبنان ذات نظام جمهوري، ولذلك كانت سوريا و لبنان أكثر ميلاً وتعاطفاً مع الثورة علي عكس باقي دول الجامعة العربية التي اتخذت موقفا عدائيا من الثورة في عدائها للثورة، والأسرع للاعتراف بأحمد ملكاً لليمن.
وتمكن ولي العهد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين من إنهاء ثورة 1948 واستباحت القبائل صنعاء في 13 مارس/آذار1948 وارتكبت الجرائم بحق سكانها، وكتب في ذلك أبو الأحرار الزبيري:
تكتلت قوة الدنيا بأجمعها
في طعنةٍ مزقت صدري وما فيهِ
أنكبةٌ ما أعاني أم رؤى حلمٍ سهت فأبقته في روحي دواهيهِ
أعوامنا في النضال المرّ جاثيةٌ تبكي النضال وتبكي خطب أهليهِ ابو الأحرار محمد محمود الزبيري
|
وتم إعدام قرابة 32 من الثوار، على رأسهم الإمام عبد الله الوزير، وجمال جميل وحسين الكبسي ومحيى الدين العنسى والحورش وزيد الموشكي وأحمد البراق ومحمد المسمري والبعض الآخر في حجة.
وقال الأديب والثائر اليمنى أحمد الحورش أثناء إعدامه:
“يا شعبنا متى تصحو؟ كلما ارتفعنا بك شبراً سقطت ذراعاً!”
|
فيما قال أحمد المطاع أثناء إعدامه لليمنيين:
“إن الطاغية سيقتلني اليوم، ولكنه لن يستطيع أن يقتل فكرة الحق والحرية والدستور، ولن يستطيع أن يقتل الشعب والأمة” ابو الثورة والدستور الثائر الكبير أحمد المطاع |
جمال جميل
من بين الأبطال الذين كانوا على الوعد جميل جمال “الرئيس الشهيد” القائد العراقي الذي شارك في ثورة الدستور ودافع عنها ضد قوة الغزو الإمامية، فحكم عليه بالإعدام، وتحدث أثناء إعدامه مخاطباً تلاميذه في الكليات العسكرية: “لا تفزعوا يا أولادي ولا يرهبكم مصرعي عيشوا لمبادئكم وقضية وطنكم وموتوا من أجلها فالموت في سبيل الواجب شرف وخلود وإني أحمد الله الذي ختم كفاحي الطويل بالشهادة وسألقاه راضيا مطمئنا وأنه لافرق في سبيل الواجب أن أموت في بغداد أو صنعاء وأنكم لعزائي الوحيد في الحياة فأنتم الذين ستحملون مشعل الحرية وراية الكفاح من أجل أجيالكم القادمة وكفانا فخرا وعزا أننا قد فتحنا لكم نافذة النور وأزلنا في طرقكم أعظم وأشرس طاغية عرفه التاريخ”.
بينما هو مسترسل في كلامه إذ وثب عليه الأمير إسماعيل بن يحي حميد الدين وهو على ظهر جواده وضربه بعصاه في وجهه حتى سالت دماه فالتفت الرئيس القائد قائلا له “هذا فعل الأنذال ياوغد أين كنت يومها حيث كنت تبكي بكاء الأرامل أما اليوم وأنا في الوثائق فإنك تستطيع أن تفعل ماشئت وان كل قطرة دم تسيل مني على هذا التراب الغالي ستزرعه بالشوك وأسنة الحراب في طريقكم 》وأراد الحسن أن يقطع الحوار مستعجلا فأمر بضرب عنقه، فقال له القائد كلمته التاريخية الأخيرة: ” لقد حبلناها وستلد”
“لقد حبلناها وستلد” القائد جمال جميل |
المعتقلون
أما عن المعتقلين زج في السجن بالكثير من الثوار، والذي قدر لبعضهم أن يلعب دوراً في تاريخ اليمن في ما بعد اليمن مثل “عبد الله السلال وأحمد الثلايا (قائد حركة 1955) وحمود الجائفي وعبد الرحمن الأرياني وأحمد المروني “، وصدرت أوامر الإمام بالتشديد على المساجين وإضافة قيود إلى ما يحملونه، وعدم اختلاطهم بالآخرين وهم “أحمد محبوب ، عبد السلام صبره، حسن العمري، عبد الله السلال، أحمد محمد النعمان ، محمد الطاع ، أحمد الشامي ،عبد الله الشماحي ، العزي صالح السنيدار، أحمد المروني، عبد الرحمن الإرياني، محمد عبد القادر، غالب الشرعي، النقيب محمد حمود قائد الضلعي، علي محمد السنيدار، عبد القادر أبو طالب، محمد عكارس، وغالب سري، وحمود الجائفي، وحزام المسوري “.
ويقول الباحث فؤاد مسعد: وبقي المئات في سجون الإمامة بعضهم ظلوا سنوات عدة فيما توفى بعضهم ومنهم الأمير إبراهيم بن الإمام يحيى الذي انشق عن والده والتحق بالأحرار وعين رئيسا لمجلس شورى الثورة، واشتبه المعتقلون في وفاة الأمير مسموما بتدبير من أخيه الإمام أحمد الذي لم يكن ليتورع عن قتل أقرب الناس له في سبيل العرش كما فعل بعد ذلك حينما أعدم أخويه عبدالله والعباس في العام 1955.
الولادة امتداد لثورة الدستور
وكما قال القائد جمال جميل “حبلناها وستلد”، فقد ولدت حركتين لاحقتين واحدة منها أسقطت حكم الأئمة.
وكانت ثورة 1948 الدستورية حلقة أساس في ثورة سبتمبر/أيلول1962. ويقول محمد صلاح: حاول بعض الكُتاب بطريقة عقيمة، ورؤية سقيمة، أن يقيم جدارا فاصلا بين ثورة 1948، التي قادها الأحرار، وبين ثورة سبتمبر 1962، التي لعب تنظيم الضباط الأحرار الدور الرئيسي في قيامها، إلا أن قادة الثورة السبتمبرية، وقفوا وتصدّوا لمثل هذه الأقاويل، وأكدوا على التلاحم والترابط بين الثورتين، وبين قياداتها، وأن ثورة سبتمبر ارتكزت على المقدّمات، التي صنعتها ثورة فبراير 1948.
ويشير صلاح إلى ما قاله أحد قادة الثورة، وعضو التنظيم الضبُّاط الأحرار صالح الأشول: “يظل من الثابت أن القوى الوطنية، التي عملت من أجل التغيير، كانت كلها حلقات مترابطة مع بعضها البعض. فثورة سبتمبر 1962 قامت على معطيات ثورة فبراير 1948 وحركة 1955. وثورة أكتوبر 1963 في جنوب الوطن استندت على معطيات ثورة سبتمبر في الشمال ودعمها لها. هكذا كان الترابط بين الأحداث في مسيرة العمل الوطني من أجل التغيير. وهو يبيّن أن الأحداث قد توالت، وامتد القديم منها على الجديد بمنطق التأثير والتأثر ووحدة الغاية. لذلك يصعب الفصل بينها، واعتبار أي حدث منها منعزلا عن الآخر. لكنها تتميّز عن بعضها البعض في التخطيط والوسيلة وطريقة الأداء” [صالح الأشول “حقائق ثورة سبتمبر اليمنية إعداداً وتنفيذا”، ص225، 226].
وقال فؤاد مسعد: ستبقى ثورة الدستور حدثاً مهماً في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، ورغم أنها فشلت في تحقيق أهدافها، وسقطت بعد أيام قليلة من انطلاقها إلا أنها نجحت في تمزيق هالة القداسة التي كان أئمة الجور يحيطون أنفسهم بها، ولم تمض سنوات قليلة حتى كانت ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 التي أجهزت على الحكم الإمامي المتخلف وأعلنت إقامة النظام الجمهوري.