اليمن في العام الثامن… أما زال السلام ممكنا؟
خالد اليماني
تدخل الحرب في بلادي اليمن عامها الثامن منذ أن انقضت الميليشيات على السلطة وفرضت إعلاناً دستورياً يتناسب وتوجهاتها لفرض “نظام الولاية” في الواقع اليمني. ومع دخول الحرب عامها الثامن، يبدو المشهد العام في اليمن كصفحة خارجة من كتاب “الجحيم” لدانتي أليغييري أو ثلاثية “الكوميديا الإلهية”، مآسٍ وقتل وتدمير للبنية التحتية ودم يراق وأمل يضيع. ومع مرور الأيام والسنين، تصبح قضية الإنسان اليمني نهباً للنسيان.
في جحيم دانتي، يعذب الناس بسبب معاصيهم التي ارتكبوها في الدنيا، ولم يرتكب أهل اليمن أي معاصٍ، والله أعلم، فهم شعب عميق الإيمان وكبير في صبره ومكابدته لمشقات الحياة، يدفعون منذ سبع سنوات ثمن حرب فرضتها النزعات على السلطة والعنف المنفلت لجماعة أبت إلا أن تخون وطنها وعروبتها وانتماءها القومي لصالح المشروع التوسعي الإيراني، وهدفه زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة.
ولا يستطيع عملاء طهران التنصل من الانتماء للمشروع التوسعي الإيراني، بل هم يتباهون به، فيما يتشبثون بحق في سلطة انتزعوها بالقوة في لحظة غياب جميع القوى الوطنية التي كان ممثلوها متفرقين بين من يتهافت على غنائم دولة تتهاوى، ومن كانت تغلي داخله روح الانتقام من الجميع من أجل سلطة فقدها. ولم يفكر هؤلائ قط بأن المشروع الإيراني كاد يأتي عليهم لولا إرادة الله ودعم الأشقاء اللذين هبوا في اللحظة المناسبة لنجدة اليمن قبل وقوعه النهائي بيد “ملالي الموت”.
ويستمر حلفاء إيران بالتبجح بالدفاع عن سيادة لا يمتلكون شرعية فيها، ويدعون حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس وهم يمارسون العدوان على أبناء اليمن في مأرب والبيضاء وتعز والحديدة فيما يسوقون صبية اليمن، من كل المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، إلى جبهات الموت، ويواصلون الاعتداء على الأعيان المدنية في الدول المجاورة والممرات الملاحية الدولية جنوب البحر الأحمر، فيما يصرخون في إجادة رائعة لتراجيديا الضحية والمظلومية التي تعلموها من أسيادهم في طهران والضاحية الجنوبية لعاصمة لبنان. فالموت وسيلتهم لتثبيت نظامهم وفرض واقع الرعب على اليمنيين وفي الإقليم، اعتقاداً منهم أن الجميع سيرضخ في النهاية لمشيئتهم، متناسين أن لقوافل الضحايا ولبكاء الثكالى صوتاً مدوياً يتعاظم في كل أرجاء اليمن سيضع نهاية لهذه الحرب الملعونة والمتاجرين بالدماء.
سبع عجاف
ومع بداية العام الثامن لهذه الحرب الملعونة، لا تلوح في الأفق بوادر أو مؤشرات لنهايتها، ولا يبدو الحسم العسكري في متناول اليد أيضاً، فلولا الجهد الكبير لقيادة “التحالف العربي” ما كان بالإمكان استعادة المناطق الشاسعة التي فقدتها الدولة اليمنية خلال العام الماضي، في جنوب مأرب وشمال شبوة، وما كانت العمليات العسكرية لتتحرك في جبهة حجة، فيما يستميت الحوثيون للإبقاء على ما لديهم، حفاظاً على التوازن العسكري الذي يعتبرونه عاملاً حاسماً لقبول الآخرين بشروط سلامهم واملاءاتهم غير المقبولة في منطق القانون الدولي، دع عنك مرجعيات السلام في الأزمة اليمنية التي تقرها الأمم المتحدة، فلا يمكن للقانون الدولي بأي حال من الأحوال، أن يقبل بسيطرة ميليشيات لها سجل حافل بالممارسات الإرهابية على مقدرات ومقاليد الدولة اليمنية.
ومع مرور السنوات يرتفع صوت الداعين إلى الحرب باعتبارها الوسيلة الوحيدة لبلوغ الأهداف، فهناك مَن لا يزال يتحكم به الاعتقاد أن الحرب لم تبلغ مداها اللازم لهزيمة الحوثيين، وهم يلعبون في الملعب المفضل للحوثيين الذين لا يجيدون غير لغة الحرب وليسوا مفوضين من أسيادهم إلا بالخوض فيها، لأنهم ومن خلال التجربة التاريخية لجولات المفاوضات العديدة التي جمعتنا معهم، كانوا يؤكدون لنا وللعالم إن القرار في طهران، وإن قرارها كان في الأمس وما زال اليوم يقتضي مواصلتهم الحرب اليمنية، ففي ذلك ورقة رابحة لإيران تستخدمها في فرض أجندتها التوسعية الإقليمية.
وخلال العام الماضي وأثناء عمليات مأرب، كانت النشوة طاغية في خطاب الحوثي، وأفاض في وعوده لأهل اليمن بعفو “الولي الفقيه” عليهم عقب “النصر المؤزر”، وإسباغ “بركاته” على الخراف المتمردة حينما تعود إلى بيت الطاعة وتقبل أقدام “سيدها الكريم”. وكانت معركة مأرب، في استراتيجيتهم، فاتحةً لانتصارهم وللقضاء على خصومهم. وما زال الوهم يسيطر عليهم حتى بعد الهزائم التي تجرعوها في جبهات العزة المأربية.
فخلال عام ونصف العام قبل تاريخ 5 يونيو (حزيران) الماضي، حينما أعلن مارتن غريفيث، المبعوث الاممي السابق إلى اليمن، انتهاء مهمته، لم يعر الحوثيين جهوده أي جدية، ومارسوا معه ذات التكتيكات المتبعة في دليل التفاوض الإيراني والتي تتلخص في المجاراة والتجاوب والإيجابية حتى اللحظة الحاسمة، فيكون الرد النهائي بالرفض. ومن هنا، كان “الإعلان المشترك” الذي عملت عليه الأمم المتحدة، جهداً مرفوضاً من قبل الحوثيين، فبعد الاتفاق على عناصره الثلاثة، وقف إطلاق النار، وإجراءات بناء الثقة، ومفاوضات الحل النهائي، وقبل إعلان غريفيث تكليل جهوده بالنجاح، رفض الحوثي الدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار، إلا بعد تنفيذ اتفاق مستقل لفتح مطار صنعاء والموانئ، فيما تمسكت الحكومة بمجمل الاتفاق.
وبهذا فوت الحوثي فرصة أخرى لإنهاء الحرب فارضاً على اليمنيين العيش تحت وطأة العنف وانعدام الأمن وتفشي الخوف. وكان اليمنيون يتطلعون من خلال “الإعلان المشترك” إلى بدء عملية سياسية شاملة قد تستغرق وقتاً طويلاً، ولكنها تنطلق بعد توقف الحرب أولاً، ويمكن أن يبقى فيها الوضع كما هو ضمن مرحلة انتقالية، فيما تبحث الأطراف عن أفضل السبل للعيش المشترك.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبيرغ أمام مجلس الأمن، بعد أكثر من نصف عام على توليه مهمته، وبعد رفض الحوثيين السماح له بزيارة صنعاء، وبعد المناشدات التي أطلقها في مجلس الأمن للدول الأعضاء للسعي إلى تمكينه من الوصول إلى صنعاء والحديث مع قيادة الحوثيين، أنه يعمل حالياً على صياغة خطته التي سيقدمها إلى المجلس في الربيع المقبل، للتحرك نحو تسوية سياسية شاملة. وتشمل الخطة، تأسيس عملية متعددة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية. وقال غروندبيرغ إنه عرض أفكاره على الحوثيين في اجتماع جرى في العاصمة العمانية، مسقط.
ويدرك السيد غروندبيرغ أن المكتب الحوثي في مسقط ما هو إلا مكتب علاقات عامة، وأن القرار بيد عبد الملك الحوثي والدائرة المقربة منه، والتي تتلقى توجيهاتها من طهران. ويعيد المبعوث الأممي الجديد بهذا الإعلان، اكتشاف فرص السلام التي نعرفها جميعاً منذ اليوم الأول لنشوب الحرب في مارس (آذار) 2015، وسيبذل جهده للاستمرار في إلقاء بيانات مكررة أمام جلسات مجلس الأمن، حتى يصل إلى اللحظة التي يودع فيها، ليقول على استحياء إن الحوثي رفض كل عروض السلام كما فعل قبله السيد إسماعيل ولد شيخ أحمد، والسيد ومارتن غريفيث وينقل فشله إلى مبعوث آخر.
وما زلت أعتقد بما ذهب إليه غريفيث، حين قال في مداخلته الختامية في يونيو الماضي في مجلس الأمن، قبل توليه مهام منصبه الجديد، منسقاً للشؤون الإنسانية، “إن اليمن قصة فرص فوتت وأخرى أهدرت”. فاليمن واقعة تحت مشيئة مختطفيها، الذين يطلبون فدية لا يمكن لذي عقل القبول بها، وسيعمدون لتفجير المنطقة وإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ لقتل المدنيين والنازحين في مأرب وعدن وشبوة، ويستهدفون الأعيان المدنية في السعودية والإمارات، والممرات المائية الدولية جنوب البحر الأحمر.
المصدر: انبندنت عربية