متغيرات جديدة.. لماذا على سلطنة عمان تغيير سياستها تجاه الحوثيين؟ (تحليل خاص)
يمن مونيتور/ تحليل خاص/
أدى هجوم جماعة الحوثي على العاصمة الإماراتية أبوظبي إلى دق جرس إنذار سريع لدول الخليج العربية، بما في ذلك سلطنة عُمان الجارة الشرقية لليمن والتي يملك الحوثيون مكتباً على أراضيها.
ويعود وجود مكتب لجماعة الحوثي في “مسقط” إلى كون العاصمة العُمانية مركز للمشاورات الخلفية التي تتم بين وقت وآخر بين الحوثيين والحكومة والسعودية والمجتمع الدولي. وحسب دبلوماسي خليجي تحدث لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد تم إنشاء هذا المكتب بطلب من بريطانيا والولايات المتحدة في وقت سابق من عام 2016م، وأصبح دائماً منذ ذلك الوقت.
عدا حدوث تغيّر كبير في خطوط الحرب داخل، فإن الصراع اليمني سيستمر في المستقبل المنظور مع خسائر محتملة كبيرة للحوثيين ويزيد من تهديد الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية، أو أن الحوثيين سيضطرون للمرة الأولى إلى الانخراط في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي. للصراع مع الحكومة المعترف بها دولياً. حتى الآن، كانت مشاركة الحوثيين في المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة شكلية وعكست في المقام الأول اعتقاد الجماعة بأن استمرار القتال على الأرض سيؤدي إلى مكاسب إضافية.
سياسة سلطنة عمان في اليمن
تتلخص سياسة سلطنة عُمان في اليمن في محورين رئيسيين: الأول، الحياد في الحرب الدائرة بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية. وعلى الرغم من وجود مكتب للحوثيين على أراضيها إلا أن مسقط تعترف بالحكومة اليمنية كحكومة شرعية وليس الحوثيين. الثاني، المخاوف من الوجود الإماراتي في محافظتي “المهرة” و”أرخبيل سقطرى” وتعتبر مسقط المحافظتين عمقاً استراتيجياً لها في اليمن وتخشى من استخدامه للتأثير على سياستها أو على حدودها مع الإمارات حيث توجد مشكلات حدودية مستمرة. وتدعم لأجل ذلك شيوخ قبليين من المحافظتين لمواجهة الوجود الإماراتي والسعودي معاً ففي المحافظتين.
كما أنها السلطنة تدعم المكونات القبلية في المحافظتين خشية سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات ويدعو للانفصال، لارتباط الدولة السابقة قبل (1990) بدعم عمليات التمرد في منطقة ظفار العُمانية الحدودية مع اليمن. ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي فعلاً على أرخبيل سقطرى.
وتقول السعودية إن وجودها في محافظة المهرة -حيث تملك الرياض قاعدة عسكرية تضم خبراء بريطانيين- يأتي لمكافحة تهريب الأسلحة التي تصل إلى الحوثيين. وتشير تقارير دولية بما فيهم خبراء الأمم المتحدة إلى أن إيران تقوم بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر الحدود العمانية-اليمنية، وأمسك الجيش اليمني عدة شحنات من الأسلحة تحت عدة غطاءات تجارية.
من الصعب أن تضبط سلطنة عُمان حدودها بشكل كامل على الرغم من أنها دفعت بوحدات عسكرية عديدة |
في تقرير خبراء الأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن مطلع العام الحالي أكد أنه “لا يزال تزويد الحوثيين بقطع لأنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى مستمرا عن طريق البرّ، من قبل أفراد وكيانات مقرّها عُمان”.
في عام 2016 مع اشتداد الاتهامات بمرور شحنات الأسلحة عبر السلطنة، نفت “مسقط” تهريب الأسلحة عبر أراضيها. لكن الأسلحة يتم تهريبها عبر سلطنة عمان وتمر بمعظم المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي وصولاً إلى مناطق الحوثيين.
ويبدو أن من الصعب أن تضبط سلطنة عُمان حدودها بشكل كامل على الرغم من أنها دفعت بوحدات عسكرية عديدة خلال سنوات الحرب لتعزيز وجودها على الحدود. وطول الشريط الحدودي بين المهرة ومحافظة ظفار العُمانية يبلغ 288 كيلومترًا، حيث يبدأ من ساحل مديرية حوف وينتهي في قلب الصحراء على المثلث الحدودي بين اليمن وعُمان والسعودية. وظلت تلك الحدود مناطق نشطة للتهريب منذ عقود. ومع استمرار تهريب الأسلحة خلال سنوات الحرب اليمنية عبر الحدود العمانية قامت الولايات المتحدة بضمها إلى قانون الدفاع الوطني الأمريكي الذي يشير إلى تخصيص تمويل يعزز جهود القوات المسلحة العُمانية للحفاظ على الأمن وتعزيزه على طول حدود عُمان المتاخمة لليمن.
حسب المسؤولين والمحللين العُمانيين فإنهم لا يدعمون الحوثيين بل يريدون قيام دولة على كامل الجغرافيا اليمنية حتى لا يؤثر عدم الاستقرار في البلاد عليها بشكل سلبي، ويهدد خطط “مسقط” بتنويع الاقتصاد. ومن هنا تعزز هجمات الحوثيين على أبوظبي مخاوف سلطنة عُمان.
يفترض بسلطنة عمان مراجعة الدعم غير المشروط الذي تقدمه للحوثيين. |
دوافع ضرورة تغيير السياسة
يمثل سلوك الحوثيين واحداً من مهددات احتفاظهم بعلاقة جيّدة مع سلطنة عمان. قصف الحوثيين لأبوظبي واستمرار قصف السعودية بأكثر من 400 هجوم خلال الأعوام الماضية يهدد الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية؛ واختطاف سفينة في البحر الأحمر يهدد الملاحة الدولية وكما دفع الهجوم على السفينة روابي لتحرك مصر التي تدير قناة السويس.
وتؤكد هجمات الحوثيين العابرة للحدود أن الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية في خطر وأن الدول الصغيرة -التي لا تملك عمقاً مثل السعودية- معرضة لهجمات مماثلة ومؤثرة بداخلها. لذلك يفترض بسلطنة عمان مراجعة الدعم غير المشروط الذي تقدمه للحوثيين. ويفترض بقطر أن تؤيد تلك المساعي لتحجيم قوة الحوثي. وهو الأمر ذاته بالنسبة للكويت والبحرين. إذ أن وجود جماعة مسلحة ما دون وطنية تتبع أجندات خارجية في المنطقة يهدد دولها ما دامت تملك أي نوع من سلطة الأمر الواقع.
كانت “مسقط” عوناً كبيراً للحوثيين وقناة خلفية مهمة في محاولات تقديم رؤيتهم وموقفهم للمجتمع الدولي، ودولة تسمح بعلاج جرحى الحرب الحوثيين والعناية بهم. لكن العام الماضي تسبب الحوثيون في زعزعة هذه العلاقة، وأججوا الحرب رغم المبادرات الدولية وقبول خصومهم للحل السياسي في البلاد.
وحسب مركز أبعاد للدراسات والبحوث (مؤسسة بحثية يمنية مستقلة) رفض الحوثيون تدخلاً من سلطان عُمان الجديد -الذي اتصل بزعيم الحوثيين- في مارس/آذار2021 من أجل مبادرة دولية تقودها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن. على الرغم من أن السلطنة ظهرت للمرة الأولى علناً بدور الوسيط وزار مسؤولون من الخارجية العُمانية، صنعاء، والتقوا زعيم الحوثيين الذي جدد رفضه لتلك الجهود.
فشل السلطنة في ممارسة ضغط على الحوثيين إلى طبيعة الحوثيين كجماعة مسلحة ما دون وطنية تملك أجندة خارجية |
عندما قررت القوى الدولية طلب سلطنة عمان فتح مكتب للحوثيين في “مسقط” اعتقدت أن السلطنة ستكون قادرة على ممارسة ضغط على الحوثيين للقبول باتفاقية سلام في ظل الضغوط الدولية على التحالف والحكومة الشرعية لكن ذلك لم يحدث.
يعود فشل السلطنة في ممارسة ضغط على الحوثيين إلى طبيعة الحوثيين كجماعة مسلحة ما دون وطنية تملك أجندة خارجية من الصعب أن تبقى في ظل توقف الحروب. إضافة إلى أن سلوك إدارة بايدن شجع الحوثيين على رفض مبادرات السلام: أزال البيت الأبيض في فبراير/شباط جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب، وأعلن عن وقف تسليح السعودية وتقديم الدعم المخابراتي للتحالف، وبدء سياسة دبلوماسية تهدف للضغط على المملكة لإنهاء الحرب. وفيما اعتبرت ذلك كافياً للحوثيين لقبول مبادرات السلام والتعاون مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، إلا أن الرسالة وصلت للحوثيين وإيران بتخلي واشنطن عن حلفائها في المنطقة.
يمثل هجوم الحوثيين على أبوظبي نقطة تحوّل في سياسة سلطنة عُمان تجاه الجماعة المسلحة اليمنية، إذ أنه يضع السلطنة أمام تهديد واضح لأمنها القومي. ولذلك نُشر بيان للخماسية يؤكد أن حكومات عمان والسعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تدعم ما وصف “بالحق المشروع” للسعودية والإمارات في الدفاع عن نفسيهما ضد الهجمات الإرهابية في إشارة إلى الهجمات التي يشنها الحوثيون. جاء ذلك في بيان مشترك لكبار ممثلي حكومات عمان والسعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ناقشوا الوضع في اليمن بحضور المبعوث الأممي “هانز غروندبرغ” يوم الأربعاء(26/01/2022).
يمثل هجوم الحوثيين على أبوظبي نقطة تحوّل في سياسة سلطنة عُمان تجاه الجماعة المسلحة، إذ أنه يضع السلطنة أمام تهديد واضح لأمنها القومي |
وهي المرة الأولى التي تشارك فيها سلطنة عُمان في بيان شديد اللهجة ضد الحوثيين. إذ كانت الدول الأربع تجتمع بين وقت وآخر لبحث الوضع في اليمن منذ 2016م، وشاركت سلطنة عُمان عِدة مرات كضيف، وهي المرة الأولى تظهر كجزء من هذه الاجتماعات، وتوصف بالخماسية بدلاً من الرباعية الدولية.
مؤخراً ترحب السعودية- على عكس الإمارات- بالدور العُماني في اليمن، ولعل زيارة السلطان هيثم بن سلطان للمملكة والمشاريع الكبيرة التي جرى الاتفاق والحديث عنها تمثل نقطة جوهرية في التحركات العُمانية الأخيرة، التي قد تؤدي إلى الضغط أكبر على الحوثيين وربما التخليّ عنهم.
يؤكد رد الحوثيين على السلطنة أن أي دولة في المنطقة -عدا إيران- غير قادرة على ممارسة ضغط على الحوثيين عدا الضغط العسكري الميداني ويبدو أن هذا الأمر أصبح معروفاً حتى للعمانيين. في ذلك يشير مركز أبعاد للدراسات والبحوث إلى زيارة رئيس الأركان العامة السعودي فياض بن حميد الرويلي سلطنة عمان في الفترة من الثاني إلى الرابع من يناير/كانون الثاني2022 لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين بمن فيهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع شهاب بن طارق آل سعيد ورئيس أركان القوات المسلحة السلطانية عبد الله بن خميس بن عبد الله الريسي. جاءت الزيارة العسكرية قبل أيام من الإعلان عن العملية العسكرية “اليمن السعيد”. وعلى غير العادة لم تبد عُمان أو أي دولة أخرى قلقها من تصعيد التحالف ضد الحوثيين، بما في ذلك هيئات الأمم المتحدة.
يمكن الاطلاع على تحليل سابق حول الموضوع.. |
تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية
على الرغم من أن إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب يعتبر سبباً في رفضهم الوساطة العُمانية. إلا أن عُمان ترفض إضافة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب، وليس ذلك بسبب أن الحوثيين لا يرتكبون جرائم تعتبر إرهابية من وجهة نظر القوانين العُمانية، لكن لأنه لم يهدد الأمن القومي العُماني -بَعد- كما أن السلطنة ترى أن ذلك سيعقد دورها في الحرب، واعتباره وسيط في الحرب.
“تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يقوض جهود إحضارهم إلى طاولة المفاوضات”. وزير الخارجية العماني |
في مقابلة مؤخراً مع وزير الخارجية العُمانية البدر البوسعيدي قال إن تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية يقوض جهود إحضارهم إلى طاولة المفاوضات”.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى سلطنة عمان لإنهاء الحرب في اليمن، وقيادة مشاورات خلفية مع إيران في الملف النووي إذا فشلت مفاوضات فيينا والتي من المتوقع أن تنتهي خلال أسابيع. لذلك فإن الولايات المتحدة -حتى في حال أعادت الحوثيين إلى قوائم الإرهاب قد تستثني التعامل السياسي والدبلوماسي الذي يتعلق بالسلام.
وتصاعدت الحرب في اليمن منذ عام 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم محافظات البلاد ما أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، المعترف بها دوليا، على الفرار من العاصمة صنعاء. وفي مارس/أذار2015 تشكل التحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية ومنذ ذلك الوقت ينفذ غارات جوية ضد الحوثيين في أكثر من جبهة.
ويشن التحالف غارات جوية بشكل مستمر على مناطق سيطرة الحوثيين، ويطلق الحوثيون في المقابل صواريخ على المملكة العربية السعودية.
وقتل عشرات الآلاف نتيجة الحرب، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى سقوط أكثر من377ألف يمني خلال السنوات السبع. كما تسبب القتال الدائر في البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، بما في ذلك 10 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.