كيف يتم تنشئة الأطفال في اليمن على الكراهية ضد المهمشين؟
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هاجر نبيل
تحت مسمى شائع (أخدام) يتم وصف المهمشين ذوي البشرة السوداء في اليمن، ولا يكتفي البعض بذلك فقط، بل يغرسون ثقافة الكراهية في الأطفال بشكل خاص، وتخويفهم بطريقة تعزز العنصرية والطبقية، ويعاني غالبيتهم من التنمر وتوسيع عزلهم عن المجتمع.
“انتبه من الخادمة” بهذه العبارة اختصرت “عفاف سالم” معاناتها مع العنصرية التي تواجهها بشكل مستمر منذ وصولها إلى صنعاء، نازحة من مدينة الحديدة (غرب اليمن) بسبب الحرب في أواخر العام 2018.
تعمل “عفاف” الشابة الثلاثينية بحياكة ليف الاستحمام وتقوم بالتجول في الأسواق في العمارات السكنية من أجل عرض ما تقوم بصناعته على المشترين، لكنها مهمة معقدة تواجه فيها كراهية وعنصرية غير مبررة بسبب فقط لون بشرتها.
وقالت في حديث لـ”يمن مونيتور”، “عندما اذهب للمنازل وأطرق أبواب الساكنين لعرض عليهم ما ابيعه، دائماً ما أسمع أم تحذر ابنها من فتح الباب لي كوني امرأة من ذوي البشرة السوداء أو تخوف أبنائها بأنها ستدعوني للمجي إليهم”.
وبشكل شائع تستخدم بعض الأسر التخويف لأطفالها باستدعاء المهمشين إليهم لعقابهم، باعتبارهم اشخاص مخيفين، وهي ثقافة منتشرة في أوساط المجتمع، تم تأسيسها على أساس عنصري، ويتم استخدامها بكثرة دون اكتراث لمدى خطورتها في زرع الكراهية.
وعن الردود العنصرية التي تتلقاها في المنازل من النساء، تقول عفاف “بعض النساء في تلك المنازل تقول لي أنه لا يوجد في البيت رجل من اجل فتح الباب لها، باعتبار ان ذلك يشكل خطراً عليها كوني دائما مشتبهة بارتكاب أي جريمة”.
لا ترى “عفاف” ان سلوك المجتمع عنصري دائما قائلة: “هناك أشخاص محترمون يتعاملون باحترام معنا ويساعدونا، لكن كثير من الأطفال يخشون منا باعتبارنا مخيفين وأشخاص غير مرغوب بنا ان نتواجد في حياتهم”.
العنف أحياناً
نتيجة لزرع ثقافة الكراهية والخوف من المهمشين وخاصة في أوساط الأطفال، يتعرض المهمشون للعنف أحيانا لأسباب لا علاقة لهم بها من بعض الأشخاص الذين يعتقدون انهم يشكلون خطراً على أبنائهم.
تقول عفاف: “أنها مرت في إحدى الاحياء السكنية وفجأة طفل لا يتجاوز عمرة 4 سنوات يبكي بصوت مرتفع ويهرب من امامها، ويصرخ مرعوباً مني وهو ما عرضة للسقوط أرضا وأصيب بخدوش”.
وتابعت: “تجمع الناس واقارب الطفل وحاولوا الاعتداء عليّ لأني المسؤولة عن اصابته والهلع الذي أصيب به، رغم اني كنت اسير فقط بالشارع وحذرتني أم الطفل بعدم العبور من امام منزلها مرة أخرى”.
بالنسبة للكثير من المهمشين تلك الممارسات قاسية وموجعة، أن تكون مشردا اسود يتم نبذك من المجتمع حتى تصبح شخصا لا مرئياً وليس له وجود فعلي، ينفر الجميع منك ويخاف منك الأطفال ببراءتهم ويخشون من الاقتراب منهم.
ثقافة مغلوطة
سألنا إحدى الأمهات في صنعاء عما إذا كانت تمارس نفس السلوك في تخويف أبنائها من المهمشين، وكيف ترى ثقافة تكريس الكراهية على أساس اللون أو الفقر في المجتمع وسلوك الأطفال.
قالت أماني محمد (28 عام) موظفة إدارية في مستشفى حكومي – وهي أم لطفلين – بالنسبة لي لم يسبق أن استخدمت أسلوب التخويف لأطفالي من المهمشين لاعتقادي انها من الأساليب الغير سوية في التربية أولا وهي عنصرية غير مقبولة.
وأضافت في حديث لـ”يمن مونيتور”، في الحقيقة تكريس الكراهية ضد المهمشين من خلال تخويف الأطفال منتشرة في أوساط الأمهات ربما أكثر من الآباء وهي تصنع وعي كبير في الأطفال.
وتابعت: “مثلا طفلة ابنة صديقتي عندما ترى أي امرأة أو رجل من ذوي البشرة السوداء تخاف وتهرب وتطلب النجاة، بينما طفلي لا يفعل الامر نفسه رغم انهما في متساويين في العمر”.
وترى أماني أيضاً: “أن المهمشين ربما يكونوا جزء من النظرة المجتمعية فيما يخص ان الأطفال يخافون منهم لأسباب كثيرة، ربما الأكثر انتشارا قبولهم بالفكرة انهم يخوفون الأطفال من قبل الإباء أنفسهم الذين يتعمدون أحيانا لاتخاذهم وسيلة مساومة مع أبنائهم لأمر ماء”.
أيا كانت الأسباب التي تجعل المهمشين جزء من المشكلة، يبدو ايضاً فارق الوعي الذي تصنعه التربية والسلوك من الاسرة هو من يصنع حالة الوئام والسلام بعيدا عن الكراهية، وهذا الذي يمكن أن يخلق جيل متعايش أكثر.
غياب الوعي
يعتقد الكثير من الناس أن هناك ثقافة مغلوطة يتم تكريسها في الأطفال بشكل ربما قد لا يكون عدائي بشكل مباشر، لكنها تؤسس للكراهية بلا شك وتصنع وعي متوارث إزاء المهمشين في اليمن، نتيجة عدة عوامل ومنها غياب الوعي عند غالبية الناس.
تقول سارة الهمداني – معلمة ومختصة اجتماعية – ” للأسف سلوك التربية من قبل الإباء والأمهات كرس ثقافة عدائية إزاء المهمشين وصنع أجيال بتلك الثقافة التي تؤسس لنبذ ذوي البشرة السوداء بطريقة أو أخرى”.
وأضافت في حديث لـ”يمن مونيتور”، نسبة الأمية العالية في المجتمع صنعت ثقافة مغلوطة للتعامل مع المهمشين وخاصة في توعية الأطفال وتخوفيهم، لكن هناك نسبة جيدة من الأسرة تعلم أطفالها بطريقة مميزة في احترام المهمشين.
وتعتقد الهمداني، “أن مثل هذه السلوكيات الخاطئة في تربية الأطفال بحاجة الى توعية كبيرة ومنهجية على المدى الطويل والمتوسط، تبدأ من المدرسة ومن ثم حملات التوعية في الاعلام والدعايات المختلفة على الأقل تخلق انطباع يقبل المهمشين بدون كراهية”.
والأسوأ ما في الكراهية والعنصرية هي ان تكون ضحية لشي لم تختاره أنت او حتى ترتكبه ويظل عقابك مستمرا، ويعد مسمى “الأخدام” كلمه تحمل اهانة لفظيه صريحة وذات مدلول عنصري تجاه هذه الشريحة، وللأسف يتم استعمالها من قبل مختلف الفئات، وتتجلى في سياقات مختلفة في المجتمع.