تذبذبت تأويلاتنا وتسمياتنا للصراع مع إيران.
تذبذبت تأويلاتنا وتسمياتنا للصراع مع إيران.
فتارة نسميهم الفرس، وإذا تصاعد الغضب قلنا: المجوس. وآخرون يفضّلون وصف ذلك بالعداء مع التشيّع، وإن أرادوا التلطيف قالوا: التشيّع الصفوي!
كيف تستطيع أن تقاوم (عدواً) لم تحدد من هو، وما هو؟!
أشرت في مقالة سابقة الى أن إيران تلعب في المنطقة ومع العالم بخمس ورقات متوازعة بين الحضارية والطائفية. وهي تراوح بين خطاباتها المتنوعة، والمتناقضة، بمهارة فائقة اكتسبتها من الحكمة والإرث الفلسفي العريق والعميق للحضارة الفارسية.
ونحن لا نستطيع، ولا ينبغي لنا، أن نستهلك جهدنا وصدقيتنا في محاولة تشويه الحضارة الفارسية أو النيل منها ومن إرثها التاريخي المعتبر، إذ ليس من الوارد إزالة أو طمس هذا العمق التاريخي / الجغرافي الممتد لخمسة آلاف عام بسبب تجاوزات ثورة معممة وقعت منذ أقل من ٤٠ عاماً، وتمادت في تمددها باسم الدين الطائفي المشرذِم.
لكننا أيضاً لا ينبغي أن ندخل معها في صراع طائفي (مكشوف)، إذ ستتساوى عندها الكفة غير المتساوية!
إذاً كيف سنقاوم عدائية إيران؟!
إن عاديت إيران بوصفهم فُرساً فأنت تعادي حضارة عمرها ٥٠٠٠ عام،
وإن عاديتهم بوصفهم شيعة فأنت تعادي مذهباً عمره ١٤٠٠ عام،
وإن عاديتهم بوصفهم صفويين فأنت تعادي نظاماً سياسياً عمره ٥٠٠ عام،
وإن عاديت إيران الراهنة بأطماعها التوسعية فأنت تعادي نظاماً ثورياً عمره أقل من ٤٠ عاماً فقط.
فأيُّ مسوغات العداء أسهل لنا وأدعى لتحجيم العدو وتوسيع دائرة المحايدين؟!
مرة أخرى، كيف سنقاوم عدائية إيران؟
يمكن أن يكون هذا عبر مستويين: خفي ومعلن.
أما الخفيّ، فهو سحب البساط من زعامتها الدينية المزعومة، ليس برفع الراية السنّية ضد رايتها الشيعية، ففي هذا تكافؤ مذهبي يؤدي إلى تصغير وتحجيم الطرف الأكبر، كما أنه سيخلق مناخاً ملائماً لصراع طائفي ينبغي الحذر من الوقوع في أوحاله البشعة والقاتلة. فأبشع صراعات البشر هي الصراعات الدينية، وأبشع الصراعات الدينية هي الصراعات الطائفية، إذ كلما اقترب أدعياء الحق (الأوحد) من بعضهما زادت فرص العنف والدموية.
ولكن سحب البساط يتم بإلغاء قدرة إيران على المزايدة بالدين، عبر حجب رايتها الشيعية الطائفية براية الإسلام الكبرى، فإذا كانت إيران تدعو «دستورياً» إلى التشيع الضيق فنحن ندعو إلى الإسلام الواسع، وإذا كانت إيران تدافع عن الشيعة فقط فنحن نهتم بالمسلمين عامة. أما إذا كنا سنستجيب لتجاذبات الانغماس في دوائر دينية، مذهبية أو حزبية، أصغر فأصغر من الإسلام الكبير فنحن بذلك نكون قد ارتضينا المواجهة بالطائفية، ندّاً لندّ.
وأما المستوى المعلن، فهو إشاعة خطاب سياسي دولي ينشغل بمواجهة الأطماع (الإيرانية) في المنطقة، من دون استدعاء الصراع التاريخي العربي / الفارسي، أو السني / الشيعي. بل هو صراع مع (إيران) الدولة الراهنة التي لم تتوقف منذ أربعة عقود عن استخدام كافة الوسائل والشعارات للتغلغل والتدخل في شؤون الدول المجاورة بالمنطقة.
بمثل هذا الخطاب سنحيّد الأطياف الإيرانية المعارضة لمنهجية «الثورة» والمتضررة منها، وهي شرائح واسعة داخل إيران وفي المهجر. كما سنحيّد الأطياف الشيعية «غير الإيرانية»، ونوقظها من خديعة المظلة الإيرانية، المتحيزة حتى في نصرتها للشيعة.
وبعد،
إيران جارٌ لنا منذ آلاف السنين، وهذا قدَرنا. لكنها لم تكن عدواً لنا طوال هذه الآلاف من السنين. ما يعني أن الجيرة معها دائمة، والعداوة معها طارئة.
من هنا، من ثنائية الدائم والطارئ، ينبغي أن نرسم علاقتنا مع إيران. آخذين في البال حدود الحزم معها، لكن غير غافلين أبداً عن الاحتفاظ بخطوط الرجعة.
نقلا عن الحياة اللندنية