الحرب والعبث في تربية النشء
نلاحظ هذه الأيام اهتمام متزايد من قبل المنظمات بإشراك أطراف سياسية في معالجة قضايا التربية والتعليم، و آثار الحرب وأدوات العنف على تربية النشء وتعليمه، وإيصال المعرفة العلمية دون تدخل امزجه سياسية، وقضية استثمار المعلم في تحفيز الصراع القائم، وغسل ادمغة الطلاب بما يتوافق والمزاج السياسي، لجعل ساحة المدرسة بيئة صغرى لما يحدث في المجتمع من انقسام، وصراعات بينية، والعبث في تربية النشء وتعليمه، بما يخدم دوائر العنف وأدواتها وأهدافها المعلنة والغير معلنة.
الحروب الوطنية، يتفق أطرافها على تربية النشء على المواطنة، ويقف الجميع في مسؤولية أمام تحديات التعليم والتربية لخدمة المستقبل، وهو التحدي الوطني في ترسيخ قيم المواطنة والحريات والعدالة، وعدم المساس بالهوية والتاريخ والإرث التربوي والسياسي والاجتماعي، وهي قضية تستدعي كادر شجاع وقوي يتصدى لكل من يريد المساس في التربية والتعليم، والتدخل في شأن المدرسة والرسالة، والعبث بقيمها و أدبيات تربية النشء والأهداف الوطنية والقوانين الضابطة للعملية برمتها .
وفي الحروب الغير وطنية، للأسف تغيب النخب المتخصصة، ويجد المتعصبون والجهلة والمخالفين فرص العبث بكل شيء وعلى رأسها التربية والتعليم، ويبثون نزعات طائفية ومناطقية واثنية، تصيب تربية النشء بالضرر، يعتقد دعاة تلك الحروب أنهم يستطيعون من خلال المدرسة، غسل ادمغة التلاميذ، وبث نعرات، وفرز كراهية وعنصرية، وتغيير في الهوية، للتحريض والحشد ضد الآخر، دون علم ودراية كافية، يجدون أنفسهم في مواجهة حقيقية مع هوية وارث واصلة وتاريخ متجذر في الأسرة والمجتمع، والطالب جزءا اصيلا من تلك الاسرة وذلك المجتمع، مما يحدث حالة من التناقض في التربية الشخصية للفرد، يحدث مواجهة حقيقية ضد محاولات نزع المجتمع من هويته وتجريده من أصالته وتاريخه وإرثه .
التعصب مشكلة، تحدث تنويم للعقل، وجره الى ما لا يحمد عقباه، لا يهتم المتعصب بأثار تعصبه على تربية النشء، يهتم فقط في الوصول لهدفه، ويعتقد ان من خلال التعليم قادرا على صناعة النشء الذي يريده و يخدم تعصبه، ويعمل في تحفيز النزعات داخل المدارس، واستقطاب التلاميذ لصفة بالقوة، و سعى البعض من خلال المدرسة للترويج لازمة الهوية، حشو ادمغة التلاميذ بكم هائل من الاحداث والوقائع، معظمها مفبركة، فلا يجد التلاميذ فراغ ليستوعب أفكار قيمة، بل يتهيأ عقله لزراعة أفكار مدمرة، وكراهية وعنصرية بغيضة .
ما يحدث للتعليم يقدم بكل وضوح شكل واهداف الحرب، والعبث القائم اليوم كان في الشمال او في الجنوب،في المناهج، والعبث في امان واستقرار البيئة المدرسية، وتدخل قوى العنف في كل صغيرة وكبيرة، في فرض أفكار وسياسات وثقافات وهويات، والصراع عن النشيد والعلم، في إحداث تغيير في ارث واصالة المجتمع، لغرض استنساخه بشكل مغاير يلبي مزاج طائفي مناطقي اثني .
يبقى السؤال هل لدى المشاركين في النقاش الشجاعة الكافية للتطرق لمثل هذه التدخلات وآثارها السلبية على العملية، و وضع تقييم صادق وامين مع الذات قبل الاخر، أم أنهم سيعلقون كل الأخطاء على الاخر،و تقتصر حلقة النقاش في ذات المشكلة التي أنتجت كل تلك العيوب، وعبثت بالسياسات والأهداف والنظم .
نحن لدينا مشكلة في فهم التغيير، يعتقد البعض أنه مكلف في تجريف الماضي، وتجريد المؤسسات من قيمها وسياساتها وأنظمتها وأدبيات عملها، وعندما ينفذ هذا التجريف يقع في المحظور، يجد نفسه عاجزا على ضبط إيقاع التغيير، فتنهار المنظومة وينهار كل شيء، ويعجز عن البناء وتقدم المثل، ويبدأ التفكير المتخبط في البحث عن حلول، دون تقييم حقيقي وصادق وشفاف، يريد ان يصنع حلول تخدم مشكلته، ويبقى يراوح في ذات المعضلة، وهي صناعات المشكلات، والهروب للأمام من مشكلة المشكلة اكبر .
إذا كنا صادقين في عملية تصحيح وتجاوز آثار الحرب، علينا أولا ان نتوافق ان التربية والتعليم قضية وطنية، ورسالة سامية، يجب ان تكون بعيدا عن الصراعات البينية، وعبث الحرب، وتحييد المدرسة من ما يحدث على الواقع من صراع سياسي وعسكري، لنحفظ للجيل حقه في تربية وطنية طاهرة من صراعات السلطة والثروة والماضي، الصراعات الطائفية والمناطقية، وما يدور من ازمة هوية، يمكن ان يتفق يوما ما عليها السياسيين والعسكرين، وتضع الحرب أوزارها، ويبقى الجيل اكثر امان من آثار الحرب، النشء إذا تضرر من الصعب ان يستعيد عافيته بقرار سياسي واتفاق السياسي، ولهذا علينا ان نتلافى اقحام التربية والتعليم في صراعاتنا البينية، وأثرها على تربية النشء، وجيل المستقبل .