آراء ومواقف

هل تنشب حرب عالمية ثالثة؟

حبيب العزي

بينما كان وزراء الدفاع للدول المشاركة في التحالف الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يعقدون اجتماعهم في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل الخميس الفائت، كان رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيدف، يُطلق تهديداته، المبطنة بلغة التحذير لتلك الدول، أنها قد تتسبب في نشوب حرب عالمية جديدة، في حال قرّرت إرسال قوات برية إلى سورية، وكان يعني بذلك المملكة العربية السعودية وتركيا بالمقام الأول.

بينما كان وزراء الدفاع للدول المشاركة في التحالف الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يعقدون اجتماعهم في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل الخميس الفائت، كان رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيدف، يُطلق تهديداته، المبطنة بلغة التحذير لتلك الدول، أنها قد تتسبب في نشوب حرب عالمية جديدة، في حال قرّرت إرسال قوات برية إلى سورية، وكان يعني بذلك المملكة العربية السعودية وتركيا بالمقام الأول.
فقد قال في اللقاء الذي نشرته صحيفة هاندلسبلات الألمانية الجمعة الماضية: “يجدر بالأميركيين وشركائنا العرب التفكير ملياً: هل يريدون حرباً دائمة؟ وهل يعتقدون أن في وسعهم تحقيق انتصار سريع في مثل هذه الحرب؟ إن أي شيء من هذا القبيل مستحيل، وخصوصا في العالم العربي”، وقال أيضا “ينبغي إرغام جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بدلا من إطلاق حرب عالمية جديدة”.
ربما بدت تصريحات مدفيدف في ظاهرها رداً على تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التي جدد فيها استعداد بلاده لإنزال قوات برية في سورية لمحاربة تنظيم الدولة، ضمن التحالف الدولي، لكنها في باطنها تحمل بعداً آخر، أعمق بكثير من مُجرَّد التصريح العابر، خصوصاً وأنها ليست لموظف صغير، وإنما لمسؤول كبير، يُمثل أعلى هرم في السلطة، وتصريحاته حتماً تُعبِّر عن سياسات وتوجهات بلده، وما يجول في خواطر قادتها في المرحلة الراهنة.
الحروب الكبيرة لا تحتاج عادة سوى إلى شرارة صغيرة، تكون بمثابة الفتيل الذي يُشعل نارها، وساعتها إما أن يهب الجميع لإخماد تلك الشرارة، وردع من أشعل فتيلها، أو أنها ستلتهم الجميع، ففي الحرب العالمية الأولى، مثلاً، كانت الشرارة الأولى التي فجرت الحرب حادثة اغتيال طالب صربي ولي عهد النمسا مع زوجته، في 28 يونيو/حزيران عام 1914 في أثناء زيارتهما سراييفو.
قد تبدو هذه الحادثة بسيطة، لكنها بالمحصلة فجَّرت حرباً كونية، تسببت في خسائر بشرية ضخمة، تقدر بحوالي 8 ملايين من البشر يومها، كما فكَّكت أنظمة ودول وإمبراطوريات، وأسقطت عروشاً حاكمة، وغيّرت خارطة أوروبا بأكملها، وهي لم تكن سوى الشراة، وليست جوهر السبب.
وفي الحرب العالمية الثانية، كانت السياسات التوسعية للأنظمة الفاشية والدكتاتورية، ذات النزعة الشمولية، التي وصلت إلى سدة الحكم آنذاك، في دول، مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان، قد تسببت في نشوب تلك الحرب، وكانت شرارتها الأولى، عندما أمر الزعيم النازي، أدولف هتلر، قواته العسكرية بغزو بولندا، لينزلق العالم، بعد هذه الحادثة، إلى أعظم حرب دموية شهدها العالم في القرن العشرين، استمرت ست سنوات، وفاقت خسائرها البشرية 65 مليون إنسان.
التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية، وتسابقها لاقتسام النفوذ في العالم، والعمل على توسيع مجالها الحيوي، من خلال السيطرة على الممرات المائية، والأسواق العالمية، لتصريف فائض منتوجاتها الصناعية، ولأجل التزود بالمواد الأولية، فضلا عن دخولها في تحالفات سياسية وعسكرية، أدت إلى سباق تسلح بين تلك الدول المتنافسة، بغية تحقيق أهدافها التوسعية، كل ذلك مثَّل الأسباب الجوهرية، التي أفضت إلى نشوب تلك الحروب المُدمرة.
تلك الأسباب تتكرر اليوم، ما يعني أننا قد نكون بالفعل مُقدمين على حرب عالمية ثالثة، فالمعطيات هي نفسها، والذي تغير فقط هم اللاعبون وأرضية الملعب، إذْ كان اللاعبون الرئيسيون في الماضي فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان، وكان الملعب الرئيسي أوروبا، بينما اللاعبون اليوم هم الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من جهة، وروسيا وحلفاؤها من جهة أخرى، والملعب الرئيسي هذه المرة هو المشرق العربي.
روسيا بوتين اليوم، تُمارس سلوك ألمانيا هتلر قُبيل الحرب العالمية الثانية، فهتلر أشعل شرارة الحرب يومها باجتياحه بولندا، واحتلالها بالقوة العسكرية، وبوتين اليوم قد أشعل شرارة الحرب باجتياحه سورية، وهو الآن يحاول احتلالها بالأسلوب نفسه، الذي مارسه هتلر في العام 1939، وليس ثمة فارق بين الاثنين، فكلاهما “نازي”.
هل سيستطيع حُكماء العالم اليوم، إن كان هنالك بقية حكماء، أن يكبحوا جماح النازي الجديد الذي ارتدى عباءة ولي الفقيه، وهرول نحو المشرق العربي، وأن يضعوا حداً لمغامراته البائسة، ولكل النازيين الجُدد، الذين تلبَّسوا الرداء الطائفي، وأرادوا إغراق المشرق العربي ببحر من الدماء؟ أم سيجدون أنفسهم مجبرون على مواجهة تلك العجرفة، ووضع حد لذاك الجنون، مهما كلف الثمن.
وإذا ما انزلق العالم نحو تلك الحرب المدمرة، فهل سيكون مصير “النازي” الجديد، هو مصير القديم هتلر في 1945، وهل سيكون مصير إمبراطوريته مثل مصير الإمبراطورية الألمانية يومها؟ ثم هل سنرى سايكس بيكو جديدة بعد مرور 100 عام على الاتفاقية السابقة، وهل ستصبحُ خارطة الجنرال رالف بيترز “حدود الدم” لتقسيم المنطقة العربية والمشرق العربي واقعاً معاشاً، بعد أن كانت مجرد أفكار ونبوءات؟
تساؤلات كثيرة، يحار المتابع في إيجاد إجابات شافية لها، لكن الأيام ولربما الأشهر المقبلة قد تكون كفيلة بالإجابة عليها، وإنَّا لمنتظرون.
نقلا عن العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى