“الصراع الاقتصادي”.. ضرورة الوصول إلى هدنة اقتصادية بين الحكومة اليمنية والحوثيين
يمن مونيتور/ خاص:
خلص تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية إلى ضرورة أن تكون هناك هدنة اقتصادية بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إذ أن اليمنيين وحدهم يدفعون معظم ثمن الصراع الاقتصادي.
وتشير المجموعة إلى أن الصراع الاقتصادي يضع الحكومة المعترف بها دولياً، في مواجهة مع الحوثيين للسيطرة على موارد البلاد الطبيعية، والتدفقات التجارية، والأعمال والأسواق. وتلعب المؤسسات التابعة للدولة وغير التابعة لها التي تيسّر أو تعرقل التجارة، مثل المصارف، وسلطات الجمارك والهيئات الناظمة الأخرى، إضافة إلى الأجهزة الأمنية للطرفين، أدواراً داعمة. وتتمثل ميزة الحوثيين في هذا الصراع في سيطرتهم المتزايدة على المناطق والمراكز السكنية؛ وميزة الحكومة اليمنية في سلطتها القانونية الدولية.
ولفتت الأزمات الدولية إلى أنه ومنذ انهيار الهدنة الاقتصادية خلال عامي 2016 و2017، أصبح الصراع الاقتصادي أكثر حِّدة وأكثر ارتباطاً بالصراع العسكري.
وتتمثل أكثر ملامحه وضوحاً في انقسام المصرف المركزي إلى سلطتين متنافستين في صنعاء وعدن، في صراع قوّة للسيطرة على التدفقات التجارية والضرائب المترتبة على الوقود بشكل خاص، والانخفاض الحاد في قيمة الريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
ودفع انخفاض قيمة الريال إلى ارتفاع أسعار الضروريات المستوردة مثل الأغذية والوقود إلى أن أصبحت تتجاوز قدرة كثير من الناس. ونتيجة لذلك، تدور في اليمن رحى ما تقول الأمم المتحدة إنها إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. مع نهاية عام 2021، كان قد قتل في الحرب نحو 377,000 يمني، طبقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ومن بين هذا العدد، قتل الأغلبية ليس في القتال على الجبهات، أو بسبب القصف أو الضربات الجوية، بل بسبب الجوع والأمراض التي يمكن منع الإصابة بها، والأغلبية الساحقة منهم من الأطفال والنساء.
وتابع: أحدثت تكتيكات الطرفين في الصراع الاقتصادي أثراً عكسياً في كثير من الأحيان. فمبادرات الحكومة لانتزاع السيطرة على الاقتصاد من الحوثيين نزعت إلى الارتداد عليها، بشكل رئيسي لأن الحوثيين يسيطرون على المراكز السكنية الرئيسية في اليمن وبالتالي على أكبر أسواقها.
ورجحت أنه وبطبيعة الرهانات – أي بقاء الحكومة بحد ذاته – من غير المرجح أن تتراجع الحكومة عن الحرب الاقتصادية دون الحصول على تنازلات رئيسية من الحوثيين، الذين يعتقدون أن لهم اليد العليا في الصراع ولذلك لا يرون سبباً للمهادنة.
لقد حيرت التكتيكات الاقتصادية التي اتبعها الطرفان سلسلة من المبعوثين الأمميين الذين كُلفوا منذ عام 2015 بإنهاء الحرب. بصرف النظر عن محاسن ومساوئ المقاربة، فإن جهودهم ظلت مركزة على النواحي السياسية والعسكرية للصراع بينما اعتبرت الصراع الاقتصادي حبكة جانبية، حتى عندما كانت مرتبطة بشكل جوهري بقضايا سياسية محورية تقسم الطرفين. اتفاق ستوكهولم، الذي منع حدوث معركة للسيطرة على الحديدة، تحاشى معالجة القضايا الاقتصادية المهمة بدلاً من تسويتها. وقد تعثرت جهود بذلت لاحقاً لتسوية أزمة مأرب والحصار المفروض على الحديدة على نحو مماثل في معالجة تنازلات اقتصادية مقترحة مهمة بعمق على أنها “إجراءات بناء ثقة”.
وأضاف: ينبغي أن تتغير هذه المقاربة. ففي حين أن الأبعاد الاقتصادية للصراع اليمني ليست العقبات الوحيدة أمام السلام، يصعب تخيل توصل الطرفين إلى هدنة عسكرية دائمة إذا أخفقا في التوصل إلى هدنة اقتصادية بموازاتها.
المبعوث الأممي الجديد، هانز غروندبيرغ، الذي استلم مهام منصبه في أيلول/سبتمبر، ينظر في الكيفية التي يمكن لمكتبه فيها أن يعالج الصراع الاقتصادي. ولديه نماذج مفيدة يمكن أن يتبعها. في ليبيا، على سبيل المثال، أطلق مكتب مبعوث الأمم المتحدة مساراً منفصلاً للقضايا الاقتصادية التي تقع داخل إطار الجهود الأوسع لتسوية الصراع.
ينبغي على غروندبيرغ استعارة صفحة من هذا الكتاب، وأن يؤسس مساراً رسمياً لمعالجة التحديات الاقتصادية التي أصبحت متداخلة مع أصعب القضايا السياسية التي يختلف الطرفان بشأنها. وسيتمثل الهدف الملموس في التوصل إلى اتفاق يتعهد فيه طرفا الصراع بالتوقف عن العمل لإلحاق الأذى ببعضهما بعضاً اقتصادياً والتعاون لمصلحة اليمنيين العاديين الذين هم في أمس الحاجة للفرص الاقتصادية وخدمات أفضل.
في مطلع عام 2022، تصاعد الصراع على مأرب. ودون تقدم بشأن الاقتصاد، من غير المرجح أن يتمكن غروندبيرغ من وقف إطلاق النار. الكثير من نفس هذه العقبات التي تمنع التوصل إلى اتفاق والتي أعيت الوسطاء في مساعيهم للتوصل إلى وقف إطلاق نار عسكري سيعيق جهودهم للتوصل إلى هدنة اقتصادية. وحتى مع وجود دعم دولي – الذي ينبغي للجهات الفاعلة الخارجية بالتأكيد تقديمه – يواجه المبعوث مهمة شاقة. لكن من شبه المؤكد أن هذه المهمة ستكون أكثر عسراً دون جهد مخلص يسمح للوسطاء بتحقيق فهم أفضل ومعالجة القضايا الاقتصادية المرتبطة بشكل جوهري بالجهات السياسية الفاعلة في الحرب الأهلية في اليمن. بعد مرور سبع سنوات على هذا الصراع الوحشي، آن الأوان لمحاولة الاضطلاع بهذه المهمة التي تأخر الوقت أصلاً على معالجتها.