كان يمكن ليوم الـ21 من فبراير أن يبقى خالداً، وأن يتحول إلى ذكرى متوهجة بالنور في الذاكرة الجمعية لليمنيين، لولا أن صاحب هذا اليوم وهو الرئيس عبد ربه منصور هادي خيب ظن أكثر من ستة ملايين ناخب يمني ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في مثل هذا اليوم من عام 2012 بحثاً عن الخلاص الذي رأوه في انتخابه وتأييده.
كان يمكن ليوم الـ21 من فبراير أن يبقى خالداً، وأن يتحول إلى ذكرى متوهجة بالنور في الذاكرة الجمعية لليمنيين، لولا أن صاحب هذا اليوم وهو الرئيس عبد ربه منصور هادي خيب ظن أكثر من ستة ملايين ناخب يمني ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في مثل هذا اليوم من عام 2012 بحثاً عن الخلاص الذي رأوه في انتخابه وتأييده.
كان الجميع يدرك أن هادي خرج من عباءة صالح ومن التنظيم السياسي الهلامي والفاسد ذاته وأعني به المؤتمر الشعبي العام، لكنهم كانوا على يقين أن مجيء الرئيس هادي إلى السلطة عبر الانتخابات يعني تجاوز عقبة كأداء وهو الإطاحة بصالح دون أن يضطر اليمنيون إلى خوض معركة قاسية كالتي يخوضونها اليوم.
لماذا إذا تبدلت الأحوال واضطر اليمنيون إلى خوض المعركة؟ الإجابة ببساطة لأن الذي انتخبوه رئيساً خذلهم، وسلك طريقاً التفافياً على الثورة والتغيير، وإن ادعى أنه يدعم الثورة أو يتبناها.
قبل الـ19 من يناير 2015 كان الرئيس هادي لا يزال يراوغ تجاه ثورة فبراير ورجالها ومكوناتها السياسية، إلى أن بدأ التحرك العسكري الفعلي للإطاحة به.. فمنذ ذلك اليوم أصبح الرئيس نفسه هدفاً للحوثيين وصالح وانقشع الغطاء الذي وفره الغرب للرئيس، ما اضطره إلى أن يسلك طريقاً آخر انتهى بالتدخل العسكري لدول التحالف العربي.
ومع كل ما يمكن أن نقوله، فإن يوم 21 فبراير 2012، سيبقى محطة في تاريخ مضطربٍ ودامٍ عاشته اليمن في النصف الأول من العشرية الثانية للقرن الواحد والعشرين، لن يمر مرور الكرام، وأملنا أن يسعى صاحب الرئيس هادي لترميم الثقة التي تصدعت كثيراً بقدراته كرئيس.
فلم يكن أكثر المحللين دهاء ليتوقع أن الرئيس يمكن أن يكون جزءً من خطة تمكين فصيل طائفي يحمل مشروعاً إمامياًإقصائياً، وهو يعلم خطورة خطة كهذه على كرامته الرئاسية ووجوده الشخصي أولاً، وعلى مستقبله السياسي ثانياً.
كان مئات الآلاف في الساحات يهتفون بحياة الرئيس هادي، بينما كان هو يمضي في خطة إسكات هذه الأصوات، رغم علمه أن هذه الأصوات السلمية حينما تسكت، فإن البديل سيكون الحرب، وسيصبح صوت الرصاص هو اللغة التي يتخاطب من خلالها اليمنيون، وهو الذي يحصل اليوم تماماً.
بعد عصر الرابع والعشرين من أغسطس 2014 تجمع في غضون ساعة تقريباً مئات آلاف اليمنيين وكنت واحدا منهم في شارع الزبيري بصنعاء، فيما اعتبر أكبر تجمع لليمنيين منذ بدء ثورة الحادي عشر من فبراير، وكانت تلك المسيرة قد نُظمت أصلاً للتضامن مع السلطة الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي، وضد التحركات العسكرية لقوات المخلوع صالح والحوثي على مشارف صنعاء.. وفي هذه المسيرة رفعت آلاف الصور للرئيس هادي وأعلام الجمهورية، ولافتتات تحمل عبارات التأييد للرئيس.
ولكن للأسف تبخرت تلك المسيرة، تماماً وانتهى تأثيرها لأن الرئيس لم يلتفت إليها ولم يوظفها بالشكل المناسب، وتم الغدر بكل الذين اندفعوا تلقائياً إلى تلك المسيرة، كما تم الغدر بكل الذين نذروا أنفسهم للتغيير من سياسيين وعسكريين ورجال أعمال وناشطين.
يا إلهي ما الذي حدث وكيف حدث، ولماذا تحول الفعل السلمي الهادر إلى هذه الأصوات المرعبة، ولماذا تحولت المسيرات إلى معارك، ولماذا تحولت الخطب إلى قصف بكل أنواع الأسلحة.
لماذا تحولت الأماني الكبار إلى دموع حارة في وجوه الأحرار؟.
شخصياً لن أفقد الأمل في هذا التاريخ فقد كان محطة أساسية في تحول دراماتيكي، ولا يزال لدي أمل في أن الرئيس ربما يمضي في الطريق الذي ينتهي بنا إلى الدولة اليمنية الاتحادية، كما وعد.
سأنتظر ومعي ملايين اليمنيين اللحظة التي يعود فيها علم الجمهورية فوق مران، بعد أن تغلق الكهوف إلى الأبد..
لن نحاكم التاريخ ولن نحاكم أنفسنا، فقط سنستفيد من هذا الدرس ونودعه ذاكرةَ الأجيال لكي يتنبهوا إلى أن يحذروا كثيراً في المستقبل لأنه في ثنايا النوايا الحسنة يكمن أحد الأوغاد.