صفحةٌ من وجعٍ جديد!
افتخار عبده
على عجل فتحت صفحةً جديدةً من الدفتر الذي خصصته للذكريات الجميلة، كان الوقت يأخذني بكل عجالة وأنا متحمسة بكل قواي الذهنية أحاول أن أكتب عن المشهد الجميل الذي رأيته صباح اليوم، المشهد الذي بحثت عنه كثيرًا في هذه المدينة الموجوعة.
كان اليوم جميلًا للغاية، هكذا بدأت كتابتي لقصة اليوم واصفةً المشهد الذي رأيته صباح اليوم وعند كلمة للغاية توقفت كثيرًا فقد عصفت بي الأفكارُ وطافت بي على كل وجع وقفت عليه عيناي وسمعت به أذناي.
ما الجميل الذي ستدونيه أنت يا امرأة؟! ما هذا الهراء الذي تقومين به أنت؟!، سمعت صوتًا جاءني من بعيد ليمنعني مما أقبلت عليه، تلفت يمنةً ويسارًا علَّني أرى مصدر هذا الصوت ولم أجد شيئا سوى السراب، عندها زارني الخوف لكني لم آبه له!
عدت وقتها لمواصلة ما بدأت به فكتبت: رأيتها تضحك، وظهرت أمام ناظري صورة تلك الصغيرة التي رأيتها في الشارع وهي تضحك لأنها حصلت على حصة لا بأس بها من الحلوى، كانت تضحك بصوت كبير ترقص في الشارع بكل سرور وكأنها قد فازت بشيءٍ عظيم ليس قطعة حلوى وحسب، فقد مر عليها زمن طويل لم تذق فيه طعم الحلوى، في تلك اللحظة قلت في نفسي: لا داعي لأن أسألها كم من الزمن قد مر عليها لم تذق فيه الحلوى، يكفي أن تستمر بهذا الجمال الفريد الذي تتمتع به الآن، لا داعي لأن أكسر هذا الجو الجميل وأحيله إلى وجع كبير فقد وقعتُ كثيرًا في مواقف أصابتني بالحزن الشديد لأني قمت فيها بتقديم أسئلة كانت مفتاحًا لباب كبير من الأوجاع.
مشهدُ اليوم جميل جدًا بعيد عن تناقضات الحياة، من حقي أن أكتبه في دفتر الذكريات الذي هجرته منذ زمن بعيد، حملت القلم مرة أخرى لأواصل وسرعان ما طافت أمام ناظري صورٌ كثيرة للمأساة التي عاتشها وتعيشها بلادي منذ أن أطلقت أول رصاصة للحرب التي معها ذهب كل ما هو جميل بهذا الوجود، مشاهدُ مرعبةٌ تمر أمامي لكأني حينها أشاهد فلم رعب أبدع فيه المصورون ليثيروا غضب المشاهد وانفعاله، وليبثوا في قلبه الحزن الكبير.
لم أستطع الكتابة بعد ذلك، تركت ما بيدي وهرولت كالتي يلحقها الموت.
صفحة جديدة كنت قد فتحتها، في بداية عام جديد وقد كنت متحمسة كثيرًا لفتحها، لأكتب فيها شيئا جميلًا أقدر على أن أقرأه في المستقبل على أولادي لكني لم أكتب فيها سوى جملتين قصيرتين فقط” كان اليوم جميلًا ” وجملة أخرى “كانت تضحك” وما بين الجمال الفريد والضحك المريح، مأساة لا يقوى عليها أحد، عشت تلك المأساة جملة واحدة وأنا أتذكر ما مر به وطني الحبيب خلال السبع السنوات العجاف التي مرت وأذاقت هذا الشعب المرارة كلها وهو متمسك بالأمل المفقود، يخبر ذاته أن غدًا سيكون أجمل، وأن غدًا ستفرج بإذن الله، لم تكن صفحة فرح بل كانت صفحةً من وجعٍ جديد.