لم تكتف المليشيات الحوثية باعتقال وإخفاء آلاف اليمنيين من دون أي مبرر قانوني، بل لجأت إلى اختطاف موظفين أممين يعملون من داخل اليمن، ولا تهمة لهم سوى أنهم قرروا المخاطرة بأرواحهم في بلد مضطرب، من أجل تخفيف آثار النزاع على ملايين المتضررين من الانقلاب الذي قام به الحوثيون أيضاً.
وبما أنّ شرّ البلية هو واقع الحال المضحك على الدوام في اليمن، باتت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي كانت تطالب الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين اليمنيين في سجون صنعاء، تعرب عن قلقها هذه المرة إزاء انقطاع التواصل مع أحد موظفيها، والذي تم احتجازه في صنعاء منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، مع موظف آخر يعمل لدى منظمة اليونسكو.
الإخفاء القسري لاثنين من موظفي الأمم المتحدة منذ شهرين، ودهس كافة الحصانات الممنوحة للطواقم الأممية التي أقرها القانون الدولي، لم يكن أمراً صادماً، بل نتيجة متوقعة من مليشيات لديها سجل مرصع بأبشع الانتهاكات ضد العمل الإنساني ووكالات الإغاثة.
طيلة السنوات السبع الماضية، شنّ الحوثيون انتهاكات لا حصر لها ضد الطواقم الإنسانية. وبما أن الوكالات الأممية كانت تفضّل الصمت، أو ترضخ للابتزاز والمساومة حرصاً منها على الوصول للمتضررين، دفعت الثمن بشكل قاس هذه المرة، وظهرت كرقم جديد في دفتر الانتهاكات الحوثية.
كما هو الحال في تعاملها مع اليمنيين الذين تُصدر بحقهم أحكاماً بالإعدام بناء على منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، وتمنع أهاليهم من معرفة مصيرهم، تطبّق جماعة الحوثيين هذا النهج المليشياوي الذي لا تحترفه سوى عصابات مارقة، مع الأمم المتحدة وموظفيها.
وفقاً لبيان مشترك صدر عن المديرة العامة لليونيسكو ومفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أواخر الأسبوع الماضي، فإن الأمم المتحدة لم تتلق منذ شهرين أي معلومات حول الأساس القانوني لاحتجاز الموظفيْن أو وضعهما الحالي، على الرغم من تأكيدات سابقة من الجماعة بالإفراج عنهما.
إذا كانت الجماعة لا تنصت للدعوات الأممية، فكيف ستلتفت لمناشدات آلاف الأسر اليمنية المقهورة على أطفالها أو معيلها الوحيد. المعتقلون كنز بالنسبة لمليشيا تنظر إليهم كرهائن، وتجني من ورائهم مكاسب متعددة.
مثلاً، اليمنيون الذين تصطادهم من حواجز التفتيش على مداخل المدن أو بعد مداهمات لمنازلهم، تبادلهم مع أسرى حرب لدى القوات الحكومية، والأمميون أو الرعايا الأجانب، تستغلهم كأوراق سياسية لابتزاز الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
اختطاف الطواقم الأممية، ليس الانتهاك الوحيد الذي يتعرّض له عمال الإغاثة، هناك عشرات الحوادث التي لا تجد طريقها إلى وسائل الإعلام.
وخلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، كشف تقرير أممي عن 511 حادثة، أي بزيادة بلغت 49 في المائة عن حوادث مُبلّغ عنها في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين.
تبدأ الانتهاكات بالعرقلة المتعمدة في إعطاء الموافقة لتنفيذ اتفاقيات مشاريع إنسانية للمنظمات، ورفض منح تصاريح سفر، ولا تنتهي عند التعنت على حواجز التفتيش أو فرض قيود على حركة الموظفات اليمنيات اللواتي يُمنعن من السفر من دون محرم، في إجراء رجعي يعود للعصور البائدة.
تتعامل المليشيات مع الطلبات الأممية بالحصول على تصاريح زيارة إلى محافظات حجة وصعدة والحديدة بتشديد أمني، وكأن وكالات الإغاثة طلبت زيارة منشآت نووية وليس مجتمعات فقيرة تعاني من سوء تغذية.
أيضاً، دائماً ما يتم تخوين المنظمات واتهامها بالعمالة، حتى أنّ منسق الشؤون الإنسانية في اليمن ديفيد بيزلي كان هدفاً لهجوم ناشطين حوثيين خلال الأيام الماضية، والسبب أنه قام بزيارة مطار صنعاء قبل يوم من غارات جوية للتحالف، ولذلك هو في نظرهم من حدّد إحداثيات المواقع للمقاتلات الحربية.
سلوكيات الحوثيين لا تشوّه اليمن كبلد محكوم بالعصابات المسلحة فحسب، بل تتسبب أيضاً بتوقف مئات المشاريع الأممية وتقليص المساعدات وحرمان الملايين من مواد الإغاثة.
*نشر أولاً في “العربي الجديد”.