كلما تقمص المتفائلون دورا إيجابياً لانتهاء الحرب والذهاب لتحديد فترة زمنية على نحو المعطيات الميدانية، وجدوا أنفسهم أمام باب فولاذي كنهاية لطريق مسدود.
كلما تقمص المتفائلون دورا إيجابياً لانتهاء الحرب والذهاب لتحديد فترة زمنية على نحو المعطيات الميدانية، وجدوا أنفسهم أمام باب فولاذي كنهاية لطريق مسدود.
قبل يومين قال إسماعيل ولد الشيخ، في كلمته أمام مجلس الأمن “إن التباعد في وجهات النظر بين طرفي الأزمة ما يزال عميقاً”، أي أن القريب للطرفين حالياً لا يزال لغة المدافع.
بمقدور الحوثيين أن يعلنوا الانسحاب، وفقاً قرار مجلس الأمن، والفاعلون المحليون والدوليون لن يتركوهم خارج أسوار القصر الرئاسي لكن عقيلة مع “ربي جهادي”، و”نحن المجاهدين لا يمكن أن ننهزم”، هي من جعلتهم يكابرون عن قرار وقف هذه الحرب الانتحارية.
بالمقابل لا يمكن أن يعود، بنظر الرياض، عبدالملك لخطبه المتشنجة والذي أقنع نفسه أن المملكة قائمة تحت رحمته، أو إعادة تنصيب منصات الصواريخ في جبال صعدة وعلى بعد 30 كيلو من أراضي المملكة، ما لم يرجع الحوثيون جماعة محلية بدون عمامة طهران.
قبل أشهر قال عبدالملك إنه سيقاتل خصومة حتى يوم القيامة، بصورة تعبر عن مشهد حقيقي، فعلاً، نابع من منهجية ترسخت منذ دخول الزعيم الأول الإمام الهادي الرسي، وتنصيب نفسه ملهما لليمنيين ومن خالفه كفره وأمر بقتله مرورا بعهد الإمامة وحتى عهد الحوثي، وانتهاء بأجيال سلالية تشرب من نفس الكأس لتواصل الحرب المقدسة إلى قيام الساعة!
أقنع الحوثيون أنصارهم أن مخالفيهم كفار، كما ظهر من فتوى محمد المطاع ولذلك سيقاتلون كل اليمنيين باعتبارهم أخوة لـ”نيكولاس” الأمريكي زعيم “بلاك ووتر” الذي أعلنوا أنهم قتلوه في قاعدة العند.
ستستمر المعركة وإن انتهت بشكلها التقليدي، فستظل باقية، فما قام به الحوثيون من شحن عدائي صنعوه بين أوساط الناس في الهضبة الجبلية كفرز مناطقي مذهبي ضد المناطق الوسطى والجنوبية سيخلف معركة هوياتية مناطقية لسنوات قادمة.
ليس الحوثيون وحدهم من يفقد الأمل بسببهم في وقف الحرب على المدى القريب، بل تعقيدات المشهد الإقليمي وما يحمله من تداخل بطابع اللؤم بين الكبار هو ما يجعل وضع اليمن ضمن هذا النوع من البؤس الدائم.
قبل سنتين تقريباً، قالت مندوبة قطر في الأمم المتحدة إن هناك مؤامرة على اليمن، عبر مقايضة الملف اليمني بالملف السوري، وعلى اليمنيين أن يقاوموا هذه المقايضة التي تتبناها دول إقليمية ودولية.
بمعنى، إن مشكلة اليمن أصبحت جزءاً من مشكلة إقليمية مرتبطة بمصير السلم، أو بقائها في الحرب، ضمن هذه المقايضة التي حولتنا إلى أشبه ببيع وشراء في سوق النخاسة الدولية.
لا يمكن لأحد أن يعتبر اليمن بمنأى عن هذه الحقيقة، فإيران تريد أن تقول للرياض، منذ أن وصلت الثورة السورية إلى أسوار دمشق؛ اتركوا لنا سوريا وسنترك لكم اليمن، فسوريا خط أحمر كما تقول طهران أكثر من مرة، وأما اليمن فسنتعامل مع الحوثيين كما تعاملنا معهم بعد الاتفاق النووي حين وصلت له البضاعة الفاسدة القادمة من ميناء “بندر عباس”.
يتعامل المجتمع الغربي، أيضاً، بنفسٍ طويل مع مشكلة اختطاف الحوثيين للقرار السياسي من أكثر من سنة، ويقتصرون على إدارة الصراع فقط وليس التحول إلى الفعل والحل السياسي، وهو ما بدا واضحا منذ قرار مجلس الأمن الذي يتعامل مع الحوثيين كرضيع وليس كلمليشيات، كانت يوماً تستخدم الطيران لقصف القصر الرئاسي في عدن.
وعلى حد توصيف الكاتب السعودي “جمال خاشقجي” فإن أمريكا تتعامل بسياسة النأي بالنفس عن الصراع في المنطقة، ليس لتجنب بلدها الحروب ولكن بدا واضحا أنها سياسة مدروسة ومبيته بليل لاستمرار الصراع.
لنقول إن مصير الاستقرار باليمن مرتبط بالاستقرار في سوريا، كما يراد أن يكون، كيف لنا أن نتخيل ذلك وسوريا كما تقول الأمم المتحدة تحتاج إلى 18 شهراً لبدء حوار للحل السياسي، أي بعد أن تنجز المهمة الدولية لإضعاف قوى الثورة واخضاعها في الأخير على رُبع حل وبشكل مفروض لا اختياري.
هذا شيء لا يحتمل، ولا بمقدور أكثر من 20 مليون مواطن يحتاج لمعونة وفقاً للأمم المتحدة أن يتحمل أكثر، لكن معطيات الوضع تؤكد أن الحلول لا زالت مستبعدة ومن كان قد وضع حجرا على بطنه فليربط حجراً أخرى.