باستثناء تأكيد المبعوث الاممي على ارتفاع “عدد الصواريخ التي أطلقت دون تمييز على أراضي المملكة العربية السعودية”، وأنه “لا زال التباعد في وجهات النظر عميقاً بين الجهات اليمنية مما يدعوني إلى التريث في الدعوة إلى جولة جديدة من محادثات السلام”، لولا هاتين العبارتين في الإحاطة لظننت أنني استمع إلى مندوب الحوثي – صالح في مجلس الأمن.
لم تكن الاحاطة التي قدمها اسماعيل ولد الشيخ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن البارحة إلى مجلس الأمن أكثر من خطاب هزيل مع صياغة ركيكة، ومحتوى مكرر مع بعض الإشارات الخطيرة التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأداء الرخو للأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مستمر، وأن الرهان على الأمم المتحدة في حل القضية اليمنية هو رهان باطل سيكون مآله كسابق القضايا التي تعاملت معها الأمم المتحدة في تاريخها.
لعل أخطر ما ورد في الإحاطة، إغفال المبعوث الاممي لقرار مجلس الامن 2216 ، ففي الوقت الذي يجب ان تتمحور فيه مهمة ولد الشيخ في حث والضغط على الاطراف لتطبيق هذا القرار الذي يعتبر خارطة طريق لحل المشكلة اليمنية، تعامل المبعوث الاممي مع القرار بوصفه “توصيات قرار مجلس الأمن 2216″، ليحول القرار الصادر بالإجماع وتحت البند السابع إلى مجرد توصيات وعلى المفاوضات أن “تستند إلى أبرزها “، وهو هنا يفرغ القرار الاممي من محتواه أولاً باعتباره من وجهة نظره مجرد توصيات، ومن جهة اخرى فلن يتم الأخذ بكل تلك “التوصيات” وإنما بأبرزها، وهو هنا يتناغم كليا مع رؤية الانقلابيين.
من الإشارات الخطيرة جداً في الإحاطة، تأكيد المبعوث الاممي ولد الشيخ “أن النزاع في اليمن سياسي” في مساواة فجة بين الشرعية والتمرد، وليخالف كلياً التوصيف الاممي للحالة اليمنية التي وردت في جميع القرارات الاممية ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2216، ويضع نفسه أيضا في جانب الاعتراف بالميليشيا المسلحة التي أغارت على الدولة واستلبت المؤسسات، ومثل هذا التناول يصب أيضاً في جهود تفريغ القرار الاممي 2216، والاعتراف بسلطة الأمر الواقع كسلطة سياسية، لها خلاف سياسي فقط مع الشرعية اليمنية..
يحاول ولد الشيخ أن يظهر محايداً في جميع إحاطاته وتصريحاته، لكنه يفشل في ذلك، ليظهر مراوغاً ومتناغماً مع أداء الانقلابيين، ويجتهد في تمييع كل ما يصدر من الميليشيا الحوثية وحليفها صالح من انتهاكات.
في هذه الاحاطة يحسن كثيراً في تعداد تلك الانتهاكات وتوصيفها فـ” اليمنيون يعانون وبشكل متواصل ومتزايد من انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”، و”الحريات الأساسية لليمنيين، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، تنتهك بشكل مستمر. فحالات التعرض للناشطين المدنيين شهدت ارتفاعاً ملحوظاً وارتفع معها عدد التقارير عن التعنيف والاعتقال القسري للإعلاميين”. وهو يضيف إلى ذلك جرائم القصف العشوائي للمدنيين، والقتل والتعذيب والاختطاف والحصار والتجويع، لكنه بعد كل ذلك يتوقف عن تحميل أي طرف مسؤولية تلك الانتهاكات، في محاولة واضحة لتزييف الحقائق وخداع الرأي العام الدولي، ومع أن الممارسين لتلك الانتهاكات معروفين لـ”ولد الشيخ” ولكل ممثليات المنظمات الدولية في اليمن.
كثيراً ما بدا ولد الشيخ مغرماً بتحقيق الانجازات الوهمية، والتضخيم منها، وهو في هذه الاحاطة يعتبر أن بضع أطنان دخلت إلى تعز تعتبر كسراً للحصار واستجابة من ميليشيا الحوثي وصالح لتعهداتهم للأمم المتحدة في رفع الحصار عن تعز، وينطبق ذلك على مسألة المعتقلين الذي يعتبرها ولد الشيخ خطت خطوات هامة بإطلاق أحد الوزراء ووضعه تحت الإقامة الجبرية، هذا السلوك انعكس سابقاً على اصرار المبعوث الاممي على عقد جولات من المشاورات دون تحقيق الحد الأدنى من شروط نجاحها، فهو يعتبر مجرد وصول الفرقاء إلى دولة المشاورات نجاحاً يجب أن يمتن له العالم، وقد اضطر للاعتراف بهذا الخطأ في لقاءات سابقة، لكنه يبدو مصراً على الاستمرار فيه.
لقد أحجم المبعوث الاممي في هذه الاحاطة – كما في احاطات سابقة – وهو يتحدث عن استجابة الأطراف المختلفة للعودة لطاولة المفاوضات والمسار السياسي، أن يشير إلى أن الحوثي – صالح هم من يرفض ذلك، وأن الطرف المتعنت ليس على الاطلاق الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي، مع أنه يؤكد في كلمته أن الحكومة الشرعية ودول التحالف تتعامل بإيجابية مع كل مساعيه لعقد جولة جديدة من المفاوضات، في تواصل لعدم الشفافية في أداء “ولد الشيخ” ومن ورائه الامم المتحدة، ما يعطي الحوثي – صالح مساحات للمراوغة والرهان على ضعف الموقف الدولي أو بالأصح على عدم رغبته في فرض تطبيق جاد لقراره.
باستثناء تأكيد المبعوث الاممي على ارتفاع “عدد الصواريخ التي أطلقت دون تمييز على أراضي المملكة العربية السعودية”، وأنه “لا زال التباعد في وجهات النظر عميقاً بين الجهات اليمنية مما يدعوني إلى التريث في الدعوة إلى جولة جديدة من محادثات السلام”، لولا هاتين العبارتين في الإحاطة لظننت أنني استمع إلى مندوب الحوثي – صالح في مجلس الأمن.