الروائي اليمني مجدي صالح: الخلافات اليمنية اليوم مصطنعة والتاريخ ينفي ذلك
يمن مونيتور/القدس العربي
على الرغم من عدم وجود قواعد متفق عليها لضبط العلاقة بين الرواية والتاريخ، إلا أن الروائي اليمني مجدي صالح استطاع في روايته «رحلة الأسرار المدفونة» خلق حالة من التوازن، ما بين الخيال السردي والحدث التاريخي.
تدور أحداث الرواية في منتصف القرن التاسع عشر، في الفترة التي شهد اليمن فيها تنافسا استعماريا بين الفرنسيين والبريطانيين. وتتمحور أحداثها حول رحلة المؤرخ اليهودي الفرنسي جوزيف هاليفي إلى اليمن، وما حملته من مقاصد كشفية بنوايا استعمارية، في حين أن قسما من الباحثين يرون أن السر الحقيقي وراء رحلته، ما هو إلا التمهيد للمؤتمر الصهيوني الأول، الذي انعقد في سويسرا سنة 1897. وتأتي هذه الرواية بعد ثلاثة أعمال سابقة هي.. «رجل السماء الأول» «رواية 2011» و»فضيحة الحب الواحدة بعد الألف».
في هذا الحوار يتحدث صالح عن عالمه الروائي والقضايا المتعلقة به…
□ كيف ترى العلاقة بين السرد القرآني والسرد في الرواية التاريخية؟
■ يعتبر السرد القرآني بنية سردية كبرى، فالعناصر السردية في القرآن الكريم حددت الوظائف والزمان والمكان والعوامل والحوار، وكذلك مستويات السرد، من إنشائي وإيقاعي ودائري وإضماري. في حين أن السرد في الرواية التاريخية يتدخل فيه خيال الكاتب لإكمال الحلقات المفقودة في جوهر الحكاية، وفي كثير من الأحيان يجد الكاتب نفسه مضطرا لبناء شخصية وخلقها، ليَعبرَ من خلالها نحو الحدث التاريخي وتكوينه في قالب روائي؛ فالحدث التاريخي في الغالب ملخص دون تفاصيل دقيقة، كونه أساس البناء من جهة، ومن جهة أخرى يتطلب قدرات ومهارات وخيال في البناء، دون ترك أي خلل في البنية.
□ ومتى تعتبر الوثيقة التاريخية عائقا أو محفزاً أمام الخيال السردي؟
■ تعد الوثيقة التاريخية الحساسة عائقا أمام الخيال السردي لدى الباحث المؤتمن الذي يشتغل على إبراز الحقيقة دون تشويه أو تضليل؛ فالروائي المحترف هو الذي يُغلب مصلحة المعلومة التاريخية على مصلحته الشخصية المكتسبة، وينجح في جعل الخيال السردي خادما للمعلومة التاريخية وليس العكس، ليولَدَ نص بديع يقدم معلومة غير مزورة وخيالا سرديا مكتمل البناء، فالعوالم السردية تتسع حسب كمية المعلومات المتوفرة في طي الوثائق التاريخية.
□ لماذا كشفت عن فحوى الرواية من الناحية التاريخية في بداياتها؟
■ انتهجت الرواية أسلوب (الرحلة) فكان لزاما عليّ السير بها منذ البداية بناء على كم الوثائق والمعلومات التي وصلت إليها؛ حيث أن التسلسل الزمني للرحلة لا يصح الإخلال به، حتى لا تتشوه المعلومات والحكايات المتتالية في جوهر الرواية.
□ يتمتع جوزيف هاليفي بشهرة أكبر من بقية الباحثين اليهود والغربيين، الذين زاروا اليمن في تلك الفترة، لماذا؟ وما هو الدور الذي لعبه في المنطقة؟
■ هو كان الأذكى، لأنه دخل اليمن بشخصية متسول مقدسي، وبذلك استطاع الوصول إلى مناطق لم يصل إليها أي أوروبي من قبل. والنقطة الأخرى أنه عاد لفرنسا بمخطوطات أصلية ومنسوخة كان لها صدى واضحا لدى المهتمين من الغربيين بالتاريخ اليمني. وصل هاليفي إلى مناطق يمنية معقدة، حاول غيره الوصول لها، لكنهم قُتلوا ودُفنوا هناك، فاليمني كان يعتقد أن الغربي القادم إلى مناطقه ليس له أي قصد غير رسم الطرقات وتسليمها للغزاة، بهدف غزو بلادهم، وهذا كان سببا رئيسيا لأبناء بعض المناطق لتدمير الحصون والقلاع التاريخية، حتى لا يدخل أي غربي أرضهم، ولو لم يكن له دليل يمني لبيب، وعالم في شؤون القبائل، ولو لم يكن متنكرا بشخصية متسول ضعيف لقُتل في أول جولة. في الواقع، لا يُخفى على أحد توجهه السياسي والديني ودراسته لحالة يهود المنطقة، وخدمة الرؤى الفرنسية للمنطقة.
□ وهل نجح الرجل في مهمته التي أرسله من أجلها الفرنسيون؟
■ نعم، نجح إلى حد كبير، فيكفي أن فرنسا لم تتورط في استعمار اليمن، حيث انتقلت للجهة الافريقية المقابلة لسواحل اليمن، حيث الهدوء الذي لا تجده في أراضي اليمن، في الواقع إن أهم نصيحة تلقاها الفرنسيون في خضم الصراع العالمي على باب المندب، هو شراء ذمم المتنفذين من شيوخ القبائل اليمنية آنذاك، وكان لهذه النصيحة مردود إيجابي للفرنسيين، حيث أمسكوا بخيوط يتم تحريكها عن بُعد.
□ ولماذا أغفل هاليفي دور الحاخام والعالم اليهودي اليمني حاييم حبشوش؟ ولماذا تنكر لـ»سعيدة» الفتاة اليهودية اليمنية؟
■ إغفاله لدور الحاخام اليمني حاييم حبشوش، له جانب أناني وتقزيم لشخصية اليهودي اليمني والعربي، حيث وصف دليله الحاخام حبشوش بالعربي سيئ الصيت، بالإضافة إلى حب الذات في شخصية هاليفي؛ فقد رأى أن يُنسب النجاح لنفسه ليظهر بمظهر البطل والمغامر الذكي. هاليفي الباحث والرحالة والمغامر، كان من ضحاياه أيضا، فتاه يهودية اسمها سعيدة، التي ذبحت على يد أقاربها بسببه، وكان يمكن إنقاذها لولا أنانية هاليفي، ليقف عائقا أمام شهامة اليمني حبشوش، لقد قُتلت سعيدة اليهودية مقابل استمرار رحلة هاليفي ونجاح مهمته.
□ تُفصح الرواية عن تنميط غربي للشخصية اليمنية بما فيها الشخصية اليهودية اليمنية، ما الذي كان يريده الغرب من يهود اليمن؟ وهل نجحوا في ذلك؟
■ لا شك أن النظرة الغربية في القرن التاسع عشر لليهودي اليمني، فيها استعلاء وتكبر وتقزيم، أما اليهودي اليمني فله وضع خاص، كونه متمسكا بيمنيته، رغم خداعه بالهجرة ووعده بمغريات وهمية، يهود اليمن كانوا حرفيين ومهنيين ومع ذلك تم إسكانهم جماعيا في إسطبلات الخيول دون أغطية بعد هجرتهم، وهذا يبين لك مدى سوء النظرة الغربية لهم.
□ ما أهمية معرفة تلك الفترة المهمة من تاريخ اليمن والمنطقة في وقتنا الحالي؟
■ للأسف الشديد، لا يوجد اهتمام في تفاصيل تاريخ اليمن بالذات في تلك الفترة، فالأحداث المنقولة غير مكتملة أو مبعثرة، وهي تحتاج لجيل من الروائيين والمؤرخين لجمعها وتحليلها، وإعادة سردها لتخدم القارئ، ولتعرفَ اليمني بتاريخه بشكل دقيق دون توهان في تواريخ قديمة مصطنعة، من أجل خدمة طرف سياسي ما. ومن المعروف أن تاريخ الإنسان اليمني هو فيض من النخوة والتعايش والاحترام لقوانين قبلية ما تزال حية في وجدانه، وجميعها جزء من قيمهم المثلى، فمثل هذه الثقافة وهذا التاريخ ما هو إلا لبنة للتعايش اليوم وللمستقبل، ويجب على المجتمع اليمني معرفة أن الخلافات الحاصلة اليوم، ما هي إلا خلافات مصطنعة؛ الاختلافات والتنوعات ميزة للإنسان اليمني القديم.