تعز اليمنية.. رحلة مضنية في سبيل البحث عن ” شربة ماء” (تقرير خاص)
يمن مونيتور /افتخار عبده
بعد أن كان العيش في المدينة هو حلم نساء الريف، اليوم انقلب هذا الحلم رأسًا على عقب في مدينة تعز جنوب غربي اليمن.
وبسبب انقلاب الحوثي على الشرعية في 2014، فقد حول مدينة تعز إلى نسخة عن الريف تحمل معاناته، بل أسوأ من ذلك بكثير.
باتت نساء مدينة تعز يتسابقن من بعد صلاة الفجر للحصول على دبة ماء من الخزانات التي وضعت في الحواري من قبل المنظمات الخيرية أو من فاعلي الخير.
ويقفن في طوابير لساعات طويلة، فإذا فازت إحداهن بدبة ماء تعود بها مسرعة إلى بيتها لتتمكن من الحصول على أخرى غير مكترثة لتعبها الذي سيصاحب ذلك الإجهاد ، تاركة أطفالها الذين ينتظرونها بكل قلق لتحضر لهم وجبة الفطور.
“حياة الريف باتت أفضل وأسهل بكثير من حياة المدينة هذه الأيام ،” هكذا بدأت حديثها بثينة 32 عامًا في شرح معاناة نساء هذه المدينة في الحصول على المياة.
وتضيف بثينة لـ” يمن مونيتور” في حارتنا خُصص دبتين لكل بيت ويتم فتح الخزان من الساعة السادسة وحتى الثامنة صباحًا فقط، وهذا ما يجعلنا نشد على أنفسنا حتى نتمكن من الحصول على الماء قبل فوات الأوان.”
وأردفت بثينة تصف هذه المعاناة قولها: ” يتم تعبئة الماء لنا عن طريق الطوابير الطويلة ومن تأخرت فإثمها عليها؛ لأن نسبة المقبلين على الماء أكثر بكثير من الماء ذاته والكثير من النساء يعدن إلى منازلهن دون ماء أو يعدن بنصف دبة مكسورات الخاطر.”
وتابعت : “في كثير من الأيام نضطر للذهاب للحارات الأخرى لجلب الماء؛ لأن خزان حارتنا لا يكفي وذهابنا للحارات الأخرى يعرضنا لكثير من الأتعاب لأننا نذهب لأخذ ماء ليس لنا، لذا نضطر أن نتقبل الكلام الجارح والصياح من قبل الناس في الحارات الأخرى لأننا مضطرات للحصول على المياه وأحيانًا يتم رفضنا.”
وفي السياق ذاته تقول الأم رجاء علي 52 عامًا :”عشت في الريف أكثر من عشرين عامًا ولم أشعر بهذا التعب الذي أشعر به هنا في المدينة، دخلنا المدينة لكي نرتاح لكنا تعبنا أكثر.
وتضيف رجاء لـ” يمن مونيتور” كنا في الريف نذهب لجلب المياه من الآبار الجوفية ونعود دون نذهب الكثير من الوقت ولا يوجد هذا التعب الذي نحن فيه، اليوم نحن في المدينة إذا خرجنا لجلب دبة ماء نلاقي الكثير من التعب، والتعب النفسي أكبر، نحن اليوم لا نحصل على الماء إلا وقد لقينا من التعب الجسدي والنفسي ما لقينا حتى أننا أصبحنا نكره العيش في المدينة لأننا لم نأخذ منها إلا الاسم فقط”.
وأردفت” في حارتنا يتم فتح الخزان من الساعة التاسعة وحتى الساعة الحادية عشرة صباحًا، وطوال هاتين الساعتين نقف تحت حرارة الشمس ننتظر دورنا وأحيانًا يحالفنا الحظ وأحيانًا نعود كما ذهبنا”.
وتابعت:” المرأة في مدينة تعز تعاني كثيرًا في مسألة المياه في زمن الحرب فقد كنا قبل ذلك لا نشعر بهذا العناء لأن الماء موفر للمنازل”.
من جهتها، أم مصطفى تشرح معاناتها مع الماء لـ” يمن مونيتو” قائلة” أنا أعاني من ألم مزمن في العمود الفقري منعني الأطباء من الحمل الثقيل لكني مضطرة الآن للخروج لجلب الماء، لم نعد قادرين على شرائه”.
وأضافت لي أكثر من عام وأنا أجلب الماء أحمله بيدي في كل يد قارورة تسع 5 لترات من الماء وأظل أذهب وأعود أكثر من أربع مرات في اليوم حتى أكمل قسطي من الماء”‘
وأردفت” ساءت أحوالنا بسبب أن مرتب زوجي لا يأتينا إلا بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وقد كنا قبل عام نحاول جاهدين شراء الماء لكن الآن المادة لا تسمح لنا بذلك مع هذا الغلاء فأنا أختار الذهاب لجلب الماء وأتحمل الألم أفضل من أن تتراكم علينا الديون”
وبدوره ، يتحدث ” أحمد علي ” 60عاما “الذي عين مشرفًا على خزان ماء في إحدى حواري مديرية صالة الموجوعة إثر الحرب والحصار واصفًا معاناة المرأة داخل هذه المدينة المحاصرة بقوله:” من بعد صلاة الفجر لا تسمع إلا صوت قوارير المياه الفارغة وهي تضطرب بأيدي النساء اللاتي يتسابقن إلى اللحاق بالطابور الذي يوضع أمام الخزان.
ويضيف ” في كثير من الأوقات خزان الماء لا يكفي للطوابير التي تُصف أمامه جراء كثرة السكان النازحين وهذا ما يحدث الكثير من الضجيج بين النساء فالكل بحاجة ماسة للمياه.”
وأفاد بأن” المرأة في المدينة أصبحت تعاني أكثر من نساء الريف فنساءالريف على الأقل الماء متوفر لديها في الآبار الجوفية تذهب وتعود بوقت قصير”.