مهما كانت التقديرات للمكاسب التي ستجنيها، لن تكون مأرب بالنسبة إلى جماعة الحوثيين سوى ورطة كبيرة. كافة الشواهد تؤكد ذلك، والجائزة الثمينة التي تلهث خلفها إيران وأدواتها في اليمن منذ عامين، تتحول يوماً بعد آخر إلى كابوس مفزع.
لم تكن مأرب مجرد نزهة للحوثيين كما حصل عند اجتياح العاصمة صنعاء قبل سبع سنوات. ومنذ جولة الهجوم الجديدة مطلع العام الحالي، تحولت رمال المحافظة الغنية بالنفط الواقعة شمالي اليمن، إلى مستنقع يلتهم القوة والوقت والطموح.
استخدم الحوثيون كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة في العدوان على مأرب. خلايا نائمة وشراء ولاءات وألغام محرمة وصواريخ بالستية وطائرات مسيّرة وقذائف هاون ومدفعية، ومروحيات حربية عادت من الأرشيف.
ولو أن في يد الجماعة استخدام البراميل المتفجرة، كما فعل نظام بشار الأسد في سورية، لصبّت حمم نار مشابهة على أحياء مأرب ومخيمات المشردين.
على الرغم من كل ذلك التفوق، يدفع الحوثيون الثمن بشكل مزدوج، وخصوصاً في الكلفة البشرية الباهظة.
السبت الماضي فقط، شيّعت الجماعة 50 قيادياً عسكرياً رفيعاً، وهذا الرقم الضخم في يوم واحد لا يعكس حقيقة الخسائر البشرية والإنهاك الحاصل على أسوار مأرب.
فهناك متطوعون وأطفال لا يُلتفت إليهم في الجنازات الرسمية، وهناك جثث تتعفن في الصحاري، وأخرى تتفحم جراء الضربات الجوية، أو تتحلل إلى هياكل عظمية تحت الرمال.
وإذا كانت الجماعة لا تكثرت للخسائر البشرية، خصوصاً وأنها تستغل أبناء القبائل كوقود مجانية، سيأتي الوقت الذي ينضب فيه ذلك الخزان، ويرفض الناس عملية تجريف الأبناء إلى محارق موت عبثية.
كذلك، لن يكون في مقدور ترسانة الجماعة عسكرياً الصمود بنفس الوتيرة لفترة طويلة. وما شحنات السلاح الإيراني المهرب التي ضبطتها البحرية الأميركية أخيراً، إلا دليل على المأزق التسليحي الذي تعيشه المليشيات.
المتاهة لا تتوقف عند ذلك.
ففي حال تم تجاوز التحصينات الهامة للجيش اليمني في جبال البلق الثلاثة، هل الجماعة عازمة فعلاً على تدشين حمام دم باجتياح مدينة تضم أكبر تجمع نازحين على مستوى اليمن؟ أم أنها ستتجه إلى فرض الحصار الشامل على مدينة مأرب من الجهات الأربع، والاكتفاء بالسيطرة على حقول نفط صافر فقط؟
كل الخيارات مُرّة. وبعيداً عن اتساع رقعة المقاومة الشعبية الرافضة للحوثيين، ستكون الجماعة هذه المرة في مواجهة “المجتمع الإنساني” الذي لن يسمح بالتأكيد بمعركة دموية داخل مدينة مأرب.
أحلام السيطرة على حقول النفط والغاز، لن تتحقق هي الأخرى بسلاسة كما يُعتقد. فالمليشيات تعرف تماماً أنها لا تجلب سوى الخراب لكل مكان تطأه قدماها، وأن المنشآت الحيوية ستكون عُرضة للهجمات والغارات الجوية، وحينها ستكون الجماعة سبباً في حرمان اليمن بشكل كامل من الغاز المنزلي.
الحصار الشامل أيضاً لن يُجبر مأرب على الركوع، وسيكون استراتيجية فاشلة كما فشل في تعز التي قاومت حتى شقت منفذاً صعباً للإمدادات بكافة أنواعها، فيما ظلت جريمة الحصار، وصمة عار تلاحق منفذيها حتى اليوم.
تبدو جماعة الحوثيين في مأزق حقيقي سيقضي على قوتها العسكرية بمعركة استنزاف طويلة الأمد، لا نتيجة مؤكدة منها سوى اغتيال فرص السلام بشكل تام، وتصنيفها كمتهم ومعرقل رئيسي للعملية السياسية.
ولو أن الجماعة تمتلك الخيار، لتراجعت خطوة إلى الوراء، لكنها لن تفعل، وهي نتيجة متوقعة للغطرسة وغرور القوة من جهة، ومن جهة أخرى، لأن مصيرها لم يعد في يدها، بل هو أداة في يد النظام الإيراني الذي يستخدم الجماعة كقفاز في معركته النووية مع المجتمع الدولي.