أعني به بالتحديد مشروع “الخيار الثالث”، الذي يبدو أنه يحمل الملامح المستقبلية لمشروع التحالف في مرحلة ما بعد الحرب، لكن يصعب الجزم بأنه فعلاً مشروع يمثل الإرادة السياسية للتحالف العربي. أعني به بالتحديد مشروع “الخيار الثالث”، الذي يبدو أنه يحمل الملامح المستقبلية لمشروع التحالف في مرحلة ما بعد الحرب، لكن يصعب الجزم بأنه فعلاً مشروع يمثل الإرادة السياسية للتحالف العربي.
لكن أهم في هذا الخيار أنه يعطي مؤشراً على أن الحرب هي من سيحسم المواجهة في اليمن، وسينأى كثيراً عن الرؤية الأممية العقيمة.
ولكن قبل ذلك، دعوني أنقل لكم ما أخبرني به ذات يوم المرحوم عبد العزيز الغني، وله ما له من باع في شئون الدولة اليمنية وشجونها، حينما قال عبر الهاتف، إن أكبر دولة مانحة لليمن على الإطلاق هي المملكة العربية السعودية، كان هذا في عام 2006، عندما بدأت الدول تعقد اجتماعات في لندن للمانحين، بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نأت السعودية بالحمل الاقتصادي والمالي الأثقل، لمواجهة تداعيات التطورات الخطيرة في الوضع المعيشي بعد اندلاع ثورة الـ11 من فبراير 2011، خصوصاً بعد أن قرر المخلوع صالح حينها مواجهة الثورة بإفقار الناس وتجويعهم، وقطع الإمدادات الأساسية عنهم بما فيها المشتقات النفطية.
لا يمكن المزايدة على دور المملكة في اليمن، في كل مراحل ثورة فبراير والتسوية، وحتى اليوم، فقد كانت أول من تدخل لمنع الكارثة الاقتصادية، في سنوات ثورة فبراير، وأول من تدخل لمنع الكارثة السياسية والعسكرية كما حدث في 26 مارس/ آذار 2015، عندما قررت أن تضع حد لانقلاب نفذته ميلشيا مرتبطة بإيران على التسوية السياسية المدعومة إقليميا ودولياً، وهو الانقلاب الذي وضع تحت تصرفه جيشُ اليمن وإمكانياته العسكرية والأمنية والقتالية.
والآن أعود لما بدأت به هذا المقال، فلقد التقطت بحساسية عالية، الحديث عن “الخيار الثالث” الذي يسوق له حالياً عبر كتاب صحفيين معروفين بارتباطاتهم بدوائر صنع القرار في المملكة العربية السعودية.
هذا الخيار وفقاً للذين يقفون وراءه، يفترض أن المرحلة المقبلة لا لن تحتمل الطرفين السياسيين الذين يتواجهان في الميدان حالياً، وأحدهما السلطة الانتقالية التي يمثلها عبد ربه منصور هادي ونائبه والحكومة ومسانديها الأساسية من الأحزاب، والآخر المخلوع صالح والحوثيين.
السفير مصطفى نعمان هو حلقة الوصل في تداول هذه المبادرة، وإليه نسب الكتاب السعوديون هذا المقترح.. قائمة الأسماء التي تم تسويقها على أنها واجهة الخيار الثالث، أسماء مستهلكة سياسياً، لكن مصدر قوتها في تمثيلها الجهوي والفئوي وفي كونها رمادية اللون السياسي وبعضها مموه أي أنها تخفي في ثناياها جزءا من المشروع الحوثي الإمامي الذي ربما يعود إلى الكهف مجدداً ولفترة يصعب التكهن بمدتها.
إن كان وراء هذه المبادرة الرياض ومن خلفها التحالف العربي، فهذا يعني أننا نقارب بشكل واضح المشروع السياسي لتدخل التحالف العربي، وهو المشروع الذي يقصد منه عدم إظهار أن هناك طرف مهزوم في اليمن يمكن أن يوظف القاعدة الاجتماعية والأدوات الطائفية والجهوية في الثأر أو الانتقام واستدامة عدم الاستقرار، وهو ما يخطط له المخلوع وحليفه الحوثي.
بدأت الحكاية في البحر الميت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، في لقاء جمع شخصيات يمنية، بعضها منغمس في الصراع ويعمل وكيلاً مفوضاً لأحد أطرافه، وبعضها يدور حوله، وبعضه يبحث عن دور فيه وفيما وراء هذا الصراع، في ذلك الاجتماع تم بلورة هذا المقترح.
أرى في المبادرة محاولة ذكيةً من التحالف، الذي لا يبدو أنه يرغب في استدامة الصراع في اليمن، لكن المشكلة أن الأدوات قد لا تكون موفقة.
في اعتقادي أن التحالف يستطيع أن يتجاوز صيغ الستينيات الفاشلة، أو التي قادت إلى كوارث فيما بعد بالنسبة لليمنيين، ويعتمد مشروعا سياسياً، يفضي إلى سلطة انتقالية تعتمد على شخصيات لها وزن وثقل وتتمتع بالمصداقية، وليس شرطاً أن تكون مستقلة، بل حكيمة بما يكفي لكي تستطيع قيادة مرحلة محفوفة بالمخاطر، وتحظى بدعم إقليمي ودولي وبقبول شعبي.
تفاجأ اليمنيون بطعنة حادة في الظهر، عندما ركنوا بأن المجتمعين الإقليمي والدولي على قدر كبير من الجدية في رعاية تسوية سياسية وضمان انتقالٍ سياسيٍ سلس، تفاجأ الجميع بأن قطيعاً طائفياً اسمه “الحوثيون” قد كُلف من الرعاة الدوليين باجتثاث الحياة السياسية، وفرض خيار جديد تماماً يقوم على فكرة مواجهة التطرف والإرهاب بغض النظر عن البديل السياسي.
سيقاتل اليمنيون حتى لا يحدث ما حدث في 21 سبتمبر.. ولهذا لا بد أن تكون الأمور واضحة وجلية، ويجب أن تتوفر ضمانات كافية بأنهم لن يقعوا ضحية سهلة في براثن قطيع سياسي وطائفي جديد.