لا تحتاج لنشرة الأخبار لتشعر أن العالم ينهار من الكوارث المترادفة، وكل ما سيجول بخاطرك قول المثل الشعبي (ان المصائب لا تأتي فرادى)، ومع أن البعض قد يعتقد أن ذلك ضرباً من التشاؤم إلا أن جوهر المثل حقيقي وصحيح، فالكون منتظم في بناء متسلسل بحيث كل جزء فيه مرتبط بالجزء الذي يليه في تتابع عجيب وبديع. لا تحتاج لنشرة الأخبار لتشعر أن العالم ينهار من الكوارث المترادفة، وكل ما سيجول بخاطرك قول المثل الشعبي (ان المصائب لا تأتي فرادى)، ومع أن البعض قد يعتقد أن ذلك ضرباً من التشاؤم إلا أن جوهر المثل حقيقي وصحيح، فالكون منتظم في بناء متسلسل بحيث كل جزء فيه مرتبط بالجزء الذي يليه في تتابع عجيب وبديع.
وعليه، لو اختل جزء ما من تلك الأجزاء فإن الخلل ينتقل بالتدريج إلى الأجزاء التالية بشكل أتوماتيكي، ولا يتوقف تفاقم الخلل إلا لو قام أحدهم بإيقاف موجة التدهور المتصاعدة عن طريق (فعل) كافي القوة لصد الموجة وامتصاص آثارها المتشعبة، وهذا أمر بالغ الصعوبة والتعقيد لاستيعابه ناهيك عن تنفيذه.
هذه القاعدة يمكن رؤيتها بوضوح في الظواهر الكونية وفي جسم الإنسان وفي حياة البشر وداخل التنظيمات الإدارية وغيرها…
من زاوية اخرى فهذه القاعدة المخيفة لها وجه جميل ومبشر، حيث أن متوالية الخلل تقتضي العكس ونقصد متوالية التحسن المتتابع.
ولكي نفهم هذا الأمر أكثر يحكي لنا الدكتور “دايفيد شرايبر” موقف معبر حيث قال:
حين كنت صغيراً، كان والدي يأخذني إلى نهر الراين لصيد السمك اللذيذ، لقد كانت أوقات رائعة قضيتها مع والدي، ثم إن الناس أهملوا نظافة النهر وراحوا يصبون نفاياتهم فيه، ومع الوقت توقف أبي عن أخذي لصيد السمك، وحين سألته عن السبب، أخذني إلى النهر ﻷرى بنفسي أنه لم يعد هناك أي سمك، فلقد قضى التلوث على الحياة في النهر تماما..
وبكل حزن سألت والدي: هل ممكن أن تعود الأسماك يوما ما؟
فقال: بالتأكيد يمكن.
فسألته: ماذا ينبغي أن يحدث لتعود الأسماك؟
فابتسم أبي بثقة وقال: على الناس فقط أن يتوقفوا عن رمي النفايات في النهر…
لم اعتقد يومها أن الأمر بالبساطة التي أخبرني بها أبي، وكبرت ونسيت الأمر حتى حانت لي زيارة عابرة مررت بها على نهر الراين ووجدته قد عاد مفعماً بالحياة وبالأسماك.. اندهشت فلم يكن هناك شيء قد تم فعله للنهر سوى أن الناس توقفوا بالفعل عن تلويثه!
إنه بحق ما نسميه قانون الشفاء الذاتي في الكون…
الدكتور دايفيد أعطى متوالية التحسن اسماً معبراً.. فالشفاء الذاتي يعني أن الكون بكل جزيئاته يمتلك القدرة على شفاء نفسه بنفسه من خلال أسباب الحياة داخله والتي أودعها الله له في كل ذرة منه.. وكل ما علينا هو أن نوقف أسباب الخلل والتدهور لتعمل تلك الأسباب من تلقاء نفسها في تصاعد جميل ومطرد.
قد يبدو هذا الكلام بالغ السذاجة، فالإنسان عليه أن يكدح ويتعب ليصنع الإنجازات؛ صحيح لكن بالمقابل هل ما يقدمه الإنسان من كدح يساوي النتائج الرائعة التي يحصل عليها؟!
على سبيل المثال، الطفل الصغير يكبر وينمو وتزدهر قدراته فقط لمجرد توفيرنا البيئة الجيدة له من الناحية المادية والمعنوية..
البذور تكبر وتثمر لمجرد قيامنا بالأعمال الزراعية وهي تكمل طريقها بنفسها.
ويكفي أن تفتح أبواب العلم والعيش الكريم للشعوب لتتطور وتبدع.
كم نسبة ما نقدمه من جهد إلى ما نحصده من نتائج؟
إنها نسبة 1 إلى مليون، وربما أكثر، ومع ذلك تجد الكون مزدهراً يقتنص أي فرصة ليتجاوز ما افسدناه، ويستثمر ما أصلحنا فيه.
دعونا نستعرض إحدى تلك الصور المبهرة لمساندة الحياة لنا…
العلاج بالخلايا الجذعية والتي صارت أقوى ثورات الطب التي حصلت مؤخراً؛ بكلمات بسيطة الخلايا الجذعية هي الخلايا الأساسية التي ينشأ منها الجسم الحي وتحدث عند التقاء الحيوان المنوي مع البويضة في الرحم.
هي خلايا مفعمة بالطاقة والقوة وسريعة التكاثر.
في البداية تكون محايدة، وبعد فترة تتحول إلى خلايا جذعية متخصصة، بمعنى أن يكون لدينا خلايا جذعية عضلية تقوم بإنشاء كل العضلات في الجسم، وخلايا جذعية عظمية تقوم بتكوين كل عظام الجسم، وهكذا لكل تقسيمات الجسد…
كل الخلايا الجذعية المتخصصة تتوقف عن التكاثر السريع ويظهر عليها التقدم بالسن إلا خلايا النخاع والجلد، فهي نشطة ومتجددة.
اكتشاف أهمية هذه الخلايا كان مجرد اجتماع لصدفة على احتياج، ومع تتبع المعلومات وصل الأطباء لطريقة فصل الخلايا المتخصصة ووضعها في ظروف ملائمة مما جعلها تتكاثر من جديد لتعوض العضو المصاب.
على سبيل المثال، المصابون بحروق خطيرة تصل لـ 80% من أجسادهم تعافوا عن طريق وضع قطع من الجلد الناتج من تكاثر خلايا جذعية أخذت من المصاب نفسه وزرعت في المختبر.
لقد وجد الجسد المنزوع الجلد فرصة اخرى بتلك القطع وقام بلصقها وترميم النقص فيها.
قام الأطباء في الهند أيضاً بزرع خلايا جذعية لإعادة ترميم القرنية في حالات ميؤوس منها، وعاد البصر للعين المصابة.
بعض الأطباء جرب زراعة خلايا جذعية ﻹعادة تفعيل البنكرياس في بعض أنواع من مرض السكري، والنتائج كانت جيدة.
فشل نخاع العظم في انتاج كريات الدم وجد علاج في الخلايا الجذعية وصار النخاع فعالاً مجدداً..
وحاليا يعكف الأطباء بحماسة على أبحاث تخص الأمراض المأساوية، كالزهايمر والصرع وضمور العضلات والشلل الدماغي والأمراض الجينية.
ماذا فعل الاطباء؟
فقط وضعوا خلية صحيحة في مكان يحتاجها، وهي أكملت الطريق بعون الله.
إن هذا يجعلنا نثق أنه مهما عم الدمار أوطاننا وبيوتنا، فإن كل ما علينا فعله هو التوقف عن الفعل السيء، وتحريك الدفة في اتجاه الفعل الجيد، وعندها ستقوم كل الجزيئات بالترابط مجدداً لتتوالى التحسنات في حركة شفاء ذاتي تماماً كما الخلايا الجذعية.
حين تشعر باليأس من تدهور نفسك وحالك، عليك فقط أن تفكر في إيقاف الفعل السيء قدر المستطاع.. حاول أن تستبدل السيئة بأي حسنة، وعندها ستجد تتابع التحسن داخلك.
إن حياة البشر أكثر اشراقاً من مجرد خلايا، فالبشر لديهم نزعات فطرية للخير، وميول إنسانية كامنة داخلهم، كل ما في اﻷمر أنها أحياناً تخبو وتحتاج لمن يؤمن أنها لا زالت هناك تحت رماد الأطماع والمخاوف والشهوات، ومع كل ذلك ما زالت هناك تنتظر من يدعوها بشكل صحيح وصادق لتستجيب في الحال.