تسعى القبيلة بطبيعتها البرجماتية للتحالف مع الطرف الرابح، وترفض الكرت الخاسر، لذا فقد كان من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل ثورة 1948م، كما يقول القاضي عبد الرحمن الإرياني إن “الكثير من الاعتبارات الداخلية والظروف الموضوعية لم تستوعب جيدا من قبل الثوار..”. يمن مونيتور/ خاص/ من محمد اليحصبي
كان تردد الإمام عبد الله الوزير في حركة 48 وعدم خروجه الى القبائل ومكوثه في صنعاء وراء فشل الحركة الدستورية، كما ساهم تأخره في ارسال بعض القوات إلى مناطق الشمال لتثبيت سلطة الثورة هناك في تفوق الإمام أحمد والقضاء على الحركة سريعا.
فخوف الوزير من الأحرار الذين كان يرى فيهم خطرا على إمامته، لأنه كان له مشروعه الخاص من الاشتراك بالحركة، والذي لم يكن يختلف عن الإمام يحيى إلا بالاسم، إذ بدأ يتشكك من الأحرار ويبحث عن وسائل للتخلص منهم كما أوضح ذلك أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، الأمر الذي قاد في نهاية المطاف إلى ذبح الثورة ورجالها.
لم تكن القبائل قبل وصول ولي العهد أحمد إلى حجة قد اتخذت موقفا معارضا لإمام الدستور، بل كانت تنتظر أيهما يكون الجواد الرابح لتراهن عليه، غير أن نجاة الإمام أحمد ووصوله إلى منطقة حجة، ومبادرته في مخاطبة القبائل، ومكاتبة لزعمائها وتعامله بحزم وعلى أنه الأقوى دفع القبائل وزعاماتها للانضمام إليه والوقوف بجانبه، فتمكن من جمع القوى القبلية وفرض حصار على صنعاء وخلال 18 يوم تمكن من اسقاطها.
تسعى القبيلة بطبيعتها البرجماتية للتحالف مع الطرف الرابح، وترفض الكرت الخاسر، لذا فقد كان من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل ثورة 1948م، كما يقول القاضي عبد الرحمن الإرياني إن “الكثير من الاعتبارات الداخلية والظروف الموضوعية لم تستوعب جيدا من قبل الثوار، مما جعل بيت حميد الدين أكثر قدرة على تجنيد الظروف الداخلية لصالحهم”، وهذا ما وقعت فيه القيادة السياسية من بعد 2012م، وحتى سقوط صنعاء في 21سبتمبر 2014م.
في عام 1959م، قتل الإمام أحمد الشيخ حسين الأحمر، شيخ حاشد ونجله حميد بالتعاون والتآمر مع بعض مشايخها، حينها لم تتحرك حاشد للانتقام، لكن الحقد كان يغلي في قلوب جميع القوى هناك، خصوصا أن الأحمر قرر تسليم نفسه لقوات الإمام لتجنيب منطقته الدمار والكوارث، وقد تفجر حقدها في ثورة سبتمبر حيث اندفعت حاشد ومعها العديد من القبائل بقيادة الشيخ عبدالله تطارد البدر في الجبال قبل أن يصل الدعم المصري، وذلك بسبب العمل الذي قام به الأحرار في أوساط القوى الاجتماعية وكسبهم إلى جوار الثورة.
لقد أدرك أعضاء تنظيم الضباط الأحرار منذ الأيام الأولى للثورة المخاطر التي تحيق بها، وأين تقع قواعد الإمامة التي تنطلق منها للانقضاض على حلم أبناء اليمن في التغيير، وكان أولئك الشباب قد نسقوا مع جيل الرواد من أحرار ثورة 1948م، سواء العسكريين منهم أو المدنيين، وظلوا معهم على تواصل واتصال من خلال القاضي عبد السلام صبره، أحد أهم الرواد والآباء المؤسسين للحركة الوطنية في اليمن، وعبره بدأوا في التنسيق مع التكتلات المدنية في صنعاء وتعز وإب، والتواصل مع مشايخ القبائل، فاستفاد ضباط التنظيم من خبرتهم في طبيعة المجتمع ونفسية القبائل اليمنية، وتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الوطنية في التحركات السابقة؛ ومن هنا ما إن شبت شرارة ثورة سبتمبر حتى انطلق قادتها للخروج إلى الريف لمواجهة فلول الإمامة، ونجد أن علي عبد المغني استشهد بمأرب ومحمد مطهر زيد بحجة، واستشهد ابو الأحرار محمد محمود الزبيري في برط.
ومن يتفحص البواعث في ثورة سبتمبر لتنقل القبائل بين صف الجمهوريين تارة والملكيين تارة أخرى، يجد أن سببها كما قال البردوني هو غياب العدل الجمهوري، اضافة إلى جهل القيادة المصرية بالخارطة الاجتماعية وطريقة التعامل مع القبائل، واستغناء المصريين عن العديد من رواد الحركة الوطنية ممن خبروا التعامل مع القبيلة وكيفية اكتسابها إلى صفهم، والدوافع التي تحركها في اتخاذ المواقف السلبية والايجابية، اضافة إلى استشهاد غالبية ضباط التنظيم، واستغلال بعض الشخصيات المرتبطة بالمصريين لتواجد قوات الأخيرة من أمثال البيضاني لتحقيق أهداف ضيقة، ومكاسب شخصية، والعمل على ازاحة القوى الوطنية الملتصقة بالنضال والثورة .
ومن هنا علينا قراءة دوافع بعض القبائل التي ساندت ثورة فبراير، ثم سكتت عن الحوثي ولم تقم بدور يذكر في مقاومته، والتأمل في تعامل هادي معها.
الحوثي والقبائل
يخطئ من يظن بأن سكان شمال الشمال أصبحوا بعد دخول الحوثي حاشد والسيطرة على عمران في قبضته؛ فالقبائل في حاشد وبكيل وغيرها لديها نقمة وحقد جماعي تجاه الحوثي، لكنها لم تجد من يفجر نقمتها ضده.
هناك العديد من المشايخ الذين وقفوا إلى جوار الحوثي ليس عن قناعة وإيمان برؤيته السياسية، وإنما من أجل تحقيق مكاسب تخدم نفوذهم في مناطقهم، ووجدوا الامكانات التي لديه تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم من جهة، ومن جهة ثانية الانتقام من خصومهم، لذلك اقتنصوا الفرصة لتحقيق أهدافهم التي تتوافق مع أهداف الحركة الحوثية، ومن هنا فإنهم سوف يحجمون عن اللحاق خلفه، والتضحية بما حققوه من مكسب إذا وجدوا أن الدولة وامكاناتها قادمة، ولعل أي عروض تقدم لهم وتضمن مكاسبهم فإنهم لن يترددوا في التضحية بالحوثي.
هناك حقد موجود في كل بيوت عمران، وفي انتظار من يفجره في وجه الحوثي بعد هدمه لعدد من بيوت رجالها وابنائها وزعاماتها التي قام بها في العام الماضي، ودخول مناطقهم عنوة، وتهجير العديد من سكانها، فالقبائل تنتظر الطرف الذي يقودها وتثق به لكي تثأر من الحوثي.