ليس المؤسف فقط أن تكون غير منتج أو غير مبدع؛ لكن المؤسف والمثير للشفقة أن تسخر من المبدع المنتج؛ مثل أن يتساءل البعض حول تعيين وزير للسعادة في دولة عربية بالقول: “هل ستقوم الوزارة بتوزيع نُكات جديدة على الناس كل شهر”؟!
ليس المؤسف فقط أن تكون غير منتج أو غير مبدع؛ لكن المؤسف والمثير للشفقة أن تسخر من المبدع المنتج؛ مثل أن يتساءل البعض حول تعيين وزير للسعادة في دولة عربية بالقول: “هل ستقوم الوزارة بتوزيع نُكات جديدة على الناس كل شهر”؟!
ذلك لأن ثقافة بعض المجتمعات اعتادت أن تربط السعادة بالنكتة أو التهريج، والبهجة بجلسات الكيف، كونها لم تعش سابقاً “ثقافة السعادة”، والتي تعني أن تتكفل الدولة والحكومة بتوفير كل المتطلبات اللازمة لينام مواطنها هانئاً وسعيداً، وتسهر هي على تحقيق أحلامه!
المؤسف ان بعض هذه المجتمعات الكسولة التي يقضي بعض مثقفيها ليلهم ونهارهم على المقاهي، في عرض أيديولوجي دائم ومستمر 24 ساعة لثقافة الرفض والعدمية والسخرية، واجترار “أمجاد” اليسار القديم بشتم الدول النفطية، والتقليل من شأنها، لا تجد نفسها محرجة أمام دولة خليجية فتيّة تجهّز لإطلاق قمر فضائي خلال سنوات قليلة، وتسابق “العالم الأول” في الصناعة والاقتصاد وتدليل المواطن والترفيه عنه، حيث تجاوزت منذ زمن طويل فكرة تلبية احتياجاته الأساسية!
ولا أعلم لماذا على الأحكام والانطباعات القديمة عن دول الخليج أن تظلّ هي السائدة في الأذهان بأنها دول متخلفة وشعوب كسولة، لمجرد أنها دول ثرية، كأن عليها ان تكون فقيرة مثلنا لتكون عظيمة وتستحق الاحترام!
أما أن نشهد ثلاث وزارات معنية بالتعليم في التشكيل الحكومي الجديد لدولة كالإمارات فهذا لا يستحق الانتباه! وتعيين وزيرة للشباب بعمر 22 عاماً لديها بكالوريوس من جامعة نيويورك وماجستير من أكسفورد!، ووزير للتغير المناخي والبيئة لديه دكتوراة بالطاقة المتجددة وهو في الـ 32 من عمره؟ ، وأن يكون هناك وزير للتسامح ؟ ، وآخر لشؤون المستقبل، وآخر لتنمية المعرفة ؟ ، .. فهي كلّها لا تستحق الإعجاب، بل هي مصطلحات غريبة عنّا وبالتالي تستحق هجاءنا وسخريتنا، فيما نواصل صورتنا المتخيلة والمريحة عن أهل الخليج بأنهم يحملون دلوا ويركضون وراء النوق لحلبها!
هذه الفوقية والعنجهية الفارغة صارت مملّة، وتذكّر بالنكتة الذائعة عن “كونترول الباص” الذي رأى عجوزاً يدخن “الهيشي” في الباص فاستخف به قائلا “ يا حجّ الناس طلعت ع القمر وانت بعدك بتدخن هيشي”، فردّ عليه العجوز بسرعة “ وانت ليه ما طلعت معهم يا ….” !
الذي يراقب ما فعلته، وما قطعته دولة كالإمارات، من شوط حضاري هائل خلال الأربعين سنة الماضية، ويرى صور شوارعها بالأبيض والأسود ثم يرى ذات الشوارع الطينية والترابية وقد احتضنت أعلى أبراج العالم، يصاب بالذهول، ثم يصاب بالذهول مرة ثانية حين يرى دولا أكبر عمرا بآلاف السنين لم تفتح شارعاً أو تبني جسرا خلال الأربعين سنة المذكورة!
حيث لا يهم التاريخ كثيرا إذا كنت ستظل عالقاً فيه، تجتر ما فعل أجدادك وأنت تتمطَّى على بساط سحبه الآخرون من تحت قدميك!
كما أن الإماراتيين لا يخجلون من تاريخهم، ولا من حليب النوق، ويقيمون في كل شهر ورشة او مهرجاناً أو احتفالاً او بطولة تعرض للتاريخ، وتقارن بين ما عاشه آباؤهم وما يعيشونه الآن، وتنتشر صور الإبل والخيول والصقور في شوارعهم، لكنهم يطلّون عليها من نوافد أعلى برج في التاريخ، ويعرفون أيضاً أنهم سيركبون في عام 2021 (أي بعد 4 سنوات فقط) مركبة فضائية الى المريخ!
أنا شخصياً خلال 9 سنوات في دبي لم أر ناقةً واحدة، لكنني رأيتُ مثلاً شوارع عريضة بمسارب تتسع لـ 15 سيارة!
فيما في مجتمعات الثرثرة والكسل، يجلس العاطلون عن العمل وعن الخيال وعن الحلم على المقاهي، ينتقدون ويحلّلون ويدلون بآراء “استراتيجية”، وهم أنفسهم الذين يُوَسِّطون كل “مسافر” ان يتدبَّر لهم عقد عمل بأي ثمن وأي راتب في بلاد “النوق والخيام” !
( .. وقال البنك المركزي في أحدث بيانات له أن قيمة تحويلات العاملين ارتفعت إلى 3 مليارات و798 مليون دولار في العام 2015 مقارنة مع 3 مليارات و743 مليون دولار في العام 2014.
وتسهم تحويلات العاملين في الخارج في رفد الاحتياطات من العملات الأجنبية ووو …).
————-
*نقلاً عن جريدة (الغد) الأردنية.