“لا يخدعنا وسط المدينة الصاخب”.. تضغط الحرب كل جزء من الحياة في “مأرب” مع تصعيد الحوثيين
يمن مونيتور/ قسم الأخبار:
نشرت هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (BBC) تقريراً من محافظة مأرب شرقي اليمن، مع استمرار تصعيد الحوثيين المستمر منذ أكثر من عامين.
وقال “جيرمي بوين” محرر شؤون الشرق الأوسط في الهيئة البريطانية في تقريره من مأرب: إن مأرب مكتظة بالناس. بينما تخوض الدول الغنية في أوروبا غمار أزمة سياسية بسبب المئات من اللاجئين الجُدد، هناك مدينة واحدة فقط في أكثر الدول العربية فقرا مضطرة للتعامل مع توافد ما يُقدر بمليون شخص ممن لاذوا بالفرار خوفا على حياتهم من باقي أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب في اليمن في 2015. وصل إلى صحراء هذه المدينة حوالي 45000 من النازحين داخليا، بسبب الحرب منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
والتقى، جيريمي بوين، بأطفال مذعورين يفرون من الحرب الأهلية و “الأشباح” في اليمن.
ويسود ضغط الحرب كل جزء من الحياة في مأرب.
لا يخدعنا وسط المدينة الصاخب
وقال بوين: وينبغي هنا ألا يخدعنا وسط المدينة الصاخب، إذ تخلق الحرب فرص عمل في مأرب. ولا ينبغي أن تختفي حقيقة أن هذه المدينة توجد في قلب الحرب وراء الشوارع المكتظة بالمارة، وأكشاك بيع الخضراوات والفاكهة واللحوم الطازجة، كما لا ينبغي أن تخفي تلك الجلبة في المدينة المزدحمة حقيقة أن الكثيرين من سكانها لا يستطيعون تحمل تكلفة شراء الطعام.
ويقول الأطباء في عيادة أمراض التغذية إن عشرة من كل مئة طفل يعانون سوء التغذية، بينما يعاني اثنان من هؤلاء العشرة من قصور حاد في التغذية.
وكانت والدة تقوى طارش محظوظة للحصول على سرير لطفلتها في المستشفى. وتزن تقوى، البالغة من العمر ستة أشهر، 2.5 كيلو غرام، وهو ما يقل بكثير عن المعدل الطبيعي لوزن الأطفال حديثي الولادة. ولم يزداد وزن الرضيعة سوى مئة غرام فقط منذ إيداعها المستشفى منذ عشرة أيام.
وتتوافر في مدينة مأرب وحدتان لعلاج الحالات الخطيرة لأمراض سوء التغذية، قدرة كل وحدة منهما 11 سريرا. وكان في المدينة أربع وحدات، لكن اثنتين منها أصبحتا الآن في المنطقة التي سيطر عليها مقاتلو جماعة الحوثي أثناء تقدمهم في إطار الهجوم الحالي.
وتعاني مستشفى الجراحة من أوضاع بالغة السوء، فهي مكتظة بجرحى الحرب، من بينهم أطفال ومدنيين، لكن أغلبهم جنود في القوات الحكومية في اليمن.
وقضى فريق من الجراحين البريطانيين من مؤسسة “أكشن فور هيومانتي” الخيرية، سبق له العمل في سوريا وغزة، أسبوعا في مدينة مأرب اليمنية في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لإجراء عمليات بأساليب متخصصة لجروح ناتجة عن الحرب.
وقال منير الحكيمي، جراح بريطاني من سالفورد: “هناك عجز في الأطباء، والأطباء المحليون منهكون لأنهم يعملون لساعات طويلة دون راحة ويتعاملون مع إصابات معقدة، لذا فهم يوفرون الحد الأدنى من العلاج بما لديهم من معدات أساسية”.
قتال شرس
وبدأت حرب الاستنزاف حول مأرب، منذ حوالي عامين، مع هجوم للحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية وأغلب المنطقة الشمالية من البلاد ولديهم تحالف مع إيران. وقد تسارعت وتيرة العمليات العسكرية في محيط المدينة منذ الصيف الماضي.
ويحقق الحوثيون مكاسب على الأرض في إطار هذا الصراع، وأخبرني مسؤولون دبلوماسيون معنيون بالأوضاع في اليمن بأنه بدون الدعم الجوي من السعودية للقوات الحكومية، سوف تسقط مأرب بسرعة. واعترفت وزارة دفاع الحوثيين في العاصمة صنعاء بمقتل 14700 من مقاتليها منذ يونيو/ حزيران الماضي، أغلبهم قضى جراء غارات جوية. ويبدو أن أغلبهم كان من المجندين أو الصبية الذين يستطيعون بالكاد حمل السلاح.
وكانت اليمن تعاني من الاضطرابات، والهشاشة، والعنف، لكنها وقعت في براثن حرب ضروس ودخلت في أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم عقب إطاحة الحوثيين بالحكومة المعترف بها دوليا في 2014.
وبدأ تحالف عسكري تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في 2015 حربا على الحوثيين في محاولة، لم تنجح بعد، لمساعدة الحكومة المعترف بها دولياً على استعادة الحكم من أيدي الحوثيين.
وتدخلت السعودية في اليمن عسكريا لوقف ما تعتقد أنه خطة من إيران، المنافس الأول لها على النفوذ في المنطقة، تستهدف وضع حكومة صورية في اليمن وتحويل البلاد إلى قاعدة لخدمة أهدافها الاستراتيجية في المنطقة تكون دائما في متناول يدها.
وتشّبه السعودية الحوثيين بحزب الله الذي، بمساعدة إيران، أقام دولة داخل الدولة في لبنان. ولنكون أكثر دقة، ينبغي أن نقول إن الحوثيين حلفاء لإيران.
مضطرون إلى الهروب
واتهمت جماعات حقوقية الحوثييين، أثناء الهجوم الحالي على مأرب، بممارسة القصف العشوائي لمناطق مدنية بالقذائف والصواريخ.
وقال الكاتب إن أغلب من التقى بهم في المخيمات أخبروه أنهم فروا من هجمات الحوثيين ومقاتليهم أثناء تقدمهم. ويخيم أغلب الوافدين الجدد إلى مأرب على أميال من السهول الرملية القاحلة المنحدرة على أطراف المدينة.
وبلغ عدد مخيمات النازحين في مأرب وفي محيط هذه المدينة اليمنية حوالي 137 مخيما، وفقا لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة. وتختلف تلك الأرقام بسبب توافد المزيد من المنهكين والمصدومين والجوعى إلى محيط المدينة واجتياح مقاتلي الحوثي المخيمات الكائنة على أطراف المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.
وتجمع المئات من النازحين في مخيم السامية على الكثبان الرملية طلبا للمأوى والطعام والحماية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وأراد رجل يُدعى عبد الله التحدث إلي، فاصطحبني إلى الخيمة التي أقامها من قصاصات القماش والبلاستيك المستخدم في التغليف والكرتون. وفي النهار تكون تلك المنطقة دافئة، لكن برودة الجو تزداد ليلا.
وأخبرني عبد الله أنه منذ أسبوعين كان ضمن العمالة غير المنتظمة في منطقة بعيدة عن أسرته عندما بدأ القتال في منطقة قريبة من زوجته لطيفة وأطفاله الستة، مما اضطره إلى العودة إليهم والتسلل معهم خارج تلك المنطقة التي تحولت إلى أرض معركة تاركين خلفهم كل ممتلكاتهم.
وقال عبد الله: “كل هذه الحروب، والقنابل، والانفجارات، وكل ما نتعرض له هنا تجعلني أشعر بالمرارة من هذه الحياة وأرجح أننا لن ننجو”.
وانضمت زوجته لطيفة إلى حوارنا، قائلة: “الطائرات الحربية وما تشنه من غارات يفزع أطفالنا. الجو بادر .. الجو بارد .. والموقف صعب. ليس هناك ما يوفر لنا الدفء، ليس لدينا فراش للنوم، وخيمتنا مصنوعة من الورق المقوى. ليس لدينا أي شيء”.
وتعمل المنظمة الدولية للهجرة جاهدة على احتواء الموقف، لكنها لم تتلق سوى نصف التمويل الذي طلبته. وقالت شارون وانغا، إحدى العاملات في تنظيم جهود مساعدة المشردين، إن نقص الموارد المالية يجعل من المستحيل توفير المساعدة لجميع من يصلون إلى مأرب.
وأضافت: “نناشد المجتمع الدولي والمتبرعين الانضمام إلينا حتى يتسنى لنا توفير المساعدة المطلوبة لأنه تحدٍ كبير”.
وتابعت: “عندما يكون لديك ما يزيد على 45000 شخص في أقل من شهرين، فلابد أن تقلق في هذه الحالة، وهذا هو الموقف الذي نعيشه في الوقت الراهن”.
صراع إقليمي
مأرب منعزلة، فهي تقع على طريق سريع ذي اتجاه واحد يوصل إلى السعودية على بعد خمس ساعات من هذه المدينة اليمنية، وهو الطريق الذي تريد جماعة الحوثي أن تقطعه. كما تُعد المنطقة حول مأرب مركزا لنشاط النفط في اليمن وبها يقع معمل تكرير النفط الوحيد في شمال البلاد.
ولن يتخذ اليمنيون قرار وقف الحرب في بلادهم لأن القوى العظمى، التي تمارس لعبة القوة في الشرق الأوسط الذي ليست اليمن سوى جزء منه، قد تدخلت.
ويمر أحد خطوط الصدع الاستراتيجية في المنطقة من اليمن والدول الكائنة في الشمال عبر دول الخليج، والعراق، وسوريا، ولبنان. فعلى أحد جانبي هذا الصدع أصدقاء السعودية والولايات المتحدة، بمن فيهم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وجميع هذه الدول يشترك في الشكوك تجاه إيران وحلفائها. وإلى جانب الحوثيين، هناك أيضا ميليشيات في لبنان والعراق ومع نظام الأسد في سوريا.
وأثناء وجودي في المخيم، سألت عبد الله عن المسؤولين عن هذا الشقاء.
وكانت إجابته: “لا أستطيع لوم أحد. فقد كان ذلك مقدرا لنا ولجميع اليمنيين. والأمر كله يتعلق بالكبار، لا بالناس العاديين”.