في زمن الحرب.. نساء اليمن يكافحن من أجل لقمة العيش (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ (تقرير خاص)
“الحرب وغلاء المعيشة هما من تسببا بخروجي إلى سوق العمل”، بهذه الكلمات بدأت أم نصر (30 عامًا) حديثها عن طريقة خروجها من المنزل للبحث عن عمل تعيل به أسرتها، في ظل الأوضاع السيئة التي أفرزتها الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات.
وتضيف أم نصر لـ”يمن مونيتور”، أنها امرأة مطلقة ولديها طفل حيث تسكن في منزل والدها الذي يمتلك عددًا كثيرًا من الأبناء والذي يتقاضى مرتبًا قدره 50 ألف ريال وهذا لا يكفي في الوقت الحالي مع ارتفاع الأسعار لأخذ كيس من الدقيق مع دبة الغاز.”
وتواصل أم نصر حديثها حول أول تجربة لها في ميدان العمل: “بحثت كثيرًا عن عمل أستطيع من خلاله أن أكفل نفسي وطفلي فحصلت على عمل في محل للعبايات (متجر ملابس نسائية) بمرتب قدره 60 ألف ريال (الدولار= 1578)”
لكن أم نصر تتكبد معاناة طويلة في الوصول إلى مكان هذا العمل الذي يبعد عن منزل والدها مسافةٍ كبيرة جداً، فضلاً عن أجور المواصلات التي تأخذ جزءاً كبيراً من مرتبها الذي تتقاضاه ما يعادل أكثر من 30 % من إجمال المرتب.
وتأسف أم نصر عن الأوضاع المعيشية السيئة التي وصلت إلها البلاد للحد الذي “يبكيها قهرًا وحسرةً على نفسها وطفلها فقد أصبحت لا تستطيع إسعافه إذا مرض جراء التكاليف الباهظة في كل الأمور الحياتية. ”
“وأم نصر” واحدةٌ من آلاف النساء اليمنيات اللائتي أصبحن العائل الوحيد لأسرهم في اليمن بسبب الأوضاع الصعبة التي تمر بها منذ بداية الحرب قبل نحو سبع سنوات”.
وتعاني الكثير من النساء في اليمن من ظروف بالغة الصعوبة جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي جعلت الكثير من النساء يمارسن العديد من الأعمال إلى جانب الرجال لتوفير مقومات الحياة لأسرهن في مجتمع يرى عمل المرأة عورة”.
وبحسب منظمة العمل الدولية 2013م فإن نسبة النساء العاملات 06٪ على مستوى القوى العاملة، فيما يتحملن الكثير منهن أعباء أسرهن لتعرض معيلهن إلى الوفاة أو القتل بسبب الحرب.
“أزمة خانقة”
في السياق ذاته، تقول نسيبة (30 عامًا)، أم لطفلين، إنها تعاني كثيرًا من هذه الأزمة، مشيرة إلى أنها مثل غيرها من النساء اضطررن للعمل حتى يحصلن على ما يمكن أن يساعدهن على تحمل أعباء الحياه أو حتى يكفل أنفسهن فقط.”
وأضافت “في الوقت الحالي أعمل مندوبة بمتجر أدوات التجميل في نقل البضاعة للزبائن من مكان لآخر حسب الطلب وأتقاضى 10% من كل ما يباع.”
وأشارت في حديثها لـ”يمن مونيتور” إلى أن “الربح الذي تحصل عليه من عملها ضئيل جدًا، وأبدت اقتناعها بذلك بدلاً من لا شيء.”
وأوضحت أن “ارتفاع الأسعار بهذا الشكل المخيف أضر بالأسر كثيرًا على كل المستويات”، لافتة إلى أن نسبة الإقبال على المنتجات أصبح ضعيفاً على غير ما كان في السابق.
وأردفت بالقول: “تمر أيام ولا أجد أي طلب على المنتجات لأن الناس لم تعد تهتم بالكماليات والمظهر بقدر ما تهمها لقمة العيش والحصول عليها”.
“أوضاع معيشة صعبة”
بدورها، تقول إبتسام عبد الله (38عاما) إن :” الأوضاع المعيشية التي تمر بها البلاد من حرب وتدهور للاقتصاد هو من دفعها إلى الذهاب إلى سوق العمل، للبحث عن عمل تحصل من ورائه بعض الدخل لتتمكن من العيش”.
وقال في حديث لـ”يمن مونيتور”: “حاليا وجدت عمل منظفة في مركز صحي في مدينة تعز بمرتب 40ألف ريال بمعدل ست ساعات صباحا”.
وأضافت: “مرتبي لا يكفي لاحتياجات أسرتي لكني أعمل كل جمعة في تنظيف بعض البيوت وكذلك غسل الملابس وأحصل مقابل ذلك على بعض الأموال تصل إلى خمسة آلاف ريال مقابل عمل طوال النهار”.
وأشارت إلى أن “زوجها مصابٌ بحالة نفسية ولديها طفلان تقوم برعايتهما من خلال مرتبها البسيط .”
وأردفت “مع ارتفاع الأسعار لم يعد للمرتب قيمة وكلما حاولنا إخبار الإدارة بزيادة مرتباتنا يتم تهديدنا في بالاستغناء وأن هناك الكثير ممن يبحثن عن عمل ما يجبرن على البقاء على هذا النحو من العمل”.
ابتسام، طالبت من “الحكومة الشرعية والتحالف بقيادة السعودية أن يرفق بهذا الشعب الذي بات عرضة للجوع والهلاك كل يوم.”
من جهتها، تقول أم محمد( 48 عامًا)، عاملة متنقلة في بيع الملابس والعطور من مكان لآخر:” إن الوضع المعيشي كل يومٍ إلى الأسوأ بل ويزاد تعقيدًا جراء تدهور العملة وعدم تدخل الجهات المعنية في ضبط هذا التدهور.”
وأضافت في حديث لـ”يمن مونيتور”: “أعمل منذ ست سنوات وكنت في قبل ذلك أحصل على فارق في السعر يكفيني وأسرتي أما هذا العام فقد خسرت كثيرًا من النقود ”
وتابعت: “أذهب للمدينة في اليوم الأول لشراء البضاعة من التجار وأخذها بسعر معين ومن ثم أذهب لبيعها؛ ومن ثم أعود لشراء بضاعة لكني أجد أن سعرها قد ارتفع كثيرًا عن اليوم الأول وهذا ما يجعلني أخسر الكثير؛ لأنني اضطر إلى شراء البضاعة وبسعر مرتفع كي يستمر عملي. ”
وأشارت إلى أن “الغلاء المعيشي جعل الكثير من الناس يعزفون عن شراء الملابس والعطور، فهي كلما مرت ببيت تسأل إذا كانوا سيشترون منها وعادة ما يكون جوابهم “نحن لم نلقَ ما نأكل فكيف لنا أن نهتم بالمظهر والزينة.”
ومضت قائلة: “نتمنى أن ينظر العالم لحال هذا الشعب الذي أصبحت أقصى أمانيه الحصول على لقمة العيش.”
شكلت الحرب الدائرة منذ سنوات منعطفا في حياة اليمنيين خاصة النساء اللاتي انعكس عليهن العبء الأكبر في رعاية أسرهن، نتيجة ذهاب الرجال لميادين القتال، أو اضطرارهم لمغادرة البلد، أو لتلبية احتياجاتهم الضرورية في ظل انقطاع رواتب الموظفين.
وتحدثت تقارير أممية عن استفحال ظاهرة الفقر باليمن مؤخرا، وأكدت حاجة 24 مليون يمني للمساعدات الإنسانية والغذائية العاجلة خاصة في ظل بروز مؤشرات للمجاعة في أكثر من محافظة يمنية.
وتصاعدت الحرب في اليمن منذ عام 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم محافظات البلاد ما أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، المعترف بها دوليا، على الفرار من العاصمة صنعاء. وفي مارس/أذار2015 تشكل التحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية ومنذ ذلك الوقت ينفذ غارات جوية ضد الحوثيين في أكثر من جبهة.
ويشن التحالف غارات جوية بشكل مستمر على مناطق سيطرة الحوثيين، ويطلق الحوثيون في المقابل صواريخ على المملكة العربية السعودية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل 233 ألف يمني خلال سنوات الحرب.
كما تسبب القتال الدائر في البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في العالم إذ يحتاج نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، بما في ذلك 10 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.