هناك جدل بشأن دور العشائر المحيطة بصنعاء، في معركة استعادة العاصمة، وعما إذا كانت ستمثل عائقاً أمام تقدم القوات الحكومية والمقاومة أم أنها ستغير من قناعاتها وتنضم إلى قوات الحكومة. هناك جدل بشأن دور العشائر المحيطة بصنعاء، في معركة استعادة العاصمة، وعما إذا كانت ستمثل عائقاً أمام تقدم القوات الحكومية والمقاومة أم أنها ستغير من قناعاتها وتنضم إلى قوات الحكومة.
في الواقع لا شيء سيغير من القناعات الراسخة لدى معظم العشائر المحيطة بصنعاء المعروفة بـ: القبائل السبع، والتي لا تزال ترى أن حاكم اليمن يجب أن يكون من هذا المحيط، وهو تفكير رسخته حملة الاستقطابات التي أدارها المخلوع صالح بخبث طيلة السنوات الماضية، وكرسها الإماميون الجدد أيضاً.
لكن لا يبدو الأمر سوداوياً أو قاتما إلى هذا الحد، فهناك خلخلة قد حصلت في هذا المحيط، بسبب التنوع في الميول السياسية والاعتقادية وبسبب التعليم..
صحيح أن هذه العوامل لم تصمد أمام تغول الحوثيين الذين تسلحوا بجيش الدولة وأمنها وبنفوذ المخلوع صالح وأمواله وإعلامه، الأمر الذي أتاح لمنطق الغلبة أن يفوز في هذه المناطق.. لكن جذوة الرفض المطلق للحوثيين وللانقلاب بقيت مشتعلة في هذه المناطق، حيث فضل أبناؤها الأحرار عدم المواجهة مع أهاليهم، وانصرفوا إلى جبهات أخرى يدعمون مشروع الدولة وخيار العيش المشترك كما رأينا ذلك في مأرب والجوف.
لم يعد الوقوف مع الحوثيين مغرياً من الناحية الأخلاقية والمادية، للغالبية العظمى من الحزام القبلي لصنعاء، ولهذا أعتقد أن هذا الحزام بدأ يتخلى عن مشروع المخلوع صالح والحوثي.
العقلاء في هذا الحزام سيدفعون باتجاه مساندة قوات الشرعية حتى لو لم يدخلوا طرفاً في الحرب، لاعتقادهم أن الرهان على انتصار الميلشيا في هذه الحرب، بات خاسراً في ظل الانكسار الحاد في المعادلة لصالح قوات الشرعية والمقاومة والتحالف.
وهناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن الحزام القبلي لصنعاء حاضر في مكون الجيش والمقاومة التي تزحف الآن باتجاه صنعاء، وهذا يعني أن مهمة استعادة صنعاء تحمل بصمات هذا المحيط القبلي وليست في معزل عن تطلعات جانب مهم من مكوناته الذي لم يكن متحمساً للانقلاب بل وقف ضده ودفع ثمناً غالياً بسبب هذا الموقف، وأصبح عدد من رموزه مستهدفين بالملاحقة من جانب الانقلابين مثلهم مثل بقية خصوم الميلشيا والانقلاب في كل أنحاء اليمن.
لا تتحمس العشائر في الغالب للمعارك الخاسرة، وفي حالة المعركة التي يخضوها الانقلابيون هناك سبب إضافي يجعل القبائل أقل حماساً لمعركة من هذا النوع، وهو أن بقاء الحوثيين نفسه بات مرفوضا من جانب معظم الحزام القبلي، الذي خسر خلال السنة الماضية الكثير من أبنائه في المغامرات الحربية للحوثيين، بل وبدأ زعماء العشائر يفقدون مكانتهم لحساب، الرؤوس الميلشياوية التي نصبها الحوثيون في القرى والمديريات.
معركة صنعاء سوف تنتهي بإذن الله باستعادة العاصمة، ولكن ذلك لا يعني أن الجميع سيصفقون، سيبقى جزء من المتحمسين للمشروع الحوثي، ونزعته نحو إحياء الإمامة المقبورة، وهذا الحماس، يعود بالتأكيد لأسباب عقائدية أو جهوية، وهذا الفرز للمواقف سيتسمر لفترة طويلة بعد تحرير العاصمة صنعاء.
وأعتقد أن المضي قدماً نحو دولة قوية ونظام سياسي فعال، وتنمية اقتصادية وتعليم قوي، هو الذي سيتكفل بردم الهوة التي اتسعت خلال السنوات الخمس الماضية بين أبناء اليمن بما سمح بنفاذ المشاريع التفكيكية المدعومة من الخارج، بغية إبقاء اليمن كياناً جغرافياً مشلولاً، ومساحة للصراع الإقليمي.