ما يزال “سماحة” الشيخ حسن نصرالله، يطل علينا بخطابات مطولة، تلقى اهتماماً من القنوات الإخبارية العربية المختلفة، حتى لو كان يتحدث في قضية لبنانية خالصة، كما هو خطابه الأخير قبل أيام في التأكيد على دعم حزب الله ترشيح العماد ميشال عون رئيساً للبنان. ما يزال “سماحة” الشيخ حسن نصرالله، يطل علينا بخطابات مطولة، تلقى اهتماماً من القنوات الإخبارية العربية المختلفة، حتى لو كان يتحدث في قضية لبنانية خالصة، كما هو خطابه الأخير قبل أيام في التأكيد على دعم حزب الله ترشيح العماد ميشال عون رئيساً للبنان.
لكن الجمهور العربي الذي كان يصفق، من المحيط إلى الخليج كما كان يقال في زمن الخطابات القومية، تبجيلاً لإنجازات نصرالله في مقارعة إسرائيل وهزيمتها مرتين عامي 2000 و2006، وأملاً في أن يكون هو الأمل، لم يعد يمارس عادة التصفيق والاحتفاء، أو بتعبير أدق لم يعد الجمهور كله يفعل ذلك، فلا ريب أن ثمة من ما يزالون يبجلون الرجل وحزبه، حتى بعد أن فقد بريق مقاومة الصهيونية وانخرط في الحرب السورية طرفاً رئيساً إلى جانب النظام، فبدا نتيجة هذا الانخراط، زعيماً طائفياً، لا زعيم مقاومة تتعالى على التقسيمات الجهوية والدينية.
ثمة مأزق أخلاقي يتبدّى بالضرورة في سلوك “جماعات” المقاومة، حين تصطف إلى جانب الاستبداد، بدعوى أنه يدعم المقاومة ويمارس الممانعة، فذاك الاصطفاف يتناقض حتماً مع وظيفة مقارعة الطغيان والظلم الذي يمثله الاحتلال، ومنه الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، ولكل أرض عربية، تماماً كما يمثل الاستبداد واحداً من وجوهه، وهي الوظيفة الطبيعية المفترضة بحركات المقاومة.
تلك إحدى حسنات الثورة السورية على أي حال، فهي إلى جانب كسرها الجمود التاريخي في الاستسلام للطغيان، وسعيها إلى الحرية والانعتاق، ساهمت في كشف ارتباك فكرة المقاومة عند قطاع رئيس من الحركات النضالية العربية؛ إذ ظهر أنها لا تأخذ في حسبانها مسألة كرامة الإنسان على إطلاقها، باعتبارها غاية الغايات من كل نضال، بل تتعاطى مع قضيتها المجردة، وقوامها في العادة تحرير الأرض من الاحتلال، باعتبارها الغاية النهائية لنضالها، لا الوسيلة الضامنة لكرامة الإنسان وحريته في أرضه ووطنه، والتي تعني أن النضال لا ينجح لمجرد التحرير، من دون أن يكون مفتاحاً للحرية، فلا نجاح لتحرير يفرض الاستبداد محل الاحتلال، كما حدث في غير ثورة تحرير عربية ضد الاستعمار!
أما حزب الله، فليست تلك مشكلته وحسب منذ انخراطه في الحرب ضد الثورة السورية: ليس أنه لم يتخذ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير جنوب لبنان، وسيلة لتحرير الإنسان اللبناني من استبداد الطائفية وظلمها، بل إنه هو نفسه يقيم مع الطائفية علاقة تكاملية: يقاوم بدعم طائفي، مقابل أن يقيم خياراته على أساس طائفي. هكذا نجح حزب الله في معركة تحرير الأرض بدعم طائفي شيعي امتد من إيران وعبر سورية إلى جنوب لبنان، وفي المقابل اختار الحزب مواقفه السياسية على أساس طائفي بحت: إنه يناوئ الاستبداد ويشجع على الثورة ضده حين يكون بعيداً عن طائفته، كما فعل نصرالله حين هنأ شعب تونس بالتخلص من الاستبداد حين نجحت الثورة التونسية؛ ثم شعب مصر عقب تنحي حسني مبارك، لكنه يدافع عن المستبدين والظلمة ويعتبرهم “رفاق سلاح”، حين يصنفون في خانته الطائفية!
ثمة خيبة أمل واسعة من حزب الله وأمينه العام إذن؛ وثمة شرخ أصاب صورتهما لدى المحبين والمؤيدين، بخاصة من العرب الذين يدركون أن عدوهم الأول هو الاستبداد، وأنه لا صدقية لفكرة المقاومة، ما لم تناوئ الاستبداد كما تناوئ الاحتلال، باعتبار التخلص من الاستبداد سيكون مفتتحاً للتخلص من الاحتلال، وأن المقاومة التي تدعم الاستبداد، بدافع طائفي جليّ، قد طالها ذلك الفساد البنيوي الشامل الذي فرض نفسه على السياسة والمجتمع والقيم في عالمنا العربي، فلم يذر حتى أنبل ما يمكن أن يفعله الإنسان: التضحية بروحه من أجل قضية يؤمن بها!
————
*نقلاً عن جريدة “الغد” الأردنية.