أن تحمل كاميرا في اليمن يعني أن تحمل كفنك
(د ب أ)
لا يمكنك التقاط صور في أماكن عامة باليمن؛ فهذا الأمر قد يقودك إلى السجن من قبل أطراف النزاع التي باتت تتوجس من أي نشاط متعلق بالتصوير، في بلد تراجعت فيه الحريات بشكل غير مسبوق، ضمن تداعيات الحرب القاسية.
ويعاني المصورون في اليمن من قسوة العيش في بلد يصنف بأنه يقبع في أدنى مؤشر الحريات الإعلامية في العالم.
واليمن يقع في المرتبة 169 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الإعلام، الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.
وسبق أن تعرض العشرات من المصورين للقتل أو الإصابة أو الاعتقال، فيما تلقى بعضهم تهديدات متكررة، مما جعلهم يتركون مهنة التصوير حرصا على سلامتهم من الأذى.
واستمر نزيف دماء المصورين في اليمن، وكان آخرهم المصور طارق مصطفى الذي قتل بانفجار في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي البلاد، قبل أسبوعين.
وإلى جانب مصطفى، قتل الإعلامي أحمد أبو صالح الذي يعمل سكرتيرا لمحافظ عدن، في الانفجار نفسه.
ونهاية الشهر الماضي، منع الحوثيون في العاصمة صنعاء المصور البارز عبد الرحمن الغابري من التصوير، وتم إيقافه مع فريقه بقسم شرطة ومصادرة كاميراتهم وهاتف الغابري، رغم امتلاكهم تصريحا من وزارة الثقافة الخاضعة للجماعة.
وحينها، أدانت نقابة الصحفيين اليمنيين حادثة إيقاف الغابري، محملة جماعة الحوثي مسؤولية الإجراءات التعسفية التي يشكو منها الكثير من الصحفيين والمراسلين في صنعاء، ودعت إلى سرعة تسليم كاميرات فريق العمل ومستلزماتهم.
وفي يوليو/تموز 2021، اعتقلت جماعة الحوثي المصور الصحفي فهد الأرحبي، على خلفية تصويره حفل زفاف في مدينة عمران شمالي اليمن.
وفي أغسطس/آب، حاصرت دوريات من الاستخبارات التابعة للحكومة اليمنية في مدينة تعز منزل المصور نايف الوافي، الذي تمكن من الفرار والاختباء في مكان مجهول، إضافة إلى محاصرة منزل زميله المصور طه صالح، الذي لم يكن في المنزل وقت المداهمة، وفق تقارير حقوقية.
مأساة حمل الكاميرا
في ظل الظروف الأمنية البالغة الصعوبة باليمن، بات حمل الكاميرا مهمة معقدة، لا يقوم بها إلا البعض، في سبيل إتمام الأعمال ومواصلة الحياة، رغم المخاطر القاسية.
يقول المصور الصحفي محمد التويجي “أن تكون مصورا في اليمن؛ فإنك بمثابة شخص يحمل كفنه معه”.
وأضاف “خلال الحرب أصبح المصور يحمل قضية كبيرة وهي نقل الصورة للعالم لما يحدث من جرائم وانتهاكات ودمار؛ لكن الخطر الذي يلاحق المصور أصبح كبيرا”.
وتابع “جماعة الحوثي المتسببة في هذه الحرب جعلت من المصورين والصحفيين الرقم الأول في قائمة انتهاكاتها واستهدافها المستمر لهم”.
ولفت إلى أن” جماعة الحوثي تخاف من المصورين والصحفيين، لكوننا نفضح جرائمهم وانتهاكاتهم، ونظهر للعالم ما تقوم به”.
وأضاف” في تعز قتل 4 من أصدقائي المصورين استهدفتهم جماعة الحوثي بالقذائف والقناصات، وهناك مصورون آخرون مصابون بشظايا أو برصاص قناص، بينهم واحد بترت قدمه”.
وأبدى حزنه إزاء واقع المصورين في اليمن قائلا “الحرب جعلت من المصور أينما ذهب مع كاميرته مطاردا بالانتهاكات والملاحقات”.
ويضيف التويجي “حتى في مدينة عدن، أصبح الدخول إليها وأنت لديك كاميرا جريمة، فالمجلس الانتقالي الجنوبي هو الآخر يلاحق المصورين والصحفيين”.
وختم قائلا “قبل الحرب كنا نقضي أوقاتنا في تصوير المعالم التاريخية وحياة الناس والطبيعة؛ لكن الوضع مختلف تماما الآن.. فحياتك قد تكون معلقة على صورة تلتقطها، أو في حدث تنقله أو قضية تود تعريف الرأي العام بها”.
مهمة قاسية
ورغم أن عديدا من الانتهاكات التي تعرض لها المصورون تم رصدها، فإن ثمة حالات لا يتم الإبلاغ عنها، لاعتبارات أمنية.
من بين هذه الحالات المصور “علي” الذي رفض ذكر اسمه بالكامل، لمخاوف أمنية، ويشير إلى أنه واجه صعوبات كبيرة في عمله بالتصوير، وأنه اختطف في أحد المرات من قبل مسلحين في العاصمة المؤقتة عدن، وتم تهديده بالقتل.
وتدخل أحد الوسطاء المحليين في الإفراج عنه، بعد أن تعرض لضغوط نفسية كبيرة.
وأضاف “مهمة التصوير في اليمن قاسية ومعقدة، وفيها الكثير من المصائب”.
وأكد أن التصوير هواية ومصدر عيش للمصورين، ولا خيارات أخرى لديهم في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة.
استهداف المصورين
تختلف نسبة استهداف المصورين من محافظة إلى أخرى، لكن يظل الوضع العام في اليمن مليئا بالعوائق والصعوبات، على مختلف شرائح المجتمع، خصوصا من هم مرتبطون في الأنشطة الإعلامية.
يقول المصور عبد الله العتواني “يواجه المصورون مخاطر كبيرة في ظل الحرب، خصوصًا مع عدم امتلاكهم أدوات السلامة التي تقيهم الكثير من المخاطر أثناء تغطية النزاع”.
وأضاف العتواني، وهو أيضا مدرب في مجال التصوير، أنه “لهذا السبب هناك عدد كبير من المصورين الذين قُتلوا وجرحوا أثناء تغطيتهم للمواجهات”.
وتابع “بات المصور مستهدفا من جميع أطراف الصراع، حيث تعد الكاميرا بالنسبة لهم عدوًا… لذا تجده مهددًا دائمًا ويشعر بالخطر ولو كان يحمل الكاميرا بعيدًا عن مناطق المواجهات”.
وتختلف نسبة المخاطر من مكان إلى آخر، وفقاً للعتواني “ففي محافظة تعز الواقعة تحت سلطة الحكومة تجد البيئة أكثر أمانًا نوعًا ما للمصورين من بقية المحافظات، بينما العاصمة المؤقتة عدن أيضًا تجدها آمنة بنسبة بسيطة أكبر من صنعاء”.
“أما أثناء تغطية المعارك المسلحة، فيواجه المصور الصحفي المخاطر ذاتها في كل محافظة”، على حد قوله.